ردّ «العودةُ إلى داهش» لا تكونُ إلّا بالعودة إلى مبادئه السامية

 

رَدّ «العودةُ إلى داهش» لا تكونُ إلّا بالعودة إلى مبادئه السامية

 

جريدة الأخبار، العدد ٣١٥٩ الاثنين ٢٤ نيسان ٢٠١٧

ماجد مهدي

حضرة رئيس تحرير جريدة «الأخبار» الأستاذ ابراهيم الأمين المحترم،
تحيَّاتي لكم ولجميع العاملين في جريدتكم الموقَّرة.
من منطلق حرصنا على جريدتكم التي نُجلُّها ونتابعُها بكلّ اعتزاز منذ نشأتها؛ وحفاظاً على الحقيقة التي دأبتم على الاستبسال في الدفاع عنها في كافّة الميادين، بلا تردُّدٍ أو وجَل، مهما كلَّفكم ذلك من تضحيات؛ ويقيناً منَّا بأنَّكم من فرسان الكلمة الحرَّة والقلم الأبيّ والموقف الصلب الذي لا يتزعزع، رأيتُ أن أكتب إليكم هذه الرسالة ردّاً على بعض ما ورد من مُغالطاتٍ وتشويهٍ لحقيقة شخص الدكتور داهش ومعجزاته ومبادئه في مقالة الصِّحافيّ محمَّد نزَّال الصادرة في العدد 3129 من الجريدة، تاريخ السادس عشر من آذار (مارس) 2017، تحت العنوانَين: «العودة إلى داهش» و«قانون الدكتور داهش».

وآملُ منكم، وأنتم مَن نرى في شخصكم بقيَّة أملٍ في وطنٍ مُشرذَم، أَن تبادروا إلى نشر هذه الرسالة – الردّ في المكان عينه الذي نُشرَت فيه المقالة، لا عملاً بقانون النشر والردّ الذي اعتاد الكتَّاب الاستناد إليه في مثل هذه الحالات، وإنَّما من موقع المسؤوليَّة التي تعلو فوق القوانين، والتي أنتم، في نظري، أسيادها والذائدون عن ذمارها. فأَنتم، بلا شكّ، تعلمون شخصيّاً علمَ اليقين ما تعرَّض له الدكتور داهش من ظُلمٍ واضطهادٍ في وطنه، وعلى يد رئيس الجمهورية اللبنانيَّة بشاره الخوري (1943-1952)، بسبب الدعوة الروحيَّة التي أطلقها، والتي كان في رأس أولويَّاتها العودة إلى الإيمان بالله وبالأنبياء جميعاً، وبخلود الروح، ووحدة الأديان السماويَّة، ووحدة الأسرة البشريَّة، والتأكيد على وجود العالم الثاني، نعيماً وجحيماً، وعلى مبدأ العدالة الإلهيَّة المتمثِّل بالثواب والعقاب الإلهيَّين. وكانت الأديبة والفنَّانة ماري حدَّاد، شقيقة زوجة الرئيس الخوري، قد اعتنقت تلك الدعوة، هيَ وزوجُها الأديب جورج حدَّاد وبناتُها الثلاث وصهرها جوزف حجَّار، الأمر الذي أوغر صدر عائلتها على الدكتور داهش فسعَوا جاهدين لإخراجه من البلاد. كما إنَّكم، ولا شكّ، مُطَّلعون على حقيقة المعجزات التي كان يُجريها أمام الآلاف من مختلف طبقات المجتمع وفئاته، بمن فيهم رجال الصِّحافة، من أجل إثبات صحَّة تلك الحقائق الروحيَّة العظيمة التي نادى بها، والتي ما زالت أصداؤها تتردَّدُ حتَّى اليوم في لبنان وخارجه. ولكم كنتُ أُمنِّي النفس بأن يأتي اليومُ الذي تَفتحُ فيه جريدتُكم ملفَّ هذا الرجل العظيم الأهداف الذي انتُزعَت منه جنسيَّته اللبنانيَّة، وسُجنَ، ونُفيَ خارج حدود وطنه إلى حلب وأَعزاز ثمَّ إلى الحدود السورية التركيَّة، بأمرٍ من الرئيس الخوري، وبلا محاكمة، خلافاً للدستور والقوانين، وذلك بالاتِّفاق مع إحدى العصابات المسلَّحة المعتادة على القتل والإجرام. ولا شكَّ، أيضاً، بأنَّكم على معرفةٍ بأخبار الحرب القلميَّة التي شنَّها الدكتور داهش على الرئيس وأعوانه من رجال الحكم الذين شاركوا في اضطهاده، وعلى أذنابهم من رجال الصحافة الصفراء الذين عملوا على تشويه صورته لقاءَ مالٍ خسيس كان يُدفعُ لهم من غير وجه حقّ من أموال المواطنين، وأنَّ تلك الحرب التي أسهمَ فيها جميعُ الداهشيِّين الأوائل، بِمَن فيهم السيِّدة ماري حدَّاد وأُسرتُها، قد دامت ثماني سنواتٍ من عُمر ذلك العهد الأسود البغيض. وقد أَسفرت عن 66 كتاباً و165 منشوراً أسود كتبها الدكتور داهش وطبعها سرّاً ووزَّعها على الشعب اللبنانيّ والسفارات والقنصليَّات في لبنان، وعلى الملوك والرؤساء العرب. وقد أوضحَ في كتاباته تلك للرأي العامِّ اللبنانيّ والعربيّ حقيقة قضيَّته العادلة، وكشفَ مخازي مُضطهِديه ومفاسدَهم في الحكم، وأسهم من خلالها في إشعال نار الثورة الشعبيَّة التي أَطاحَت بهم وأودَت بعهدهم في الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) 1952. ومع بداية العهد الجديد، تمكَّن من استعادة جنسيَّته وحرِّيَّاته وحقوقه المغتصبة كاملةً غير منقوصة، وذلك بفضل دفاعه الراسخ عنها.
لذلك، فإنَّني أَربأُ بشخصكم الكريم أَن تقبلوا بزجِّ اسم الدكتور داهش في أَمر قانونٍ انتخابيٍّ أنتَ تَعلمُ حقَّ العلم أنَّه صورةٌ عن وطنٍ مُمزَّقٍ جريح تتجاذبُه الطائفيَّةُ والمذهبيَّةُ البغيضة والأطماعُ الأشعبيَّة ورياحُ التعصُّب المقيتة التي كان الدكتور داهش من ألدِّ أعدائها، وكانت الكلمةُ سلاحَه الوحيد في حربه عليها، ونِعمَ السلاح! كما أربأُ بكم، وأنا الذي أسعدُ بقراءَة ردودكم على المظالم والأكاذيب، أن ترضى بأن تكون صفحاتُ «الأخبار» ترداداً للدعايات الكاذبة التي كانت تبثُّها أبواقُ التعصُّب الدينيّ والمذهبيّ والصِّحافةُ المسمومة في عهد الرئيس الخوري ضدَّ رجلِ الروح والفكر والأدب وعاشقِ الفنّ الجميل الأوَّل في لبنان، وصاحبِ الإنجازات الثقافيَّة، الأدبيَّة والفكريَّة والفنِّيَّة، التي تتعالى صروحُها في العالَم، الواحدة تلوَ الأُخرى.
فمعذرةً، يا أخي الكريم، إنْ أنا أَسهبتُ في التوجُّه إليك شخصيّاً قبل الردِّ على المغالطات في المقالة، وما ذلك إلاَّ لأنَّني أكنُّ لك تقديراً خاصّاً من غير معرفةٍ بشخصك. وقد وددتُ التعبير لكَ قبل سواك عن مشاعري تجاه ظلمٍ جديد يُصيبُ ذلك الرجل الفذّ بعد رحيله، وكنتُ أتمنَّى أن لا يَصدرَ مثلُ ذلك في جريدتكم التي أعتبرها جريدة الأحرار والمظلومين وأصحاب القامات العالية.
وهذه هي ردودي على المغالطات الواردة في المقالة، وذلك تبياناً للحقيقة:
1ــ إنَّ عنوان «العودة إلى داهش» الذي صدَّرتم به الجريدة يَعني، في الواقع، العودة إلى الإيمان بالله ورسالاته وأنبيائه، وبقيَم الحقّ والعدالة التي نذر الدكتور داهش حياته من أجلها، وإلى النهل من ينابيع فكره وأدبه وفنِّه التي تدفَّقت مئةً وخمسين كتاباً أدبيّاً تعملُ «الدارُ الداهشيَّة للنشر» The Daheshist Publishing Co. Ltd في نيويورك على طبعها وترجمتها وتوزيعها منذ عام 1984، باللغة العربية واللغات العالميَّة، ومُتحفاً فنِّيّاً هو «متحف داهش للفنّ» Dahesh Museum of Art القائم في «مانهاتِن» بنيويورك منذ عام 1995، والذي يضاهي بمقتنياته وأهمِّيته المتاحف العالميَّة الكبرى، ومكتبةً هي «مكتبة تراث داهش» (Dahesh Heritage (Fine Books القائمة أيضاً في نيويورك، والتي تبيعُ شتَّى أنواع الكتب العربيَّة والأجنبيَّة بالإضافة إلى مؤلَّفات الدكتور داهش والدراسات الصادرة عنه وعن أدبه. وقد كان الأصحّ أن يربط الكاتب العودة إلى داهش بالإشارة إلى معجزاته الحقيقيَّة ومبادئه السامية وإنجازاته الأدبيَّة والفنِّيَّة الرفيعة ودفاعاته العظيمة عن الحرِّيات والحقوق، لا أن يربطها بقانونٍ انتخابيٍّ لا علاقة للدكتور داهش به من قريبٍ أو بعيد. وما تصرُّفه على هذا النحو إلاَّ دليلٌ على جهله التامّ بحقيقة الرجل، الأمر الذي دفعه إلى إقامة مقارناتٍ لا فائدة منها، وتسيءُ لمواطنٍ لم يُسئْ إليه، ولا لسواه، وتُلصقُ به ما ليس فيه، ناهيكَ عن أنَّ هذا المواطن الأبيّ هو فخرٌ للشعب والأُمَّة وللإنسانيَّة جمعاء.
أمَّا العنوان الثاني «قانون الدكتور داهش»، فإنَّه لا يمتُّ إلى الموضوعيَّة بصِلة، إذْ إنَّ قانون الانتخابات يصدرُ عادةً عن الدولة اللبنانيَّة بعد أن يوافق عليه مُمثِّلو الشعب، وليس عن الدكتور داهش. ولم يكنْ من حقِّ الكاتب أن يستهين بمثل تلك القامة الرفيعة أو أن يتطاولَ عليها. وكان الأجدر به، طالما أنَّه يُحبُّ الهَزلَ في مثل هذه الكتابات ويريدُ أن يُسبغَ على مقاله طابعاً هزلياً، أن يُطلقَ على ذلك القانون اسماً آخر يناسبُ موضوعه.
2ــ إنَّ رواية وضع الدكتور داهش رأسه عند الحلاَّق التي افتتح بها الكاتبُ مقاله، والتي اعتبرَها أحد «الخوارق» الكثيرة التي تناقلتها الألسن عنه في لبنان، منتصف القرن الماضي، لا تمتُّ، في الحقيقة، بأيَّة صِلةٍ إلى معجزاته، وإنَّما هي من نِتاج الأقلام المسمومة المصابة بداء الحقد الطائفيّ التي اهتزَّت أركانُها في الأربعينيَّات خوفاً من دعوة الدكتور داهش إلى وحدة الأديان والتآخي الإنسانيّ، فراحت تختلقُ الأكاذيب حول شخصه ومعجزاته ومبادئه. ولقد كان من واجب الكاتب أن يطَّلع على خوارق الرجل المعجز من خلال كتَّابٍ ثُقاة من أمثال الأديبة والفنَّانة ماري حدَّاد في كتابها «معجزات الدكتور داهش وظاهراته الروحيَّة»، والعلاَّمة الشيخ عبدالله العلايلي في كتابه «كيف عرفتُ الدكتور داهش»، والشاعر حليم دمُّوس في الجزءَين الأولَيْن من كتابه «الوقائعُ الداهشيَّة» المؤلَّف من 20 مجلَّداً، والدكتور فريد أبو سليمان في كتابه «الخوارق الداهشيَّة في 20 عاماً» في ثلاثة مجلَّدات (2013-2014)، وكتاب «الدكتور داهش بأقلام نخبةٍ من معاصريه بمناسبة الذكرى المئويَّة لمولده» الذي أسهم فيه أدباءٌ وشعراء وكتَّابٌ من لبنان ومختلف بلدان العالَم (2010)، والمحاضرة التي ألقاها الدكتور غازي براكس في الجامعة الأميركيَّة في بيروت تحت عنوان «معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان»، وكتاب «الدكتور داهش رجل الأسرار»، للأستاذ اسكندر شاهين، مدير تحرير جريدة «الديار» اللبنانيَّة. وهذا الكتابُ الأخير الصادرُ باللغتين العربيَّة والألمانيَّة، والمعدُّ للطبع باللغة الإنكليزيَّة، هو حصيلة ما نشرَه الأستاذ شاهين في «ملفّ الدكتور داهش والداهشيَّة» في «الديار» على مدى 41 يوماً، بموضوعيَّةٍ تامَّة (2001)، وكتاب «معجزات وخوارق الدكتور داهش» للصحافيّ المصريّ لطفي رضوان، رئيس تحرير مجلَّة «المصوَّر» المصريَّة (1997)؛ وكذلك من خلال المقابلة التي نشرَتها مجلَّة «الأسبوع العربيّ» عام 1964، والتي أجراها الصحافيّ داوود أ. الصائغ مع الدكتور داهش، والمقابلة التي نشرتها صحيفة «النهار» في ملحقها عام 1965، والتي أجراها معه الصحافيّ حافظ ابراهيم خيرالله. وفي كلتا المقابلتَين، كانت عدسات الكاميرا المرافقة للصحافيَّيْن تأخذ صوراً للخوارق التي أجراها الدكتور داهش أمامهم، بكلِّ مراحلها، لتُنشر في المقابلتَيْن.
3ــ يذكرُ الكاتب بالحرف الواحد أنَّ الدكتور داهش «كان خبيراً في القوانين الانتخابيَّة، وأنه بلغ شأناً رفيعاً في هذه الصنعة أين منه عبدو سعد وكمال فغالي وأقرانهم». هذا الكلام لا أساس له من الصحَّة على الإطلاق. فالدكتور داهش لم يتَّخذ قطُّ صنعةً لنفسه، ولا كان خبيراً في ما جعله الكاتبُ خبيراً فيه. أمَّا القوانينُ الانتخابيَّة في لبنان، المُنافية لأَبسط مبادئ العدالة الاجتماعيَّة وحقوق الإنسان، فما هي في صورتها الحاليَّة المُخزية إلاَّ قُشاشةً في عين الدكتور داهش، وفي ميزان أهدافه العظيمة، إذْ إنَّها لا تليقُ بشعبٍ يتوقُ للعيش بحرِّيَّةٍ وكرامة ويأبى أن يَبذلَ ماءَ وجهه أمام الحكَّام والمسؤولين.
4ــ أمَّا ما ذكرهُ الكاتب عن الورقة التي سلَّمها الدكتور داهش للنائب بشير العثمان، والتي تضمَّنت نبوءةً بفوزه في الانتخابات النيابيَّة، فهو صحيحٌ في جانبٍ منه، لكنَّه جزمَ بأنَّه «لم يكنْ ما كتبَه داهش على الورقة سوى الرقم 11856، أي عدد الأصوات التي دخل العثمان بها المجلسَ النيابيّ»، وفقَ قوله. هذا الجزم بأمر مضمون النبوءَة عارٍ من الصحَّة تماماً. فصورةُ النبوءَة مدرجةٌ في مجلة «اللواء» التي ذَكرها، وكذلك في كتاب المحاضرة التي ألقاها الدكتور غازي براكس في الجامعة الأميركيَّة في بيروت، والتي سبق ذِكرُها (1970)، وفي كتبٍ أخرى. فالورقة توسَّطَتْها نجمةٌ خماسيَّة توزَّعت فيها أحرف «جَذبوها»، وقد جاءَ فيها ما يلي:
«بحقّ الله والنبيّ الحبيب الهادي أن يُسمح بمساعدةٍ روحيَّة كي ينتصر الأخ الحبيب (بشير العثمان) وبما أنَّه سينتصر فإنَّه سيأخذ 11856 صوتاً من أصوات الناخبين وذلك بمساعدةٍ روحيَّةٍ بإذنه تعالى». وعن يمين الورقة كُتب ما يلي: «مستجاب بحقّ الله تعالى» وتحتها «تاريخ 29 شباط 964» وتوقيع «داهش». وعن يسار الورقة كُتب ما يلي: «الساعة 4 ونصف بعد الظهر».
أما الهدف من حدوث تلك المعجزة فهو إثباتُ وجود الروح وقدرتها على معرفة الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى، وبقوَّةٍ جبَّارةٍ منه، ليس إلاَّ.
هذا الجزم في أمرٍ خطأ يؤكِّدُ أنَّ الكاتب كان يُلقي الكلام على عواهنه. ولو أنَّه ازداد اطِّلاعاً في الموضوع قبل الكتابة عنه لكان قرأَ ما صدَّر به الصحافيُّ المصريُّ الألمعيّ الكبير الدكتور مرسي سعد الدين مقالته عن «مُتحف داهش للفنّ» التي نشرها في مجلَّة «نصف الدنيا» الصادرة عن مؤسسة «الأهرام» بالقاهرة، بتاريخ 17/4/2005 إذْ قال:
«المُتحف العربيّ الوحيد في نيويورك. مُتحف داهش هو خطُّ الدفاع الأخير عن العرب».
فكيف يستوي مثلُ هذا الكلام المسؤول للأديب المصريّ الكبير مع كلام الكاتب نزَّال، سواءٌ ما رددنا أو ما سنردُّ عليه في هذا السياق!
5ــ إنَّ المعجزة التي ذكرها الكاتب، والتي تمَّ فيها استحضار القطع الذهبيَّة التي فكَّر فيها الرئيس صبري حماده إلى قبضة يده المقفلة أمام الحضور، صحيحة. وما شاهده الرئيس حماده ومرافقوه الكثُر من معجزات في تلك الجلسة جعلَهم يأبَونَ المشاركة في اضطهاد الدكتور داهش، ويردُّون مشروع القانون الذي تقدَّم به الرئيس الخوري إلى المجلس النيابيّ من أجل منع القيام بالمعجزات والأعمال الخارقة في البلاد، والذي كان الهدفُ الحقيقيُّ منه النيل من الدكتور داهش ومنعه من إتيان الخوارق وعقد الجلسات الروحيَّة. وهو ما أطلقَت عليه الصُّحف آنذاك اسم «قانون داهش». وقد هُزمَ بشاره الخوري، يومذاك، هزيمةً مُدوِّية في ما كان يُخطِّطُ له بغية إخراج الدكتور داهش من البلاد، الأمرُ الذي جعله يُقدمُ على ارتكاب جريمة تجريده من جنسيَّته اللبنانيَّة وإبعاده عن وطنه، بالقوَّة، وخلافاً للدستور والقوانين. تلك الجريمة تُعَدُّ بحقّ جريمة القرن العشرين بلا مُنازع، إذْ وقفَت دولةٌ بشخص رئيسها وبعض سياسيِّيها، وبكامل أجهزتها القضائية والأمنيَّة، في مواجهة مواطنٍ أَديبٍ ومفكِّرٍ، ديْدَنُه الحقيقة، ومعدِنُه الصِّدق، وغايتُه الخيرُ الأَسمى، وأعزل إلّا من سلاح القلم، ولم يرتكبْ أيَّة جريرةٍ يُحاسَبُ عليها، فشوَّهَت سِمعته أمام الرأي العامّ، وسامَته حيْفاً سيَذكرُه التاريخُ في صفحاته، وستتذكَّره الأجيالُ القادمة بكلِّ أسى، مهما طال الزمن.
أمَّا الكاتب، فعلى الرغم من ذكره لتلك المعجزة بشكلٍ صحيح، وعلى الرغم من جبروت القوَّة التي صنعَتها، سواءٌ صدَّق بها أم لم يُصدِّق، فإنَّه لم يتورَّع عن توجيه سلسلة اتِّهاماتٍ بحقِّ الدكتور داهش والداهشيِّين، وراح يَخبطُ خَبط عشواءٍ في كلامه عنهم. وهو ما سأُبيِّنُه في البند اللاحق من هذا الردّ.
6ــ قبل خاتمة مقالته، يذكرُ الكاتبُ بالحرف الواحد: «ليس البحثُ الآن عن حقيقة الدكتور داهش. حركاتُ «الباراسايكولوجي» (لمن يراها كذلك) هذه أصبحَت من الماضي علميّاً. أجهزةُ الاستخبارات ومختلف أنواع «حركات القُرعة» قد أَثقلَت العالَم، قديماً وحديثاً، وجعلَته يتثاءبُ من الملل. ليس المقامُ الآن للحكم على «الداهشيَّة» وأتباعها، إنَّما للإشارة، وبكلِّ ما تحتملُ الفكرةُ من سُخرية، إلى قوانينَ انتخابيَّة سخيفة يطرحُها القومُ اليوم، من هنا وهناك، تكادُ تجعلُ البعض يعرفُ عدد الأصوات التي سينالُها كلُّ مرشَّحٍ قبل الانتخابات». ثم َّ يُتابعُ القول: «داهش كان يُمخرق، ولكنَّه هو «داهش» في النهاية. مقبولةٌ منه. لكنْ أن «يُدهشنا» السياسيُّون (الطبيعيُّون يعني) كلَّ يوم «بقانونٍ داهشيّ» جديد!…».
إنَّ مثل هذا الكلام قد أظهر نوايا الكاتب إزاءَ الدكتور داهش والداهشيَّة والداهشيِّين، وأنَّ الهدف منه، كما هو واضحٌ للعيان، لم يكنْ البحث في قانون الانتخابات. والمؤسف أنَّه يصدرُ عن صحيفةٍ وقفَ رئيسُ تحريرها، وما يزال، مواقفَ البطولة في وجه أساطين البغي دفاعاً عن الحريَّات وحقوق الناس، كلِّ الناس، وإلى أيَّة مِلَّةٍ أو طائفةٍ أو عقيدةٍ انتمَوا. نعم، إنَّ الكاتب يتَّهمُ الدكتور داهش بالمخرقة، وهو لم يعرفه ولم يتعرَّف إليه، ولم يقرأْ له، ولا قرأَ ما كتبه فيه أهلُ القلم الشُرفاء الذين يفتخرُ القلمُ بانتمائهم إليه، ولم نسمع بأنَّ هذا الرجلَ قد أَساءَ إليه. ومع ذلك، فهو يعيدُ أعماله إلى حركات «الباراسايكولوجيّ»، ويؤكِّدُ أنَّ هذه الحركات قد أصبحَت من الماضي علميّاً، (ومتى كانت الباراسايكولوجيا عِلماً معترفاً به حتى يُسقط عنها الكاتبُ صفتَها العلميَّة؟!) (ولْيقرأْ، إذا شاء، الكتابَ الذي ردَّ به عددٌ من الكتَّاب الداهشيِّين على مهاترات الدكتور روجيه خوري الباراسايكولوجيَّة الكاذبة؛ ففي مقدور هذا الكتاب أن يَقيه مؤونة الوقوع في الخطأ. وهو بعنوان «أضواءٌ جديدة على مؤسِّس الداهشيَّة ومعجزاته الروحيَّة مع فَضْح ونَقْض للعلوم الكاذبة ولمزاعم روجيه خوري الباراسيكولوجيَّة»).
أمَّا غمْزُه من قناة الدكتور داهش وإلماحُه إلى «أجهزة الاستخبارات»، و«حركات القُرعة»، وما أَسماه تثاؤب العالَم، وإصابته بالملل، من غير أن يُفسِّر القصد من كلامه، فما هي إلاَّ سفسطةُ كلام. ويبدو منه وكأنَّنا ما زلنا نعيش في عصر المهاترات والاتِّهامات بالتآمر التي كانت تطلع بها علينا بعضُ الإذاعات العربيَّة. ومع كلِّ ذلك، وبعد التُّهم التي ألصقها بالرجل، يُضيفُ الكاتب قائلاً إنَّه «ليس البحث الآن عن حقيقة الدكتور داهش». نكتفي بالتوقُّف عند هذه النقطة لنطرحَ السؤال: «تُرى، من هو المُمخرقُ الفعليّ؟!»
7ـ وفي النهاية، يقول الكاتب: «ربَّما لم ينجح أحدٌ في معرفة حقيقة «داهش» أكثر من المؤرِّخ والكاتب الألمعيّ هشام شرابي. التقاه في سبعينيَّات القرن الماضي… فَهمَ داهش أنَّ شرابي فهِمَه، فقال له: «أنا لم أكذب على أحد. الناس تريدُ الهرب إلى الماضي، إلى المستقبل، إلى العالَم الآخر. الناس تريد الاتِّصال بالأرواح للخروج من كابوس الحياة. الصوت الذي يسمعونه من عالَم الموتى هو صوتُهم».
جواباً على هذا الكلام أقول: إنَّ ما ذكره الكاتب من أنَّه ربَّما لم ينجح أحدٌ في معرفة حقيقة «داهش» أكثر من المؤرِّخ والكاتب الألمعيّ هشام شرابي، هو رأيه الخاصّ، وهو حرٌّ في رأيه بالطبع. لكنْ يُقتضى التوضيح بأنَّ الذين عرفوا الدكتور داهش على حقيقته كثيرون، فيهم الأُدباءُ والشُّعراءُ والفنَّانون والصِّحافيُّون ورجالُ الأعمال وعُمداءُ الجامعات والأساتذة والضبَّاطُ والعسكريُّون والناسُ العاديُّون، وسواهم، رجالاً ونساءً، تشهدُ بذلك المقالاتُ والدراساتُ والقصائدُ الشِّعريَّة التي ضمَّها كتاب «الدكتور داهش بأَقلام نُخبةٍ من معاصريه بمناسبة الذكرى المئويَّة لمولده»، وكذلك الكتب العديدة الأخرى الصادرة حول شخصه وخوارقه وأدبه، وفي قضيَّة اضطهاده.
8ـــ وفي الختام، يُنهي الكاتبُ مقاله بهذا التمنِّي: «ليت شرابي يعودُ إلى الحياة، ويأتي بجليسه «داهش» معه، ليَفضَحا، بالأسماء والأرقام، وجوه «الداهشيَّة السياسيَّة» في بلادنا».
وجواباً عليه أقول: كان الأجدرُ بالكاتب، وهو المنتمي إلى جريدةٍ محترمةٍ كالأخبار، أن يقوم بواجبه الصُّحفيّ برصانة، فيتناولَ قوانين الانتخابات بموضوعيَّة، ويضعها مع سواهُ من الصحافيِّين على مِبضَع أقلامهم، ويفرزوا الغَثَّ من السمين فيها، ويصارحوا الشعب علانيةً بأخطاء المسؤولين والسياسيِّين وأصحاب الشأن، إنْ هم أخطأُوا، على أن يفعلوا ذلك في حدود الأدب والقانون. أمَّا أن ينتظر تدخُّل الأرواح لتُنيله بُغيته، فهذا ما لن يتمَّ، ولن يُفيد في شيء. ومن الأفضل أن نتذكَّر دوماً قولَ الله تعالى في كتابه الكريم «إنَّ الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم» (سورة الرعد: الآية 11).
أمَّا الداهشيَّة التي وصَمَها بما تترفَّعُ عنه ترفُّعَ النُّور عن الظُّلمة، من خلال ما أسماه «وجوه الداهشيَّة السياسيَّة» في بلادنا، فإنَّها كالشمس في عُلاها… وهي كما قال فيها مؤسِّسُها:
«الداهشيَّةُ جبلٌ أَشمّ شامخُ الذُّرى، ثابتُ الأركان، راسخٌ ومَكين
صِيغَ من الفولاذ الجبَّار القويِّ الصَّلبِ الصَّلْدِ المُتراصِّ المتين
تَلتوي كُرتُنا الأرضيَّة، ويتلاشى وجودُها دون أن يَنحني أو يَلين…»

* كاتب لبناني مقيم في كندا. من مؤلَّفاته: كتاب «كيف آمنتُ بالداهشيَّة»، وكتاب «الداهشيَّة وأزمة الحرِّيَّات في لبنان» الذي ما يزال قَيْدَ الإعداد للطبع. وقد ألقى عام 1970 محاضرةً عن الدكتور داهش والداهشيَّة في «قصر المؤتمرات» في مدينة تولوز الفرنسيَّة. كما أَجرَت معه إذاعة France Inter مقابلةً تناولت بالبحث مُعجزات الدكتور داهش ودعوته إلى وحدة الأَديان السماويَّة. وله عدَّة دراسات ومقالات منشورة في الصُّحف، ويمثِّلُ حاليّاً «الدار الداهشيَّة للنشر»، ومقرُّها مدينة نيويورك، في كندا وأوروبا والشرق الأوسط.

رأي
العدد ٣١٥٩ الاثنين ٢٤ نيسان ٢٠١٧
المصدَر: http://www.al-akhbar.com/node/276152