هل يمكن أن تكون الداهشيَّة هي الحَلّ؟

 

المقَدّمة بِقلَم يوسف ق. سلامة

 

مقَدّمة

إنَّ ما سيُطالِعه القارِئ في هذا المَقال الرَّائع لَهُوَ الحقيقة في حكمتها ورُقِيّها، إذ يأخُنا في رِحلة روحَيَّة مباركة نَقْطِف  فيها ثِمار خِبْرة روحيَّة قَلَّ نَظيرها. فما كتَبَهُ الأخ العزيز مُنير مراد هو عُصارة خبرة اخْتَصَرها في سطور تُغْني عن كتاب. فَمُنذُ بِداية حياتِه واخْتباره للحياة بالتِزامِهِ بوصايا الدكتور داهِش نَجد أن الحَق يَكْمُن في تطبيق وصايا الرّسالة الداهِشيَّة التي تَدعو إلى الإيمان بالله وبوحدة الأديان؛ يُفَسرها من خلال عَمَل السيَّالات في الكون التي هي قوام الكائنات والعامل المشترك بينها. حيث ينتفي الفَرق بين الإنسان وأخيه الإنسان، حيث يكون المرء واحداً مع الطَّبيعة بالإعتناء بها كنَفْسِهِ؛ وبالتَّالي احتِقار ونَبْذ كل ما هو مادّي يُشُد النَّفس إلى الإنحِطاط والإندثار في دركات الجحيم. فهدفنا المنشود هو الإرتقاء الرُّوحي والإتحاد بكلمة الله تعالى حيث تجتمع السيَّالات إلى الأبد في كوكبها الفردوسيّ المنشود.

سيرى القارِئ مقالاً يشرح معنى العيش المشترك الحقيقيّ وكل ما يَمُت للروح من فَضائل مُبارَكة في معناها ومغزاها لا سيما من خلال اختبارِها الفِعْليّ التي الكاتب هو مِثالٌ عظيمٌ لها، في الرسالة التي جاءت لِتُذَكرنا بالمعنى الحقيقي للأديان.

 

هذا المقال قد نُشِر لأول مرة في العدد الأول لِمجلة صوت داهِش عام 1995

 

 

 

بقلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

هل يُمْكِن أن تَكُون الدَّاهِشيَّة هي الحَلّ؟

 

أنا عربي أمريكي  جاءَ إلى الولايات المتحِدة الأمريكيَّة قبل عشرين عاماً، كنت آنذاك في السادسة عشر من عُمري. وقد طُبِعْتُ في تلك الأثناء على عادات وتقاليد شرقنا الأوسط التي كانت وسَتَبقى جزءا مِنّي. وبِرَغْم مرور حوالي جِيلَيْن على مكوثي في هذا البلَد إلا أن لهجتي الإنجليزيَّة ما زالت  متواضِعة ، حَتَّى أن أغذية الشَّرق الأوسط ما زالت المُفَضَّلة لَديّ. وبَعْدَ انتقالي إلى هنا، شَعَرْتُ بحُبّ لأشياء في ثقافة وعادات وطني و بِبُغضٍ لأُخرى. وبرغم ذلك، وفي ذلك الوقت، كان يُداخَلني شعور عميق بأنني لَسْتُ من الشَّرْق وبضَرورة انتقالي إلى الغَرْب.  تُرى هل كان ذلك الشعور ناتِجاً عن نُّفوذ الغَرْب المُتزايد في المنطَقَة؟ يمكن ذلك، لكن ، ودائماً، يوجد شيء اسمه المَصير.

 

أمَّا عن جَدَّايَ فبالكادِ تَمَكَّنوا من النُّزوح من تُركيا إبَّان المجزرة الأرمنَيَّة في عِشرينات القرن الماضي. وفي الأربعينات ، كان على عائلتي الإنتقال من القدس الى بيت لحم لتَجَنُّب القتال بين العرب والصهاينة، لِيجدوا أنفسهم  في نُزوح من الضّفة الغربية في الأردن إلى لبنان بعد فترة وجيزة من الحرب الإسرائيلية-العربية 1967. عند اندِلاع الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة غادرتُ وعائلتي إلى أمريكا.

وهكذا، في غضون ستة عقود، اضطرت عائلتي إلى تَخَلّي عن المنزل مَرَّات عديدة من أجل البقاء.

لَم تَكُن هذه التجرِبة خاصَّة (فَريدة) فَملايين البشر اختبروا هذه الحالة، وملايين آخرين قد يكونوا في اختبار لها حاليَّا أو سيختبِروها في المستقبل. لماذا؟ إنَّه سؤال مُحَيِّر! لِمَ يذبح الأتراك الأرمن؟ لِماذاَ يتقاتل العرب والإسْرائيليُّون؟ لِمَاذا يتقاتل اللبنانيُّون بين بعضهم البعض؟ لِهذه النّزاعات أسباب سياسيَّة، لكنها، تَحْدُث، بِسبَبِ الدّين كَسَبب أساسيّ.كم هو مُحْزِن! فبإضافتنا النزاعات الإقليميَّة والسياسيَّة إلى الدّينيَّة نحصل على إنسانيَّة غارِقة في البَغضاء. ويزداد الأمر سوءاً عندما نرى أن تَدَخُّل القوى الكُبْرى يأتي فقط عند تَوَفُّر مصالِح إقتصاديَّة في البلاد الحاصِل فيها النّزاع.

في الغَرْب، وجَدْتُّ أن المكان يواجه كثيراً مِمَّا يواجهه الشَّرْق، لكن على مستويات مُتَفاوِتة. ومن المشاكِل الطَّاعِنة للإنسانيَّة بالوباء هي التَّعَصُّب العُنصُريّ و العِرْقيّ وتهديم الوِحدْة العائليَّة. فإذا أردنا حَلَّا لِهذه المسائل، كيف يمكن ذلك؟  هل نبدأ بِثَورة مُسَلَّحة؟ هل نَتّجه صوب الأصوليَّة الدّينيَّة؟ لا بكل تأكيد. إن سفك الدماء لن يُنْتِج سوى مزيداً من البغض وسفك الدّماء.

لن ينتج عن الأصوليَّة الدينيَّة سوى عَزل الفكر الحُر للأفراد  وبالتَّالي تسبيب الفوضى.

لكن عِوَض ذلك إذا حَكَّمنا التَّفكير السَّليم ستكون للإنسانيَّة فُرصة جديدة.

أنا أُقَدم مفهوماً فلسفيَّاً إذا تَمَّ تَبَنّيه سيقود إلى عالم مختلف وأفضل بِمراحل كثيرة. هذا المفهوم يُدعى الدَّاهِشيَّة.

 

في البداية، علينا التَّخلُّص من المُسبّب الرَّئيسيّ للكراهيَة الدّينيَّة. يمكننا التخلُّص مِن عَداء كهذا بِتَقَبُّل مُعْتقدات الآخرين.  ودون قيد أو شَرْط على الدَّاهِشيّ أن يَقْبَل بأن أصل الأديان هو واحِد وذلك على اختِلاف أنواعها وجماعاتها ومستويات الوعيّ الفِكري لِأبنائها عبر الأزمنة.

الدَّاهِشيَّة لا تُفَرّق بين يهوديّ أو مسيحيّ أو مُسلم أو بوذي أو هندوسيّ. فالدَّاهِشيّ ذو الجذور المسيحيَة عليه أن يُنادي بتعاليم الإسلام وغيره من الأديان. والأمر نفسه ينطبق على الداهِشيّ الآتي من جذور إسلاميَّة أو يهوديَّة أو هندوسيَّة أو بوذيَّة أو أي دين آخر. فسِرَّاً أو علانيَّة،على الدَّاهِشيّ ألا يحمِل في قلبه تَحيُّزاً لأي دين عند حدوث نزاع بين جماعات دينيَّة . فخلافات كهذه تناقِض جوهر التعاليم الدّينيَّة. الداهِشي يقبَل بموسى و عيسى ومحمد وغيرهم كأنبياء لله. كذلك مارتن لوثر وغاندي وكثيرون غيرهم كَهُداة روحِيين. ولكن مِمَّا يُحيّرني هو أنه برغم عبادة أتباع الأديان لإله واحد، كُل يقول بِعِبادة الإله الواحِد. فإذا كانت كل فِئة تؤمن بقوة موجِدة واحِدة، ألا يقودنا الأمر منطقيا إلى الإستنتاج بأنهم يتحَدَّثون عن نفس الأمر؟ فإذا قبِلْتَ هذه المعادلات الثلاثة الآتية:  أ+ب=ج، أ+ب=د، وأ+ب=ه  فيكون الجواب منطقيّاً: ج=د=ه إذن على كل داهِشي أن يُسَلّم كامِلاً بأن الله واحِدٌ أحَد. إنه لهذا الإله الواحِد تُرْفَع صلواتنا. إن الإسم (بمعناه) الذي تُطْلِقْهُ على هذه القُوَّة الموجِدة هو غير ماديّ. باستطاعتك دعوتهُ َ، رَبّ، الله، أو أي إسم آخَر. الدَّاهِشي يعتَبر أن الله هو القوَّة المُهيمنة على الكون بأسْرِهِ ويؤمن أن من صِفاتهِ الكثيرة المَحَبَّة، العدل، الحكمة، المُسامَحة.

ولكن كيف يمكن لله أن يكون عادِلاً في حين انه يسمح بحدوث عِقاب أليم غير عادِل؟ كيف يمكن لله أن يسمح لِشَخص أن يولد أعمى و آخر بعينين سَليمَتين؟ كيف يمكن لله أن يسمح بولادة شخص فقير وآخر غَنيّ؟

إن الأمر أن الله عز وجَلّ عادل وما تراه هو إحقاق للعدالة.  إن الداهِشيّ يؤمن بنظام عدالة كونيّ قوامُه مجازاة كل إنسان بحسب أعماله خيراً كانت أم شَرَّا، وذلك في حَيَواته السَّابِقة والرَّاهِنة. لا جريمة يمكن أن تَمُرَّ دون عِقاب، كما لا يمكن لِعَمل صالِح أن يَمْضي دون مكافأة. يؤمن الداهشيّ أن حياتنا الحاليَّة إنْ هي إلا فُصولٌ في سِفْرِ الحياة وأن انتقالنا من فصل إلى آخر يكون عبر التَّقَمُّص.

 

ومن وجهة النَّظَر هذه، التَّقمص هو رحمة إلهيَّة من لدن  تعالى تَسْمح لنا بالعيش من فترة لأخرى حَتَّى يَتَسَنَّى لنا التَّخَلُّص التَّام من رِبْقة قوى الشَّر. إن مفهومَيّ النَّعيم والجحيم المُعَرَّف عنهما في الكتب المُقَدَّسة إنْ هو إلا تبسيطٌ زائد عن حقيقة الأمر هنالك.

 

إن العالمَ مليءٌ بالعوالم المأهولة. إن مجموع العوالم التي تَفْضُل عن عالمنا تُدعى النَّعيم أو العوالم الفردوسيَّة، كما تدعى العوالم المعْتَبَرَة أكثر دناءة من عالمنا بالدَّركات أو الجحيم. هل تعتقد حَقَّا بأننا الكائنات الحيَّة الوحيدة في الكون الشَّاسِع؟ ليست أرضنا سوى جُسَيم من غبار مقارنَة مع حجم الكون. لِمَ يذهب الله تعالى إلى هذا الحَدّ إذا كان همُّه الوحيد هو إيجاد حياة على الأرض؟ إن الكون واسِعٌ لأن الله ملأه بالحياة. يؤمن الدَّاهِشي بأن كل ما هو موجود خاضِع لِصراع الخير والشَّر لكن على مستويات متفواتة.

 

لا يمكن لأرواحنا بلوغ الكمال والإتحاد بروح الله في العالَم الروحيّ سِوى عندما نتحرَّر من قوى الشَّر بشكل نهائيّ. ليست حياة كل مِنَّا سوى مظهراً من مظاهِر الرُّوح الكائنة في هيئة مادّيَّة.

 

يُؤمن الدَّاهِشيّ بأن لهذه الرُّوح امتدادات لا عَدَّ لها متّخذة أشكالاً غير معدودة في عوالم النَّعيم والجحيم. وبكلمات أخرى، إن روح الفرْد مُتَّصِلة بعوالم ذوات أشكال حياتيَّة مُخْتَلِفة. تتميَّز الداهِشيَّة عن الفلسفات في فكرة الوجود المتزامن (الوجود في وقت واحد) في جميع انحاء الكون.

إذا غلبت دكونة أو خِفَّة لون بَشَرة على شخص عن شخص آخر فهل هذا يعني  أن شخصاً أفضل من آخر؟ لا بكل تأكيد.  لا علاقة لِصَلاح أو طلاح الإنسان بلون بشرته. الدَّاهِشيّ يُسَلّم بفكرة أن جميع السُّلالات يجب أن تُعامَل بالمساواة. لا يمكن لجماعة أن تُبَرّر استغلالها وسيطرتها على أخرى لمجرد أن لون بشرتها أخف وزناً من غيرها. عندما يقابل داهشيَّاً شخصا ذا لون مختلف فَعَلَيْهِ ألا يُثير في فْكْرِهِ أمْرَ تَفوّق إنسان على آخر؛ فهذا مُنْتهى الحَقارة. الداهِشي يُسَلّم بوجود حُبّ أخوي يشمل شعوب العالَم بأسْره. قد يختلف الرجال والناس في الهيئة الجسديَّة لكن ليس لِأيّ جِنس الحق أن يَسْتَغِل أو يُهَيْمِن على مُعْتَقَد الآخر. إن ما على كل داهِشيّ أن يُسَلّم بِه هو المساواة بين الرجل والمرأة في جميع نواحي الحياة. فما يطبَّق على الرجل يطبَّق على المرأة بالمساواة في أي قانون كان. إنني أجد أمر عدم المساواة بين الجنسين غامض بشكل تامّ. لماذا على امرأة متساوية في الحقوق والواجبات مع الرجل أن تحصل على أجْرٍ متدني كثيراً؟ لماذا على رجل عاد من عمله أن يَحْتسي البيرة ويشاهِد الُتلفاز ويتناول ورقة لقراءتها في حين أن على زوجته التي تتقاضى نفس الأجر أن تقوم بِتحضير الغذاء وغسْل الصُّحون وإيواء الأطفال إلى الفراش؟ لِمَ توجد هذه المعايير المزدوجة عندنا؟ إن الرجال الداهشيون يرون أن النّساء الداهشيات مساويات لهم والعكس صحيح أيضاً.

كل شخص هو في حالةِ تَغَيُّرٍ متواصِل. إن النزاعات اليوميَّة تعمل على إعادة تشكيل سلوكنا وعمليات التَّفكير لَدينا. فَليس إلا من خلال هذه التجارب أننا قادرون على صَقْلِ حواسنا وتجاوز الحالة الراهنة لدينا من الوجود. الحياة مليئة بالتناقضات – نحن منقسمون بين الماديَّة والرُّوحانيَّة، بين ما هو الحق والباطِل. أين نَضَع الخَط الفاصِل؟ تحت أي نِظام عَيش أخْلاقيَّ يُفْتَرَض بِنا أن نَعيش. هل هذا القانون منحوتاً على الحجر؟ كيف ستكون ردَّة فِعْلِ الناس على موقفك حول قضايا معينة؟ إنَّهُ في مواجهة هذه الأسْئلة تكون إستجابة الناس على نحو شَخصِيّ. إنَّ الأمر يَقْتَضي فَهْمَ ضعفاتنا البشريَّة وتنوّعنا.

لن يكون تفاعُل كل داهِشي مُطابِقاً للآخر تحت الشروط نفسها . إن الداهشيّ يتبع القواعِد الأساسيَّة التي تَنصُّ عليها جميع الأديان الكُبرى. ومع ذلك، لا يمكنه/ا  أن يَقِفَ موقفاً أعمى  اتّجاه القوانين التقليدية التي تُعَزّز التَعَصُّب والعنصرية والكراهية والعُنْف. كيف يجب أن نتعامَل مع بَعْضنا البعض؟ يجب أن يكون الداهِشيُّون إنسانيين. يجب أن يشعروا بالتعاطف مع المرضى والفقراء في هذا العالم وتقديم يد العون كلما أمكن ذلك. الداهِشي هو الذي يبكي مع المُعَذَبين ويفرح مع الفرحين.  الدَّاهِشيّون لا يحسدون غيرهم، لأنهم يفهمون أنَّهُم سَيُعطَون كل ما لهم من حيث الثروة، والصحة، والذكاء، والحكمة بنسبة مباشرة حسب ما يستحقون. الداهشيون صادقون عند تعاملهم مع الآخرين، ولا يغمض لهم جفن ليلا إذا كانوا قد ظلموا رَفيقاً.الدَّاهِشيّ لا يَتَرَدَّد عن الصَّفْح، مُمْتَنِعاً عن الغَضَب. الصَّفْح ليس دائماً سهلاً،  ولكن على المدى الطويل هو أسهل بكثير من أن تحْمِل الكراهية في قلبك. الداهِشيَّة ترفض فِكرة العُنْفِ. إن فَرْضَ إرادَتِكَ على الآخرين هو عمل بَرْبَرِيّ وغير إنسانيّ. إنه لِجَميعنا حَق التَّعبير عن أنفسنا بُطِرُق مختَلِفة. لكن اللجوء إلى القوّة الوحشيَّة أمر غير مقبول على الإطلاق.

 

ومن العار والخِزْي عند البشر أن يكونوا غير قادرين على حَلّ خلافاتهم من خلال الحِسّ السَّليم والحِوار. كيف يمكننا أن نواجه أنفسنا عندما نكون قد آذينا غيرنا أو فَرَضْنا إرادتنا عليهم لإثبات وجهة نظر ما؟ لسوء الحَظ إن العُنف يُحيطُ بِنا. أنظر إلى الحروب التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصى التي تخوضها البشرية الآن  وعلى مَرّ العُصور. الاغتيالات السياسية،  والاضطهادات الدينية،  وضَرْب واغتِصاب النساء،  والاعتداء على الأطفال،  وعدد لا يُحْصى من الأعمال الوحشية الأخرى. كيف نتعامل مع الكيانات الحَيَّة الأخرى على الأرض؟ الموارد الطبيعيَّة للداهِشيّ هي من أجل البقاء لا للإساءة إليها. إن الأرض ليست مأوانا فحسب بل مأوى بلايين الكائنات الأخرى التي لا قدرة لها على إيقاف الإستِغلال البشريّ لها. يُدرك الداهِشيُّون أن كِلا من النباتات والحيوانات هي كيانات حيَّة ذات مستويات من الوَعْي. إنهم يعانون مثلنا من الألم والمرض ومن قُوى الطبيعة. عندما نُحْرِقُ الغابات نقتل ملايين من الكائنات الحية. عندما نُلَوّثُ نهر أو مَجْرى  نُسمّم كائنات أُخرى.  الداهشية لديها التعاطف والرحمة لجميع خلق الله، وكذلك الإحترام للأرض الدَّاعِمة لنا حينما نَعيش والتي تحتضن بقاياناعندما نموت. إن طريقة قضائنا على الجهل هي من خلال المعْرِفة. الداهِشيون يُجِدُّون في طلب العِلم ويدرِكون معنى الحاجة لِصَقْلِ رُشْدِهِم.

 

البحث عن المعرفة هو الهدف الأسمى ويُؤدي إلى فهم أفضل لقوانين الطبيعة والإنسانية، و أهمَّها، القيم الروحية.

الداهِشي لا يَدّعي مَعْرِفة كل شيء لأن البشر بعيدون عن، الكَمال.

يتواضُع الداهشيين أكثر وأكثر كُلَّما أصبحوا أكثر دِراية في الأمور الروحانية. ويعتقد الداهشيون في حرية التعبير واحترام وجهات نظر الآخرين، هذا ولو كان الإختلاف صادراً عن أنفُسِهِم.

إذا كنتَ مُتَّفِقاً مع هذه الأفكار فأنت لست بعيداً من أن تكون من الدَّاهِشيين.

نرجو أن لا تَدَعو الإسم يُخيفكم. الداهشية هي رسالة روحية مُوَجَّهة إلى سُكَّان الأرض على أمل أن يتمكنوا من تجاوز التَّحَيُّزات الدينية والعِرْقِيَّة والإثنية، وأن الكثير من مباهِه الحياة إنْ هي إلا أُمور ظاهِرة (سَطْحَيَّة)  لا معنى لها عديمة الفائدة في إغناء النَّفْس.

الداهشية تَدعو لإعادة الإعْمار الدّيني والاجتماعي وتناشد الأفراد لوضع أهمية أكبر على المسائل ذات الأهمية الروحية منها على المادية. على الرغم من أن الأفكار التي أقْتَرَحْتُ تَخْصيصَها هنا يمكن أن توصف بأنها مِثاليَّة، إلَّا أنَّ اعتمادها سيُحدث فَرْقاً حقيقياً في العالم.

الداهشية هي القوة التي نحتاجها لِرَفْعِ وعْيِنا.

تعريف

تعريف

نحن مجموعة من الأفراد من جميع مناحي الحياة مُنْتَشِرة في جميع أنحاء العالم، ومِمَّن كان لها شرف التعرف إلى الدَّاهشية. كان للبعض منا فرصة أن نكون مع الدكتور داهش؛ أن نشهد معجزاته، وأن نسافر معه، وأن نعيش معه، وأن نستمع إلى حكمته. وعلى الرغم من عدم تمكُّن البعض مِنَّا من نَيْلِ شَرَف الاجتماع بِشخص  الدكتور داهِش ، نظرا لِعامِل كِبر السّن أو لأي ظَرْفٍ آخَر، إلا أن إيماننا به وبِدَعْوَتِهِ ما زالت قَويَّة. فكلمات السيّد المسيح الباعِثة على الإطمِئنان تُذَكّرنا  قائلةً: “… طوبى لِلذين آمنوا ولم يروا . يوحنا 20:29

إن كان لديكم أي سؤال أو تعليق حول هذه المدوَّنة أو داهِش أو الداهِشيَّة يرجى الضغط على  زر “اتصل بنا”.

 

شكراً لزيارتكم مدونتنا ونأمل زيارتنا مرة أخرى قريبا.

 

للإتصال بِنا:

 

info@daheshism.com

دفاعاً عن الداهشيَّة

دِفاعاً عن الداهِشيَّة 

 

الداهشية هي رسالة أمل وسلام وفوق ذلك محبَّة أخويَّة.

إنها رسالة سماويَّة وقفت ضِدَّ كل تطَرّفّ دينيّ وسياسيّ متحديّة كل التعاليم التي تحاول زرع بذوره في عقول أنقياء العقول وأبرياء النَّفْس وهادمة كُل سلاسل التَّمييز العُنْصُريّ الدّينيّ والجِنسيّ والسّياسيّ.

 

إنّه لَمِن دواعي الشَّرَف والّسرور لنا كَداهِشِيين أن ننشُر تعاليم هذه الرّسالة السَّماويَّة المجيدة، الدَّاهِشيَّة، في أي مكان تَسْمح به عين عناية الله السَّاهِرة حيث يتم ذلك الإجتماع الرُّوحيّ إنَّها لَبَركة عظيمة.

 

من المهم جِدَّاً أن نُلْقي الضوء على قضيَّة اجتماعيَّة مُهَدّدَة للمجتَمع وهيس في مواجهة مستَمِرَّة لها؛ ألا وهي بروز الحركات الدّينيَّة المتشَدّدة التي تَتَخَفَّى تحت سِتار الدّين.

أحدها يُسَمّى “داعِش” وهو اختصار لكلمة ” الدولة الإسلاميَّة في العراق والشَّام” حيث يتم خلط هذا الإسم واسم نبيّنا الحبيب الدكتور داهش والمشتَقّ من الدَّهشة الذي يُشير إلى معنى الرَّوعة والعَجَب والإذهال. فتللتَشابُه الحاصِل في نُطق الكلمات يحدو الأمر بالقارِئ إلى الظَّن بأن الإسمَين مرتبطان ببعضه البعض. لكن لا شيء يمكن أن يكون أبعد من الحقيقة، فالداهشية هي حركة روحية سامية ودين تنوير هدفها الرئيسي هو إعادة الإنسانية إلى الإيمان  بالخالق من خلال تعاليم سماوية يقبلها العقل بالمنطق الدامِغ المُؤَكّد والمُثَبذت للحقائق العلمية وليس من خلال العنف والجهل. فرسالتنا السَّماويَّة لا يمكن أن تلتقي على طريق واحدة مع الحركات الأصوليَّة السياسيّة لِعِدَّة أسباب أهمّها:

 

  1. يؤمن الدَّاهِشيون بوجود أنظمة روحيَّة عادلة تسود أرجاء الكون وتؤمن بحقيقة التَّقمّص التي يُسْمح من خلالها للكائنات إلإنتقال إمّا إلى كواكب ذات درجات رفيعة أو كواكب ذات دركات جحيميَّة وذلك بحسب استحقاق الفَرْد بِنِسْبة أعماله.
  2. تؤمن الدَّاهِشِيَّة بوجود السيَّالات الرُّوحيَّة التي تربط العالم الماديّ بالعالم الرُّوحيّ، وهي تُعْتَبَر امتدادات لعالم الرّوح الذي لا يشوبه أي شائبة ماديَّة وموجودة على مستويات ودرجات متفاوتة منها العلويَّة أو الفردوسيَّة ومنها السُّفْليَّة أو الجحيميَّة؛ وهي مُتَمَثّلة بالمادَّة التي نراها بالعين المجرَّدة. إذن هي مسؤولة عن وجود الحياة في البشَر والنبات والجماد و الكواكب؛ إذن يعتَبَر السيال قوة جامعة تربط كل ما هو مادّي، معلوماً كان أم مجهولاً، مرئيَّاً كان أم غير مَرْئيّ،  وقد ورد مصطلح “السَّيال” بإلهام إلهي للأديب العظيم جبران خليل جبران رحمه الله وقد تمّ تَفسيره من قبل مؤسس الرّسالة الداهِشيَّة  التي بدأت بوحي إلهي في 23-3-1942
  3. تؤمن الدَّاهشيَّة بوحدة الأديان؛ أي أن أصلها واحِد؛ إذن هي سُبُلٌ مختَلِفة تؤدّي إلى الوصول إلى تعاليم الخالِق السَّماويَّة عَزَّ وجَلّ فهي سُبُل تنويريَّة على درجات و مستويات روحيَّة مُتبايِنة. وبخلاف الأديان السماويَّة الثلاثة تقر الدَّاهشيّة بالديانة البوذية كدين مؤسّس من قِبَلِ هادٍ وقائد روحيّ عظيم ألا وهو بوذا الحكيم. ومن المؤسِف والمُخْزي أن يشهد الإنسان دمار تراث عالمي ومعابد وآثار بوذيَّة وغيرها مِمَّا يمت للحضارة والإنسايَّة بِصِلة.

أخيراً وليس آخِراً، تضُمّ الرسالة الداهشيَّة نخبة من أرقى المثقّفين والأطباء كالدكتور جورج خبصا  والدكتور فريد ابو سليمان رحمهما والله وغيرهم. لقد آمنوا من أعماق قلوبهم بحقيقة الدعوة الروحيَّة السَّامية لما رأوه من معجزات ومنطق يخشع لبراهينه الدامِغة العَقل. لقد رأوا في الدكتور داهِش رجل الله الذي ثَبَّتهُم في معتقدهم الدّيني بواسطة معجزات تمَّت على يديه بواسطة الروح، الأمر الذي دفع بأعدائهم الجَهَلة إلى اضطهادهم وتعذيبهم اشَدَّ تعذيب.

 

لكن بعيد اندلاع الحرب اللبنانيَّة تم اختيار الولايات المتحدة الأمريكيَّة كمكان انطلاق جديد للدعوة الخالدة.

 

آملين وضارِعين إلى الله تعالى أن تنتشِر القيم الروحيَّة بالعدالة والمحبَّة الأخويَّة وحُريَّة المعتَقَد في العالم أجمع آمين.

 

بقلم يوسف سلامة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأول من يونيو 2016

بمناسبة عيد مولد الدكتور داهِش.
ألقِيَتْ في 1-6-2016

بِقَلَم يوسف قبلان سلامة

لِنَبيّ السماء تهتِفُ أرواحنا
ولِكلمة اسمه نُرَنّمُ أناشيدنا

بألسِنَة نارٍ شَعَّتْ مواهبنا
شَعَّتْ لإسم داهِشَ غاراً وياسمينا

غاراً، إكليلَ مجدٍ نُقَدّمهُ موطِئاً لِقَدَمَيْه
وهو للسّماءِ إكليلٌ وتاجُ عِزّ لأخْمَصَيْه

فهو رَمْزٌ وحَقٌّ قبل الكُل صُوّرَ شعاعاً
وكلمة تَغْزِلُ رايات النصر للكون يراعاً

يراعاً من تِبْرِ البقاءِ الفردوسيّ في قُلوب
خُتِنَتْ وشماً يُحاكي السماء وسط القلوب
ملائكة وسلاطين خَضَعَتْ لِسيرة مجدِهِ
والأعداء للسّبْيِ صاروا سِلْسِلَةَ عهْدهِ

فَمَنْ ذا الذي يُقَدّرهُ حَقّ قدْره
ومن هو في كفاءَةٍ لِحِزامِ مويسقى ضَرْبِ وتَرِه
شيوخٌ في السماءِ تشدو لإسمِهِوالشاطين في السماءِ كَذَّبَتْ عَدَمهِ

فَمِن رَقَمِ مكانِ رَبّ الطّغامِ سَيَفْنى وبالخسارةِ يُمْنى
كُلّ مسْتَبِدّ وطاغٍ وبيمينِ مُهَنّدِ الرُّوحِ سيذوب ويَفْنى

وكأحجارِ النَّرْدِ سيرفعون وجوههم الدَّهشى
اعْتِرافاً بسيّدِ الخَلْقِ والمسيح وموسى وداهِشا

فَلِجوجَ وماجوج جاءوا باتصارٍ ورؤيا
هي وحْيٌ كُلّلَ بداهِشَ سيّد الكونِ يرويهِ رَيَّاً

الدكتور داهِش

الدكتور داهِش

لقد ترك الدكتور داهِش، الهادي الحبيب، إرثاً أدبيّاً عظيماً لا نظير له؛ هو حقائق روحيّة مدعومة ببراهين ملموسة، ينال الخلاص الرّوحي كل من عمل وآمَنَ بِها. لقد نُعِت الهادي الحبيب(الدكتور داهِش) بالمُضطهد الأوّل لِما ناله مِن عذاب نفسيّ وجَسَديّ يَعْجَز القَلَم عن تفصيل احداثِه و تنفَلِق الحِجارة لِهولِها لكنّه انتصر بِقوّة الله تعالى  مُتَخَطياً جميع العَقَبات الكأداء وانتصرت تعاليمه في قلوب المُؤمِنين الذين نالهم من الإضطهاد الأمرّين. ويُحُق لنا إذ ذاك أن نهتِف مع النّبي داوود قائلين: “رَنّموا للعَليّ، وتغنّوا بِصُنع يَدَيْه، احمدوه يا  بني الأرض. سَبّحوه  يا جميع ملائكة السّماء. وبارِكي اسمه، يا ايّتها الكواكِب التي لا يحصيك عَدّ. واخشعي لأنوارِه الإلهيّة، أيّتها الشّمس البَهيّة.”

ولذلك لا يمكننا إلا أن نُرَدّد كلمات الدكتور داهِش بِقلب مُتَخَشّع هذه الكلمات المُؤثّرة:  التي تُبكي الصّخور الصّلدة: ” رَبّي، قوّني واعدني وسَدّد خطواتي نحو الفضيلة، إنزِع من أعماقي الميول الوضيعة الدّنيئة، ولا تَدَعْني أسير الشّهوات الدنيويّة، نَقّ قَلبي، يا الله و طَهّر روحي، ودَعْني اسمو بِنَفسي الكَئيبة، أقِل عثرتي، ولا تَدَعْني فريسة للذّنوب الرّهيبة، طَهّرْني، يا الله، و دَعْني أتفيّأ جَناتِكَ الظّليلة.”

كانت هذه الكلمات عوناً لنا في الضيقات و الضّعفات الجسديّة التي حارَبَها دون كِلال أو هوادة دوّنتها الأسفار و لاكتها ألْسُن النّاس. وعلى قيثارته سَبَكَ كلِمات سيف الرّوح اللاهِب فإذا بِها منارة تُنير ضمير كل من اهتدى و تَفيّأ ظِلها في جحيم الأرض، طالِبا بِقلب التّسامح الكبير من الرحمة الإلهيّة أن ترحم أعداءه ، مُوَقّعاً إيّاها بكلماتهِ النوريّة الرّائعة قائلاً: “ألطف بعبيدك الذين ضَلّوا الطريق القويم، وابعِد عنهم الرّزايا، وأشِح عنهم البلايا،وقَوّهِم، وسدد خطواتِهم، و أزِل القلق عنهم، و دع الطمنينة تقطن أعماقهم، و قُدْ خطواتهم إلى سواء السّبيل، وأغفِر لهم آثامهم فأنت الغفور الرّحيم.”

تُرى ألا تُذكرنا هذه الكلمات بِصرخة السيّد المسيح عليه السّلام ” إغفِر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”؟

ثم يتابِع الهادي الحبيب جولته على هذه الأرض التي اختبَرَها منذ نعومة أظفارِه ناعِتاً إيّاها بأرض البُؤس و الشّقاء، مُقِرّاً ومعترِفاً بالضّعف الجسدي لمن آمن به إيمانه بِقوّة الباري قائلاً: أنا ضعيف كل الضّعف يا الله، ومِنك أستَمِدّ قوّتي.”

فبِإيمانه العظيم بالله جاب بِسفينته أموج التجارِب المُرعبة الأهوال، سابِراً غورها حتى وصل إعماق الجحيم، مُنذِراً قاطِنيه بصوت رَددت أصداءه عناصر الكون، مزلزلة أبواب الجحيم مُنذرة بالقول: إن عين العناية الإلهية التي أمرت باتباع الفضيلة و الإبتعاد عن الرّذيلة لن تصبِر كثيراً حتى تأتي بالضربة القاصِمة، فهل يرعوي البشر عن فحشِهم وإلحادِهم قبل أن ينتهوا إلى مصيرهم المُرعِب.”

لكنه لم يًغادِر أركان الجحيم دون أن ينازِل رب الطّغام لتَصِلْ كلماته المُزَلْزِلة إلى أذُنيه بدوي ملائكي راعِد مخيف مُرددة: “المال يُنيلُك كل ما تطمح إليه نفسك، ولكنه عاجِز عن إنالتك الرّاحة النّفسيّة، و السعادة الروحيّة.”

وبعد انتصاره العظيم هذا يجوب البلاء هذه حاملاً بيده مشعل الإيمان والخلاص الناريين، لتُحفر لسعاته الشافية في صخور الكون، ناحتة ببساطة الإيمان و بِسيف الكلمة الكلمات التالية ” إعمل خيراً واعضد المساكين، تًحصُلْ على السّعادة.”

فاجتمعت حوله مخلوقات الكون قاطِبة مُعاينة آثار آلامه الجسديّة، وبِاندهاش خاشِعة لله مُرتمية حوله سائلين إيّاه عن طريق السّماء، فنَهَرَهُم عن السّجود له قائلاً :” طريق السّماء في قلبكم و قَلْب كل شخص يحيا على هذه الأرض فبِعملكُم الصّلاح تظهر لكم طريق السّماء واضِحةً.”

وبِذلك نال السّامعين عِبْرَة فنهضوا و جعلوه إمامهم، و رئيس كهنتهم، وخشعوا مَعَه لله عَزّ و جَل وحْدَه.

وفجأة سُمِع صوت بوق عظيم مُنذِرا ببدء طريق الآلام و التجارِب الجسديّة، وإذا بصوت النبي يَطغى على عناصِر الكون قاطِبة ليُعْلِن أن الجِهاد والإستشهاد في سبيل الدّاهشيّة معناها الولوج إلى الجَنّة الدّائمة النّعيم، والتمَتّع بمباهجها السّرمديّة الفِتنة و الجمال.”

فأمسكوا بأسلحتهم ليُشهِروها إذ تحوّلَت إلى أجسام نورية ذات بريق حاديهدي سبيل المؤمنين، ويعمي أعداءه، وإذا بالأنوار تجتَمِع مُكَوّنة حروفاً غريبة، وإذا بِهم يتساءلون عن المعنى، والبعض الآخر يبكي بشمرارة لِعدم استطاعته حَل شيفرة تلك الكلمات. وإذا بالدكتور داهِش يُفسّرها قائلاً: “لتكن أعمالنا مُتّجهة للخير والحق و الفضيلة فهذا خير لنا لِعالمنا الآخر.”

لكنهم بكوا أيضاً لأن المادّة المادّة التي كانت بين أيديهم قد انقلبت إلى روحيّة نورية، فخافوا الجوع الكافِر؛ إذ لن يستطيعوا تناول أيّ شيء.

فصرخ الهادي بِهِم قائلاً: ” الدّاهِشيّة رأس مالها رجال مُخلِصون في دعوتهم، مؤمِنون بِعقيدتهم. وسبيلها النّضال المتصل الحلقات ضِد الحُكّام الجائرون.”

و للحال بَرَزَت أمامهم طريق ممتَدّة نحو السّماء، فساروا فيها كالنّجوم و الكواكِب المُضيئة، لِتُفْتَح أمامهم كنوز سماويّة أبديّة لا يُفسِدها سوس و لا صَدَأ ، جواهر يعجز القلَم عن وصفِها. ثُم فجأة، التَفَت الهادي الحبيب من عَليائه مُلقياً نظرة المنتصِر المُستبشِر، وقد بدت عيناه في وجه كل مخلوق خارِقة الحُجُب النّفسيّة، مُسَطّرة الكلمات التّالية: ” ألا لِيَعْلَم أبناء الرض الغارِقون بالمعاصي ألمُطَوّقة إيّاهم حتّى النّواصي بأنه توجَد عين إلهيّة مراقِبة تُحصي على مخلوقات العوالِم بأكملِها كُلّ كبيرة وصغيرة مهما دَقّت و ضَؤلَت. وليتأكّد أبناء الأرض والعوالِم المعروفة والمجهولة بأن ساعة الحِساب آتية وبِسُرعة خاطِفة.”

ثُم أغلِق الباب ولم يجسُر أحد أن يَدخُل في ذلك الحين. وإذا بكلماته تُطَوّقُ الأرض كطوق حديديّ، كسيف نقمة جَبّار، وإذا بِها سِفْرٌ مفتوح! وأبرقت السّماء وأرْعَدَت.

بِقلم يوسف قبلان سلامة

27-6-2013

السّاعة 2:26 بعد الظّهر.

الرسالة الداهشية

الدكتور داهِش

لقد ترك الدكتور داهِش، الهادي الحبيب، إرثاً أدبيّاً عظيماً لا نظير له؛ هو حقائق روحيّة مدعومة ببراهين ملموسة، ينال الخلاص الرّوحي كل من عمل وآمَنَ بِها. لقد نُعِت الهادي الحبيب(الدكتور داهِش) بالمُضطهد الأوّل لِما ناله مِن عذاب نفسيّ وجَسَديّ يَعْجَز القَلَم عن تفصيل احداثِه و تنفَلِق الحِجارة لِهولِها لكنّه انتصر بِقوّة الله تعالى  مُتَخَطياً جميع العَقَبات الكأداء وانتصرت تعاليمه في قلوب المُؤمِنين الذين نالهم من الإضطهاد الأمرّين. ويُحُق لنا إذ ذاك أن نهتِف مع النّبي داوود قائلين: “رَنّموا للعَليّ، وتغنّوا بِصُنع يَدَيْه، احمدوه يا  بني الأرض. سَبّحوه  يا جميع ملائكة السّماء. وبارِكي اسمه، يا ايّتها الكواكِب التي لا يحصيك عَدّ. واخشعي لأنوارِه الإلهيّة، أيّتها الشّمس البَهيّة.”

ولذلك لا يمكننا إلا أن نُرَدّد كلمات الدكتور داهِش بِقلب مُتَخَشّع هذه الكلمات المُؤثّرة:  التي تُبكي الصّخور الصّلدة: ” رَبّي، قوّني واعدني وسَدّد خطواتي نحو الفضيلة، إنزِع من أعماقي الميول الوضيعة الدّنيئة، ولا تَدَعْني أسير الشّهوات الدنيويّة، نَقّ قَلبي، يا الله و طَهّر روحي، ودَعْني اسمو بِنَفسي الكَئيبة، أقِل عثرتي، ولا تَدَعْني فريسة للذّنوب الرّهيبة، طَهّرْني، يا الله، و دَعْني أتفيّأ جَناتِكَ الظّليلة.”

كانت هذه الكلمات عوناً لنا في الضيقات و الضّعفات الجسديّة التي حارَبَها دون كِلال أو هوادة دوّنتها الأسفار و لاكتها ألْسُن النّاس. وعلى قيثارته سَبَكَ كلِمات سيف الرّوح اللاهِب فإذا بِها منارة تُنير ضمير كل من اهتدى و تَفيّأ ظِلها في جحيم الأرض، طالِبا بِقلب التّسامح الكبير من الرحمة الإلهيّة أن ترحم أعداءه ، مُوَقّعاً إيّاها بكلماتهِ النوريّة الرّائعة قائلاً: “ألطف بعبيدك الذين ضَلّوا الطريق القويم، وابعِد عنهم الرّزايا، وأشِح عنهم البلايا،وقَوّهِم، وسدد خطواتِهم، و أزِل القلق عنهم، و دع الطمنينة تقطن أعماقهم، و قُدْ خطواتهم إلى سواء السّبيل، وأغفِر لهم آثامهم فأنت الغفور الرّحيم.”

تُرى ألا تُذكرنا هذه الكلمات بِصرخة السيّد المسيح عليه السّلام ” إغفِر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”؟

ثم يتابِع الهادي الحبيب جولته على هذه الأرض التي اختبَرَها منذ نعومة أظفارِه ناعِتاً إيّاها بأرض البُؤس و الشّقاء، مُقِرّاً ومعترِفاً بالضّعف الجسدي لمن آمن به إيمانه بِقوّة الباري قائلاً: أنا ضعيف كل الضّعف يا الله، ومِنك أستَمِدّ قوّتي.”

فبِإيمانه العظيم بالله جاب بِسفينته أموج التجارِب المُرعبة الأهوال، سابِراً غورها حتى وصل إعماق الجحيم، مُنذِراً قاطِنيه بصوت رَددت أصداءه عناصر الكون، مزلزلة أبواب الجحيم مُنذرة بالقول: إن عين العناية الإلهية التي أمرت باتباع الفضيلة و الإبتعاد عن الرّذيلة لن تصبِر كثيراً حتى تأتي بالضربة القاصِمة، فهل يرعوي البشر عن فحشِهم وإلحادِهم قبل أن ينتهوا إلى مصيرهم المُرعِب.”

لكنه لم يًغادِر أركان الجحيم دون أن ينازِل رب الطّغام لتَصِلْ كلماته المُزَلْزِلة إلى أذُنيه بدوي ملائكي راعِد مخيف مُرددة: “المال يُنيلُك كل ما تطمح إليه نفسك، ولكنه عاجِز عن إنالتك الرّاحة النّفسيّة، و السعادة الروحيّة.”

وبعد انتصاره العظيم هذا يجوب البلاء هذه حاملاً بيده مشعل الإيمان والخلاص الناريين، لتُحفر لسعاته الشافية في صخور الكون، ناحتة ببساطة الإيمان و بِسيف الكلمة الكلمات التالية ” إعمل خيراً واعضد المساكين، تًحصُلْ على السّعادة.”

فاجتمعت حوله مخلوقات الكون قاطِبة مُعاينة آثار آلامه الجسديّة، وبِاندهاش خاشِعة لله مُرتمية حوله سائلين إيّاه عن طريق السّماء، فنَهَرَهُم عن السّجود له قائلاً :” طريق السّماء في قلبكم و قَلْب كل شخص يحيا على هذه الأرض فبِعملكُم الصّلاح تظهر لكم طريق السّماء واضِحةً.”

وبِذلك نال السّامعين عِبْرَة فنهضوا و جعلوه إمامهم، و رئيس كهنتهم، وخشعوا مَعَه لله عَزّ و جَل وحْدَه.

وفجأة سُمِع صوت بوق عظيم مُنذِرا ببدء طريق الآلام و التجارِب الجسديّة، وإذا بصوت النبي يَطغى على عناصِر الكون قاطِبة ليُعْلِن أن الجِهاد والإستشهاد في سبيل الدّاهشيّة معناها الولوج إلى الجَنّة الدّائمة النّعيم، والتمَتّع بمباهجها السّرمديّة الفِتنة و الجمال.”

فأمسكوا بأسلحتهم ليُشهِروها إذ تحوّلَت إلى أجسام نورية ذات بريق حاديهدي سبيل المؤمنين، ويعمي أعداءه، وإذا بالأنوار تجتَمِع مُكَوّنة حروفاً غريبة، وإذا بِهم يتساءلون عن المعنى، والبعض الآخر يبكي بشمرارة لِعدم استطاعته حَل شيفرة تلك الكلمات. وإذا بالدكتور داهِش يُفسّرها قائلاً: “لتكن أعمالنا مُتّجهة للخير والحق و الفضيلة فهذا خير لنا لِعالمنا الآخر.”

لكنهم بكوا أيضاً لأن المادّة المادّة التي كانت بين أيديهم قد انقلبت إلى روحيّة نورية، فخافوا الجوع الكافِر؛ إذ لن يستطيعوا تناول أيّ شيء.

فصرخ الهادي بِهِم قائلاً: ” الدّاهِشيّة رأس مالها رجال مُخلِصون في دعوتهم، مؤمِنون بِعقيدتهم. وسبيلها النّضال المتصل الحلقات ضِد الحُكّام الجائرون.”

و للحال بَرَزَت أمامهم طريق ممتَدّة نحو السّماء، فساروا فيها كالنّجوم و الكواكِب المُضيئة، لِتُفْتَح أمامهم كنوز سماويّة أبديّة لا يُفسِدها سوس و لا صَدَأ ، جواهر يعجز القلَم عن وصفِها. ثُم فجأة، التَفَت الهادي الحبيب من عَليائه مُلقياً نظرة المنتصِر المُستبشِر، وقد بدت عيناه في وجه كل مخلوق خارِقة الحُجُب النّفسيّة، مُسَطّرة الكلمات التّالية: ” ألا لِيَعْلَم أبناء الرض الغارِقون بالمعاصي ألمُطَوّقة إيّاهم حتّى النّواصي بأنه توجَد عين إلهيّة مراقِبة تُحصي على مخلوقات العوالِم بأكملِها كُلّ كبيرة وصغيرة مهما دَقّت و ضَؤلَت. وليتأكّد أبناء الأرض والعوالِم المعروفة والمجهولة بأن ساعة الحِساب آتية وبِسُرعة خاطِفة.”

ثُم أغلِق الباب ولم يجسُر أحد أن يَدخُل في ذلك الحين. وإذا بكلماته تُطَوّقُ الأرض كطوق حديديّ، كسيف نقمة جَبّار، وإذا بِها سِفْرٌ مفتوح! وأبرقت السّماء وأرْعَدَت.

بِقلم يوسف قبلان سلامة

27-6-2013

السّاعة 2:26 بعد الظّهر.