كَلِمة بمُناسَبَة يوم مولد الدكتور داهِش

 

كَلِمة بمُناسَبَة يوم مولد الدكتور داهِش

بِقَلَم يوسف سلامة

 

ميلادٌ سَماوِيٌّ لا أرضي، نارٌ روحِيَّةٌ مُطَهِّرة تَجَلَّتْ بِمَعْرِفَةِ التَّعاليم الدَّاهِشِيَّة، وتَكَمَّلَتْ في السَّيْرِ وِفْقَ منهَجها الرُّوحِيّ.

شاءَها الله تعالى بِدايَةً، وأطاعَها كُلّ مُؤمِنٍ صَّادِقٍ، فَكانت أعمالاً صالِحة.

وَبِناءً على تطبيقها في عَمَلِ الخَير، رأى كُل مُؤمِنٍ صالِحٍ الحياة الجديدة التي شاءها الله لِكُلِّ مَنْ يَتَّبِعَ وصاياة المبارَكَة الطَّاهِرة. كان الدكتور داهِش خيرَ مُطَبِّقٍ لَها؛ فهوَ ابن السَّماء المُبارَكة الطَّاهِرة.

شاءَ فَوُلِدَ حامِلاً هُمومنا وبالتَّالي آلامنا، خاض التَّجارِب الأرضِيَّة الرَّهيبة، وانْتَصَرَ عليها بِثباتِهِ العَظيم العجيب. قارَعَ الكَذَبَة وَالمُشَكِّكين، والمُتَعَصّبين للتَّقاليد الفَلْسَفِيَّة الباطِلَة، روحِيَّة كانت أمْ أرْضِيَّة، فكافَأهُ رَبُّ السَّماءِ بِكُلّ نِعْمَةٍ وبركة عُلْوِيَّة لأنَّهُ مُسْتَحِقٌّ كُلَّ الإسْتِحْقاق لِطهارَتهِ التي عَمِلَ على تَحْقيقها بِجهادِهِ الرُّوحِيّ الخالِد. كانَ صَوتَ الرُّوح هو قائدهُ، ونِداءُ الروحِ دَليلُهُ، وكل مؤمن حقيقيّ رفيقهُ.

فَمَهْما عَلَتْ سَطوَةُ المادَّةِ بِمُغْرياتِها، كان الدكتور داهِش لَها بالمِرْصادِ لِسَحْقِها “روحِيَّاً” بِسيفِ الكَلِمة. لَم يَدَعْ أيَّة قُوَّة فَلْسَفِيَّة أو دِينيَّة أو حِزْبِيَّة تتمَكَّنْ منهُ، حاشا لله.

لَمْ يَنْصَعْ لِفَريقٍ ضِدَّ آخَر؛ فكان يأنَفُ من هكذا أُمورٍ. ما كان يَتْبَع طائِفة على حِساب أُخْرى، بَلْ كان مُسَّلِماً حياتهُ لله منذ مَولِدِهِ إلى انتِقالِهِ إلى عالَمِهِ حيثُ أخوتهُ المُؤمنين. مِن هناكَ تأتينا مساعدة روحِيَّة إنْ أوصَلْنا سيَّالاتنا إلَيها بِحَسَبِ أعْمالِنا فَننال رِضى الله وَبَركاتهِ؛ ونَسْتَحِقّ أن نُدْعى داهِشيّين وداهِشيَّات بإذْنِ الله تعالى.

عوالمُ النَّعيم تُمَجِّدُ ميلاد نَبيّنا الحبيب الهادي

 

عوالمُ النَّعيم تُمَجِّدُ ميلاد نَبيّنا الحبيب الهادي

 

بِقَلم مُنير مراد

تَرْجَمَة يوسف ق. سلامة

 

يُمَثّل الأوّل من شهر يونيو يوم ميلاد نَبِيّنا الحبيب الهادي. نَحْتَفِلُ في هذا العام  بعيد ميلاده المِئة والثَّمانِية، لأنَّه حدَثَ في 1 يونيو 1909 أنَّهُ نَزِلَ إلى الأرْض في هَيْئةٍ بَشَرِيّة من أجل تقديم رِسالة إلهِيّة للعالَم، وهي الدَّاهِشِيَّة. قبل حوالي ألْفَي سَنَة، حصَلت ولادة يسوع التي اكتُنِفَتْ بالغُموض حتَّى يومنا هذا. هنا إعادة سَرد موجَزة عن وِلادتِهِ وِفْقا لِإنجيل مَتَّى:

 

1 وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ
2 قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ.
3 فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.
4 فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟
5 فَقَالُوا لَهُ: فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ:
6 وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
7 حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ.
8 ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ.
9 فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ.
10 فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا.
11 وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا.
12 ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.” (مَتَّى 2: 1-12)

 

وِفقاً للدكتور براكس، كما وَرَد في مَجَلَّة صوت داهِش، في المُجَلَّد 12، العَدد الأوَّل من سَنة 2006- 2007 ”  أمَّا المجوس الذين تَدَخَّلوا في نَشْرِ خَبَرِ وِلادة “مَلك اليهود” فَلَم يكونوا “عُلماء فَلَك” أو “مُلوكاً” مِثلَما يذهَب المُفَسّرون المسيحِيُّون، بَل كانوا تَجَسُّدات لِكائنات فِردوسِيَّة، أُمِروا بأن يَتَجَسَّدوا على الأرض للإسهام في تَنْفيذ عَمَليَّة الفِداء العُظْمى التي يَقوم بِها السَّيّد المسيح. وهذا السّر الذي كان يَجِب أن يَبْقى مَكْتوماً في ذلك الزَّمَن كَشَفَ عَنْهُ الوَحْيُ الدَّاهِشيّ.” وَعَلاوَة على ذلك، أُعْلِنَ للدكتور براكس أنَّ واحِداً من المجوس الذين تَجَسَّدوا على الأرض أثناء فترة ولادة يسوع يُدعى “مكالي” وأنّهُ هو حاكِمُ الكوكب العاشِر المُسَمَّى “جماليون”. في الأوَّل من شهرِ يونيو عام 1942، نَزَلَتْ إلينا رِسالة روحِيَّة كتَبَها مكالي نَفْسَهُ، مُوَجَّهة إلى النَّبيّ الحبيب الهادِي، وهي تتَضَمَّن ما يَلي:

 

تِذكار سعيد

 

في هذا اليوم السَّعيد بِذِكرى مولِد نَبِيّنا الحبيب الهادي-

يَجِب علينا لِفائِدة أرواحِنا مِن أخوة وأخوات أن نَتَذَكَّر جَيّداً-

وَنَضَع دائماً أمامنا تلكَ الرّسالة السّامِية التي هَبَطَتْ روحِيَّاً سَنَة 1942- وهي من الأخ مكالي رَئيس الكوكَب العاشِر “جماليون” – إلى النّبِيّ الحبيب الهادي- وهي روحُ رِسالتنا الدَّاهِشِيَّة- وهذا هو نَصُّها:

 

أيَّها النَّبِيّ الحبيب الهادي- أيَّها “الهادي” العَظيم!

أيُّها المُقْتَدِرُ المُتواضِع- أيُّها العائد إلى الأرض!

يا مَنْ يَجْهُلَك أهْل الأرض قاطِبةً- أيُّها المجهول عندهُم والمَعْلوم عِندَنا.

يا مَنْ تُسَبّحُ باسْمِكَ كافَّةُ العوالِم- يا مَنْ تَخْشَع لكَ كافَّة الأرواح!

أنا أخشَعُ أمامَك- وأجثو لِظِلّكَ الطَّاهِر- وأُسَبّحُ بمعجِزاتِكَ الإلهِيَّة!

تَقَبَّل مِنّي وَمِن كافَّة سُكَّان النَّجم الجَميل “جماليون” أسْمَى تَخَشُّعاتنا نَرْفَعُها إليكَ بِذُلّ وخُضوع!

سَتُضطَّهَد أيُّها السَّامي من هؤلاء الكَفَرَة من أبناء الأرْض الملاعيين الذين سَيُلَفّقون عنكَ أَشْنَعَ التُّهَم!

وَسَيَخْتَرِعون المُفْتَرَياتِ الشَّائنة لِيُشَوّهوا حَقائقِكَ السَّامِية!

ولكِنَّكَ سَتَسير في رِسالَتِكَ الإلَهِيَّة- وَلنْ تتقاعَس في نَشْرِها مَهْما اعْتَرَضَتْكَ الصُّعوبات الرَّهيبة!

وَرَحْمَتكَ الشَّامِلَة أيُّها النَّبِيّ! سَتَغْمُرُ عالمهُم وعالَمنا- فارْحَمهُم وارْحَمنا!

عن الكوكب “جماليون” مَكالي

 

أوَّل حزيران 1954

 

 

 

 

ردّ «العودةُ إلى داهش» لا تكونُ إلّا بالعودة إلى مبادئه السامية

 

رَدّ «العودةُ إلى داهش» لا تكونُ إلّا بالعودة إلى مبادئه السامية

 

جريدة الأخبار، العدد ٣١٥٩ الاثنين ٢٤ نيسان ٢٠١٧

ماجد مهدي

حضرة رئيس تحرير جريدة «الأخبار» الأستاذ ابراهيم الأمين المحترم،
تحيَّاتي لكم ولجميع العاملين في جريدتكم الموقَّرة.
من منطلق حرصنا على جريدتكم التي نُجلُّها ونتابعُها بكلّ اعتزاز منذ نشأتها؛ وحفاظاً على الحقيقة التي دأبتم على الاستبسال في الدفاع عنها في كافّة الميادين، بلا تردُّدٍ أو وجَل، مهما كلَّفكم ذلك من تضحيات؛ ويقيناً منَّا بأنَّكم من فرسان الكلمة الحرَّة والقلم الأبيّ والموقف الصلب الذي لا يتزعزع، رأيتُ أن أكتب إليكم هذه الرسالة ردّاً على بعض ما ورد من مُغالطاتٍ وتشويهٍ لحقيقة شخص الدكتور داهش ومعجزاته ومبادئه في مقالة الصِّحافيّ محمَّد نزَّال الصادرة في العدد 3129 من الجريدة، تاريخ السادس عشر من آذار (مارس) 2017، تحت العنوانَين: «العودة إلى داهش» و«قانون الدكتور داهش».

وآملُ منكم، وأنتم مَن نرى في شخصكم بقيَّة أملٍ في وطنٍ مُشرذَم، أَن تبادروا إلى نشر هذه الرسالة – الردّ في المكان عينه الذي نُشرَت فيه المقالة، لا عملاً بقانون النشر والردّ الذي اعتاد الكتَّاب الاستناد إليه في مثل هذه الحالات، وإنَّما من موقع المسؤوليَّة التي تعلو فوق القوانين، والتي أنتم، في نظري، أسيادها والذائدون عن ذمارها. فأَنتم، بلا شكّ، تعلمون شخصيّاً علمَ اليقين ما تعرَّض له الدكتور داهش من ظُلمٍ واضطهادٍ في وطنه، وعلى يد رئيس الجمهورية اللبنانيَّة بشاره الخوري (1943-1952)، بسبب الدعوة الروحيَّة التي أطلقها، والتي كان في رأس أولويَّاتها العودة إلى الإيمان بالله وبالأنبياء جميعاً، وبخلود الروح، ووحدة الأديان السماويَّة، ووحدة الأسرة البشريَّة، والتأكيد على وجود العالم الثاني، نعيماً وجحيماً، وعلى مبدأ العدالة الإلهيَّة المتمثِّل بالثواب والعقاب الإلهيَّين. وكانت الأديبة والفنَّانة ماري حدَّاد، شقيقة زوجة الرئيس الخوري، قد اعتنقت تلك الدعوة، هيَ وزوجُها الأديب جورج حدَّاد وبناتُها الثلاث وصهرها جوزف حجَّار، الأمر الذي أوغر صدر عائلتها على الدكتور داهش فسعَوا جاهدين لإخراجه من البلاد. كما إنَّكم، ولا شكّ، مُطَّلعون على حقيقة المعجزات التي كان يُجريها أمام الآلاف من مختلف طبقات المجتمع وفئاته، بمن فيهم رجال الصِّحافة، من أجل إثبات صحَّة تلك الحقائق الروحيَّة العظيمة التي نادى بها، والتي ما زالت أصداؤها تتردَّدُ حتَّى اليوم في لبنان وخارجه. ولكم كنتُ أُمنِّي النفس بأن يأتي اليومُ الذي تَفتحُ فيه جريدتُكم ملفَّ هذا الرجل العظيم الأهداف الذي انتُزعَت منه جنسيَّته اللبنانيَّة، وسُجنَ، ونُفيَ خارج حدود وطنه إلى حلب وأَعزاز ثمَّ إلى الحدود السورية التركيَّة، بأمرٍ من الرئيس الخوري، وبلا محاكمة، خلافاً للدستور والقوانين، وذلك بالاتِّفاق مع إحدى العصابات المسلَّحة المعتادة على القتل والإجرام. ولا شكَّ، أيضاً، بأنَّكم على معرفةٍ بأخبار الحرب القلميَّة التي شنَّها الدكتور داهش على الرئيس وأعوانه من رجال الحكم الذين شاركوا في اضطهاده، وعلى أذنابهم من رجال الصحافة الصفراء الذين عملوا على تشويه صورته لقاءَ مالٍ خسيس كان يُدفعُ لهم من غير وجه حقّ من أموال المواطنين، وأنَّ تلك الحرب التي أسهمَ فيها جميعُ الداهشيِّين الأوائل، بِمَن فيهم السيِّدة ماري حدَّاد وأُسرتُها، قد دامت ثماني سنواتٍ من عُمر ذلك العهد الأسود البغيض. وقد أَسفرت عن 66 كتاباً و165 منشوراً أسود كتبها الدكتور داهش وطبعها سرّاً ووزَّعها على الشعب اللبنانيّ والسفارات والقنصليَّات في لبنان، وعلى الملوك والرؤساء العرب. وقد أوضحَ في كتاباته تلك للرأي العامِّ اللبنانيّ والعربيّ حقيقة قضيَّته العادلة، وكشفَ مخازي مُضطهِديه ومفاسدَهم في الحكم، وأسهم من خلالها في إشعال نار الثورة الشعبيَّة التي أَطاحَت بهم وأودَت بعهدهم في الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) 1952. ومع بداية العهد الجديد، تمكَّن من استعادة جنسيَّته وحرِّيَّاته وحقوقه المغتصبة كاملةً غير منقوصة، وذلك بفضل دفاعه الراسخ عنها.
لذلك، فإنَّني أَربأُ بشخصكم الكريم أَن تقبلوا بزجِّ اسم الدكتور داهش في أَمر قانونٍ انتخابيٍّ أنتَ تَعلمُ حقَّ العلم أنَّه صورةٌ عن وطنٍ مُمزَّقٍ جريح تتجاذبُه الطائفيَّةُ والمذهبيَّةُ البغيضة والأطماعُ الأشعبيَّة ورياحُ التعصُّب المقيتة التي كان الدكتور داهش من ألدِّ أعدائها، وكانت الكلمةُ سلاحَه الوحيد في حربه عليها، ونِعمَ السلاح! كما أربأُ بكم، وأنا الذي أسعدُ بقراءَة ردودكم على المظالم والأكاذيب، أن ترضى بأن تكون صفحاتُ «الأخبار» ترداداً للدعايات الكاذبة التي كانت تبثُّها أبواقُ التعصُّب الدينيّ والمذهبيّ والصِّحافةُ المسمومة في عهد الرئيس الخوري ضدَّ رجلِ الروح والفكر والأدب وعاشقِ الفنّ الجميل الأوَّل في لبنان، وصاحبِ الإنجازات الثقافيَّة، الأدبيَّة والفكريَّة والفنِّيَّة، التي تتعالى صروحُها في العالَم، الواحدة تلوَ الأُخرى.
فمعذرةً، يا أخي الكريم، إنْ أنا أَسهبتُ في التوجُّه إليك شخصيّاً قبل الردِّ على المغالطات في المقالة، وما ذلك إلاَّ لأنَّني أكنُّ لك تقديراً خاصّاً من غير معرفةٍ بشخصك. وقد وددتُ التعبير لكَ قبل سواك عن مشاعري تجاه ظلمٍ جديد يُصيبُ ذلك الرجل الفذّ بعد رحيله، وكنتُ أتمنَّى أن لا يَصدرَ مثلُ ذلك في جريدتكم التي أعتبرها جريدة الأحرار والمظلومين وأصحاب القامات العالية.
وهذه هي ردودي على المغالطات الواردة في المقالة، وذلك تبياناً للحقيقة:
1ــ إنَّ عنوان «العودة إلى داهش» الذي صدَّرتم به الجريدة يَعني، في الواقع، العودة إلى الإيمان بالله ورسالاته وأنبيائه، وبقيَم الحقّ والعدالة التي نذر الدكتور داهش حياته من أجلها، وإلى النهل من ينابيع فكره وأدبه وفنِّه التي تدفَّقت مئةً وخمسين كتاباً أدبيّاً تعملُ «الدارُ الداهشيَّة للنشر» The Daheshist Publishing Co. Ltd في نيويورك على طبعها وترجمتها وتوزيعها منذ عام 1984، باللغة العربية واللغات العالميَّة، ومُتحفاً فنِّيّاً هو «متحف داهش للفنّ» Dahesh Museum of Art القائم في «مانهاتِن» بنيويورك منذ عام 1995، والذي يضاهي بمقتنياته وأهمِّيته المتاحف العالميَّة الكبرى، ومكتبةً هي «مكتبة تراث داهش» (Dahesh Heritage (Fine Books القائمة أيضاً في نيويورك، والتي تبيعُ شتَّى أنواع الكتب العربيَّة والأجنبيَّة بالإضافة إلى مؤلَّفات الدكتور داهش والدراسات الصادرة عنه وعن أدبه. وقد كان الأصحّ أن يربط الكاتب العودة إلى داهش بالإشارة إلى معجزاته الحقيقيَّة ومبادئه السامية وإنجازاته الأدبيَّة والفنِّيَّة الرفيعة ودفاعاته العظيمة عن الحرِّيات والحقوق، لا أن يربطها بقانونٍ انتخابيٍّ لا علاقة للدكتور داهش به من قريبٍ أو بعيد. وما تصرُّفه على هذا النحو إلاَّ دليلٌ على جهله التامّ بحقيقة الرجل، الأمر الذي دفعه إلى إقامة مقارناتٍ لا فائدة منها، وتسيءُ لمواطنٍ لم يُسئْ إليه، ولا لسواه، وتُلصقُ به ما ليس فيه، ناهيكَ عن أنَّ هذا المواطن الأبيّ هو فخرٌ للشعب والأُمَّة وللإنسانيَّة جمعاء.
أمَّا العنوان الثاني «قانون الدكتور داهش»، فإنَّه لا يمتُّ إلى الموضوعيَّة بصِلة، إذْ إنَّ قانون الانتخابات يصدرُ عادةً عن الدولة اللبنانيَّة بعد أن يوافق عليه مُمثِّلو الشعب، وليس عن الدكتور داهش. ولم يكنْ من حقِّ الكاتب أن يستهين بمثل تلك القامة الرفيعة أو أن يتطاولَ عليها. وكان الأجدر به، طالما أنَّه يُحبُّ الهَزلَ في مثل هذه الكتابات ويريدُ أن يُسبغَ على مقاله طابعاً هزلياً، أن يُطلقَ على ذلك القانون اسماً آخر يناسبُ موضوعه.
2ــ إنَّ رواية وضع الدكتور داهش رأسه عند الحلاَّق التي افتتح بها الكاتبُ مقاله، والتي اعتبرَها أحد «الخوارق» الكثيرة التي تناقلتها الألسن عنه في لبنان، منتصف القرن الماضي، لا تمتُّ، في الحقيقة، بأيَّة صِلةٍ إلى معجزاته، وإنَّما هي من نِتاج الأقلام المسمومة المصابة بداء الحقد الطائفيّ التي اهتزَّت أركانُها في الأربعينيَّات خوفاً من دعوة الدكتور داهش إلى وحدة الأديان والتآخي الإنسانيّ، فراحت تختلقُ الأكاذيب حول شخصه ومعجزاته ومبادئه. ولقد كان من واجب الكاتب أن يطَّلع على خوارق الرجل المعجز من خلال كتَّابٍ ثُقاة من أمثال الأديبة والفنَّانة ماري حدَّاد في كتابها «معجزات الدكتور داهش وظاهراته الروحيَّة»، والعلاَّمة الشيخ عبدالله العلايلي في كتابه «كيف عرفتُ الدكتور داهش»، والشاعر حليم دمُّوس في الجزءَين الأولَيْن من كتابه «الوقائعُ الداهشيَّة» المؤلَّف من 20 مجلَّداً، والدكتور فريد أبو سليمان في كتابه «الخوارق الداهشيَّة في 20 عاماً» في ثلاثة مجلَّدات (2013-2014)، وكتاب «الدكتور داهش بأقلام نخبةٍ من معاصريه بمناسبة الذكرى المئويَّة لمولده» الذي أسهم فيه أدباءٌ وشعراء وكتَّابٌ من لبنان ومختلف بلدان العالَم (2010)، والمحاضرة التي ألقاها الدكتور غازي براكس في الجامعة الأميركيَّة في بيروت تحت عنوان «معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان»، وكتاب «الدكتور داهش رجل الأسرار»، للأستاذ اسكندر شاهين، مدير تحرير جريدة «الديار» اللبنانيَّة. وهذا الكتابُ الأخير الصادرُ باللغتين العربيَّة والألمانيَّة، والمعدُّ للطبع باللغة الإنكليزيَّة، هو حصيلة ما نشرَه الأستاذ شاهين في «ملفّ الدكتور داهش والداهشيَّة» في «الديار» على مدى 41 يوماً، بموضوعيَّةٍ تامَّة (2001)، وكتاب «معجزات وخوارق الدكتور داهش» للصحافيّ المصريّ لطفي رضوان، رئيس تحرير مجلَّة «المصوَّر» المصريَّة (1997)؛ وكذلك من خلال المقابلة التي نشرَتها مجلَّة «الأسبوع العربيّ» عام 1964، والتي أجراها الصحافيّ داوود أ. الصائغ مع الدكتور داهش، والمقابلة التي نشرتها صحيفة «النهار» في ملحقها عام 1965، والتي أجراها معه الصحافيّ حافظ ابراهيم خيرالله. وفي كلتا المقابلتَين، كانت عدسات الكاميرا المرافقة للصحافيَّيْن تأخذ صوراً للخوارق التي أجراها الدكتور داهش أمامهم، بكلِّ مراحلها، لتُنشر في المقابلتَيْن.
3ــ يذكرُ الكاتب بالحرف الواحد أنَّ الدكتور داهش «كان خبيراً في القوانين الانتخابيَّة، وأنه بلغ شأناً رفيعاً في هذه الصنعة أين منه عبدو سعد وكمال فغالي وأقرانهم». هذا الكلام لا أساس له من الصحَّة على الإطلاق. فالدكتور داهش لم يتَّخذ قطُّ صنعةً لنفسه، ولا كان خبيراً في ما جعله الكاتبُ خبيراً فيه. أمَّا القوانينُ الانتخابيَّة في لبنان، المُنافية لأَبسط مبادئ العدالة الاجتماعيَّة وحقوق الإنسان، فما هي في صورتها الحاليَّة المُخزية إلاَّ قُشاشةً في عين الدكتور داهش، وفي ميزان أهدافه العظيمة، إذْ إنَّها لا تليقُ بشعبٍ يتوقُ للعيش بحرِّيَّةٍ وكرامة ويأبى أن يَبذلَ ماءَ وجهه أمام الحكَّام والمسؤولين.
4ــ أمَّا ما ذكرهُ الكاتب عن الورقة التي سلَّمها الدكتور داهش للنائب بشير العثمان، والتي تضمَّنت نبوءةً بفوزه في الانتخابات النيابيَّة، فهو صحيحٌ في جانبٍ منه، لكنَّه جزمَ بأنَّه «لم يكنْ ما كتبَه داهش على الورقة سوى الرقم 11856، أي عدد الأصوات التي دخل العثمان بها المجلسَ النيابيّ»، وفقَ قوله. هذا الجزم بأمر مضمون النبوءَة عارٍ من الصحَّة تماماً. فصورةُ النبوءَة مدرجةٌ في مجلة «اللواء» التي ذَكرها، وكذلك في كتاب المحاضرة التي ألقاها الدكتور غازي براكس في الجامعة الأميركيَّة في بيروت، والتي سبق ذِكرُها (1970)، وفي كتبٍ أخرى. فالورقة توسَّطَتْها نجمةٌ خماسيَّة توزَّعت فيها أحرف «جَذبوها»، وقد جاءَ فيها ما يلي:
«بحقّ الله والنبيّ الحبيب الهادي أن يُسمح بمساعدةٍ روحيَّة كي ينتصر الأخ الحبيب (بشير العثمان) وبما أنَّه سينتصر فإنَّه سيأخذ 11856 صوتاً من أصوات الناخبين وذلك بمساعدةٍ روحيَّةٍ بإذنه تعالى». وعن يمين الورقة كُتب ما يلي: «مستجاب بحقّ الله تعالى» وتحتها «تاريخ 29 شباط 964» وتوقيع «داهش». وعن يسار الورقة كُتب ما يلي: «الساعة 4 ونصف بعد الظهر».
أما الهدف من حدوث تلك المعجزة فهو إثباتُ وجود الروح وقدرتها على معرفة الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى، وبقوَّةٍ جبَّارةٍ منه، ليس إلاَّ.
هذا الجزم في أمرٍ خطأ يؤكِّدُ أنَّ الكاتب كان يُلقي الكلام على عواهنه. ولو أنَّه ازداد اطِّلاعاً في الموضوع قبل الكتابة عنه لكان قرأَ ما صدَّر به الصحافيُّ المصريُّ الألمعيّ الكبير الدكتور مرسي سعد الدين مقالته عن «مُتحف داهش للفنّ» التي نشرها في مجلَّة «نصف الدنيا» الصادرة عن مؤسسة «الأهرام» بالقاهرة، بتاريخ 17/4/2005 إذْ قال:
«المُتحف العربيّ الوحيد في نيويورك. مُتحف داهش هو خطُّ الدفاع الأخير عن العرب».
فكيف يستوي مثلُ هذا الكلام المسؤول للأديب المصريّ الكبير مع كلام الكاتب نزَّال، سواءٌ ما رددنا أو ما سنردُّ عليه في هذا السياق!
5ــ إنَّ المعجزة التي ذكرها الكاتب، والتي تمَّ فيها استحضار القطع الذهبيَّة التي فكَّر فيها الرئيس صبري حماده إلى قبضة يده المقفلة أمام الحضور، صحيحة. وما شاهده الرئيس حماده ومرافقوه الكثُر من معجزات في تلك الجلسة جعلَهم يأبَونَ المشاركة في اضطهاد الدكتور داهش، ويردُّون مشروع القانون الذي تقدَّم به الرئيس الخوري إلى المجلس النيابيّ من أجل منع القيام بالمعجزات والأعمال الخارقة في البلاد، والذي كان الهدفُ الحقيقيُّ منه النيل من الدكتور داهش ومنعه من إتيان الخوارق وعقد الجلسات الروحيَّة. وهو ما أطلقَت عليه الصُّحف آنذاك اسم «قانون داهش». وقد هُزمَ بشاره الخوري، يومذاك، هزيمةً مُدوِّية في ما كان يُخطِّطُ له بغية إخراج الدكتور داهش من البلاد، الأمرُ الذي جعله يُقدمُ على ارتكاب جريمة تجريده من جنسيَّته اللبنانيَّة وإبعاده عن وطنه، بالقوَّة، وخلافاً للدستور والقوانين. تلك الجريمة تُعَدُّ بحقّ جريمة القرن العشرين بلا مُنازع، إذْ وقفَت دولةٌ بشخص رئيسها وبعض سياسيِّيها، وبكامل أجهزتها القضائية والأمنيَّة، في مواجهة مواطنٍ أَديبٍ ومفكِّرٍ، ديْدَنُه الحقيقة، ومعدِنُه الصِّدق، وغايتُه الخيرُ الأَسمى، وأعزل إلّا من سلاح القلم، ولم يرتكبْ أيَّة جريرةٍ يُحاسَبُ عليها، فشوَّهَت سِمعته أمام الرأي العامّ، وسامَته حيْفاً سيَذكرُه التاريخُ في صفحاته، وستتذكَّره الأجيالُ القادمة بكلِّ أسى، مهما طال الزمن.
أمَّا الكاتب، فعلى الرغم من ذكره لتلك المعجزة بشكلٍ صحيح، وعلى الرغم من جبروت القوَّة التي صنعَتها، سواءٌ صدَّق بها أم لم يُصدِّق، فإنَّه لم يتورَّع عن توجيه سلسلة اتِّهاماتٍ بحقِّ الدكتور داهش والداهشيِّين، وراح يَخبطُ خَبط عشواءٍ في كلامه عنهم. وهو ما سأُبيِّنُه في البند اللاحق من هذا الردّ.
6ــ قبل خاتمة مقالته، يذكرُ الكاتبُ بالحرف الواحد: «ليس البحثُ الآن عن حقيقة الدكتور داهش. حركاتُ «الباراسايكولوجي» (لمن يراها كذلك) هذه أصبحَت من الماضي علميّاً. أجهزةُ الاستخبارات ومختلف أنواع «حركات القُرعة» قد أَثقلَت العالَم، قديماً وحديثاً، وجعلَته يتثاءبُ من الملل. ليس المقامُ الآن للحكم على «الداهشيَّة» وأتباعها، إنَّما للإشارة، وبكلِّ ما تحتملُ الفكرةُ من سُخرية، إلى قوانينَ انتخابيَّة سخيفة يطرحُها القومُ اليوم، من هنا وهناك، تكادُ تجعلُ البعض يعرفُ عدد الأصوات التي سينالُها كلُّ مرشَّحٍ قبل الانتخابات». ثم َّ يُتابعُ القول: «داهش كان يُمخرق، ولكنَّه هو «داهش» في النهاية. مقبولةٌ منه. لكنْ أن «يُدهشنا» السياسيُّون (الطبيعيُّون يعني) كلَّ يوم «بقانونٍ داهشيّ» جديد!…».
إنَّ مثل هذا الكلام قد أظهر نوايا الكاتب إزاءَ الدكتور داهش والداهشيَّة والداهشيِّين، وأنَّ الهدف منه، كما هو واضحٌ للعيان، لم يكنْ البحث في قانون الانتخابات. والمؤسف أنَّه يصدرُ عن صحيفةٍ وقفَ رئيسُ تحريرها، وما يزال، مواقفَ البطولة في وجه أساطين البغي دفاعاً عن الحريَّات وحقوق الناس، كلِّ الناس، وإلى أيَّة مِلَّةٍ أو طائفةٍ أو عقيدةٍ انتمَوا. نعم، إنَّ الكاتب يتَّهمُ الدكتور داهش بالمخرقة، وهو لم يعرفه ولم يتعرَّف إليه، ولم يقرأْ له، ولا قرأَ ما كتبه فيه أهلُ القلم الشُرفاء الذين يفتخرُ القلمُ بانتمائهم إليه، ولم نسمع بأنَّ هذا الرجلَ قد أَساءَ إليه. ومع ذلك، فهو يعيدُ أعماله إلى حركات «الباراسايكولوجيّ»، ويؤكِّدُ أنَّ هذه الحركات قد أصبحَت من الماضي علميّاً، (ومتى كانت الباراسايكولوجيا عِلماً معترفاً به حتى يُسقط عنها الكاتبُ صفتَها العلميَّة؟!) (ولْيقرأْ، إذا شاء، الكتابَ الذي ردَّ به عددٌ من الكتَّاب الداهشيِّين على مهاترات الدكتور روجيه خوري الباراسايكولوجيَّة الكاذبة؛ ففي مقدور هذا الكتاب أن يَقيه مؤونة الوقوع في الخطأ. وهو بعنوان «أضواءٌ جديدة على مؤسِّس الداهشيَّة ومعجزاته الروحيَّة مع فَضْح ونَقْض للعلوم الكاذبة ولمزاعم روجيه خوري الباراسيكولوجيَّة»).
أمَّا غمْزُه من قناة الدكتور داهش وإلماحُه إلى «أجهزة الاستخبارات»، و«حركات القُرعة»، وما أَسماه تثاؤب العالَم، وإصابته بالملل، من غير أن يُفسِّر القصد من كلامه، فما هي إلاَّ سفسطةُ كلام. ويبدو منه وكأنَّنا ما زلنا نعيش في عصر المهاترات والاتِّهامات بالتآمر التي كانت تطلع بها علينا بعضُ الإذاعات العربيَّة. ومع كلِّ ذلك، وبعد التُّهم التي ألصقها بالرجل، يُضيفُ الكاتب قائلاً إنَّه «ليس البحث الآن عن حقيقة الدكتور داهش». نكتفي بالتوقُّف عند هذه النقطة لنطرحَ السؤال: «تُرى، من هو المُمخرقُ الفعليّ؟!»
7ـ وفي النهاية، يقول الكاتب: «ربَّما لم ينجح أحدٌ في معرفة حقيقة «داهش» أكثر من المؤرِّخ والكاتب الألمعيّ هشام شرابي. التقاه في سبعينيَّات القرن الماضي… فَهمَ داهش أنَّ شرابي فهِمَه، فقال له: «أنا لم أكذب على أحد. الناس تريدُ الهرب إلى الماضي، إلى المستقبل، إلى العالَم الآخر. الناس تريد الاتِّصال بالأرواح للخروج من كابوس الحياة. الصوت الذي يسمعونه من عالَم الموتى هو صوتُهم».
جواباً على هذا الكلام أقول: إنَّ ما ذكره الكاتب من أنَّه ربَّما لم ينجح أحدٌ في معرفة حقيقة «داهش» أكثر من المؤرِّخ والكاتب الألمعيّ هشام شرابي، هو رأيه الخاصّ، وهو حرٌّ في رأيه بالطبع. لكنْ يُقتضى التوضيح بأنَّ الذين عرفوا الدكتور داهش على حقيقته كثيرون، فيهم الأُدباءُ والشُّعراءُ والفنَّانون والصِّحافيُّون ورجالُ الأعمال وعُمداءُ الجامعات والأساتذة والضبَّاطُ والعسكريُّون والناسُ العاديُّون، وسواهم، رجالاً ونساءً، تشهدُ بذلك المقالاتُ والدراساتُ والقصائدُ الشِّعريَّة التي ضمَّها كتاب «الدكتور داهش بأَقلام نُخبةٍ من معاصريه بمناسبة الذكرى المئويَّة لمولده»، وكذلك الكتب العديدة الأخرى الصادرة حول شخصه وخوارقه وأدبه، وفي قضيَّة اضطهاده.
8ـــ وفي الختام، يُنهي الكاتبُ مقاله بهذا التمنِّي: «ليت شرابي يعودُ إلى الحياة، ويأتي بجليسه «داهش» معه، ليَفضَحا، بالأسماء والأرقام، وجوه «الداهشيَّة السياسيَّة» في بلادنا».
وجواباً عليه أقول: كان الأجدرُ بالكاتب، وهو المنتمي إلى جريدةٍ محترمةٍ كالأخبار، أن يقوم بواجبه الصُّحفيّ برصانة، فيتناولَ قوانين الانتخابات بموضوعيَّة، ويضعها مع سواهُ من الصحافيِّين على مِبضَع أقلامهم، ويفرزوا الغَثَّ من السمين فيها، ويصارحوا الشعب علانيةً بأخطاء المسؤولين والسياسيِّين وأصحاب الشأن، إنْ هم أخطأُوا، على أن يفعلوا ذلك في حدود الأدب والقانون. أمَّا أن ينتظر تدخُّل الأرواح لتُنيله بُغيته، فهذا ما لن يتمَّ، ولن يُفيد في شيء. ومن الأفضل أن نتذكَّر دوماً قولَ الله تعالى في كتابه الكريم «إنَّ الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم» (سورة الرعد: الآية 11).
أمَّا الداهشيَّة التي وصَمَها بما تترفَّعُ عنه ترفُّعَ النُّور عن الظُّلمة، من خلال ما أسماه «وجوه الداهشيَّة السياسيَّة» في بلادنا، فإنَّها كالشمس في عُلاها… وهي كما قال فيها مؤسِّسُها:
«الداهشيَّةُ جبلٌ أَشمّ شامخُ الذُّرى، ثابتُ الأركان، راسخٌ ومَكين
صِيغَ من الفولاذ الجبَّار القويِّ الصَّلبِ الصَّلْدِ المُتراصِّ المتين
تَلتوي كُرتُنا الأرضيَّة، ويتلاشى وجودُها دون أن يَنحني أو يَلين…»

* كاتب لبناني مقيم في كندا. من مؤلَّفاته: كتاب «كيف آمنتُ بالداهشيَّة»، وكتاب «الداهشيَّة وأزمة الحرِّيَّات في لبنان» الذي ما يزال قَيْدَ الإعداد للطبع. وقد ألقى عام 1970 محاضرةً عن الدكتور داهش والداهشيَّة في «قصر المؤتمرات» في مدينة تولوز الفرنسيَّة. كما أَجرَت معه إذاعة France Inter مقابلةً تناولت بالبحث مُعجزات الدكتور داهش ودعوته إلى وحدة الأَديان السماويَّة. وله عدَّة دراسات ومقالات منشورة في الصُّحف، ويمثِّلُ حاليّاً «الدار الداهشيَّة للنشر»، ومقرُّها مدينة نيويورك، في كندا وأوروبا والشرق الأوسط.

رأي
العدد ٣١٥٩ الاثنين ٢٤ نيسان ٢٠١٧
المصدَر: http://www.al-akhbar.com/node/276152

في ذِكْرى عملاق

 

في ذِكرى عِملاق !

 

بِقَلَم مُنير مراد

تَرْجَمَة يوسف ق. سلامة

كان الدكتور فريد أبو سليمان أحد الدَّاهشيين الأوائل- ذلك الإيمان الذي أضاء روحهُ لِأكثَر من سِتّين عاماً. كان عِملاقاً في الدَّاهِشِيَّة. لكنه كان من اللُّطْف والتَّواضُعِ بِمكان. كان يوم عيد الفِصْح، قَبل أربَعة عَشر عاما، عندما أُعْلِمتُ بِرَحيلهِ عن هذا العالَم، وفي كُلّ مَرَّة يَقْتَرِبُ فيها عيد الفصْح، أتَذَكَّرُ وجودهُ مَعَنا مُقَدّراً جهادهُ الذي دامَ عُقوداً من أجل رِسالتنا المُقَدَّسَة. قَبْل أرْبَعَة عَشر عاماً كَتَبْتُ إشادة بِهذا الرَّجُل العظيم، أشْعَر أنه من المناسِب، تقديمهُ إلى القُرَّاء تَحْديداً، من أجل مَعْرِفة المَزيد عن هذا الرَّجُل.

 

تَحِيَّة للدكتور فَريد أبو سليمان

 

اليوم، هو يوم الرَّبيع، ولِهذا الفصل طابِعاً مِثالياً في “مدينة” واشنطن  وضواحيها. وفي هذا اليوم أيضاً، احْتَفَلَت هذه المدينة كَما العديد من المناطِق في العالَم بِعيد الفِصْحِ. لا أعْتَقِد بأن أي يوم يُمْكن أن يُضاهي هذا اليوم، فالشَّمْس لامِعَة في السَّماء الزَّرْقاء، ودَرَجَة الحَرارَة مُعْتَدِلَة، ومُعظَم الأشجار في كامِل نُضْرَتها، كما ويَتَذَكّر بلايين الناس فيه قيام يسوع المسيح من الموت.

 

في هذا اليوم، حيث تبدو الولادة الجديدة والعَيش مواضيعاً مُهَيْمِنة، أُبْلِغْتُ باحْتضان الدكتور فريد أبو سليمان الموت ومغادَرَتهِ هذا العالَم. أجِدُ أنَّهُ من الصَّعْبِ جِدَّاً إدْراك أنَّهُ انتَقَل في شَهْر إبريل، وهو الشَّهر نَفْسَهُ الذي تَرَكَ فيه الدكتور داهِش عالَمنا؛ وذلك قَبلَهُ بِتِسْعَة عشر سَنَة، كما أنَّ (الدكتور فريد أبو سليمان) انتَقل في اليوم العشرين وفي السَّاعة السَّادِسة بعد الظُّهْر، وهي أرقام لها معْنى خاص للدَّاهِشيين. كان قَد انْتَهى لِتَوّهِ من العَشاء بَعْدَ قَضائهِ يوماً من الصّيام. كان في منتصف التسعينات من عُمْرِهِ وعاشَ داهِشِيَّاً مُدَّة إحْدى وستين سَنة. كان مِن أوائِل المؤمنين بِرسالةِ الدكتور داهِش. هو آخر رَجُلٍ من الجيل الداهِشي الأوَّل يَنْتَقَلَ مِنْ عالمنا.

تَخَلَّى عن الحياة المُريحة التي يَتَمَتَّع بِها كَطَبيب مُكَرّساً مُعْظَم وَقْتِهِ لِمساعدة الرّسالة.

 

أتَّذَكَر بِوضوح ذهابي إلى عيادَتهِ في وسَط بيروت خلال سَنوات المراهَقة، عندما كنْتُ في الرابِعة والخامِسة عَشر من العُمْر ، للإسْتماعِ إلى شَرْحِهِ حول الدَّاهِشِيَّة. وفي بَعْضِ الأحْيان، كُنْتُ أُحْضِر البَعْض من أصْدِقائي على أمَلِ أن يَقْبَلوا الدَّاهِشِيَّة. هُنا رَجُلٌ لا يجوز أن يُفَكّر مَرَّتين في التَّحَدُّثِ إلى شاب مُراهِق عن الدَّاهِشِيَّة وأسْرار الكون بِحَسَبِ ما يستطيع الشَّاب إدْراكِهِ، الأمر الذي أنا مُمْتَنٌّ لَهُ جِدَّاً.

 

لَقد كان أنساناً حَسَّاساً بِكُلّ مَعْنى الكَلِمة. كان لَطيفاً، سارَّاً، وذو بَراءَةٍ تُشْبِهُ الطّفْل. إنَّ المَرَّة الأخيرة التي رَأيْتُه فيها، كَما أعْتَقِد، كانت في أَوائِل الثَّمانينات، عِنْدَما زارَ الولايات المُتَّحِدَة. عاش عُمْراً مَديداً، وسيَتِمّ افْتقادَهُ.

 

لِيبارك الله روحه!

 

منير مراد

20 إبريل 2003

 

 

انْعِتاق روح الدكتور داهِش

 

انعِتاق روح الدكتور داهِش

إحياء ذِكْرى مُرور 33 عاماً على رَحيلهِ

 

بِقَلَم مُنير مراد

ترجمة يوسف سلامة

فيما أعيش بين أخوتي البشَر، أتَفَكَّرُ في تَنَوّعهم الجَسَدي والثَّقافي والسُّلوكي والفِكري ، فَضْلاً عن جميع التَّناقُضات المُرْتَبِطَة بِها. أرى التَّطرُّف وجميع الظلال القائمة وسْطها بين الغَنِيّ والفَقير؛ المُعافى والمَريض؛ الشَّاب والمُسِنّ؛ الشَّر والخير؛ السَّخِيّ والبَخيل؛ السَّعيد والحَزين؛ المُتَحَفِّظ والمُتَسامِح؛ الأخْلاقي وغَير الأخلاقي؛ الذَّكي والغَبِي؛ المازِح والصَّارِم. المُتَدَيِّن والمُلْحِد؛ اللطيف والقاسي؛ الكريم والمُسيء… إنَّ تَأمُلي يقودني إلى سُؤال أساسِيّ وهو: ماذا يَعْني كُلّ ذلك؟

 

للدَّاهِشِيين هُناك إجابَة واحِدة فقط: أن نكون واحِد مع الخالِق. قد يتساءل المَرْء، كيف يمكن للتَّنَوُّع البَشَرِي مع جميع التَّناقُضات أن يُؤدّي إلى أن نكون واحِداً مع الخالِق؟ إنَّهُ وِفْقاً للإيديولوجيَّة الدَّاهِشِيَّة، فإنَّ الكَون بِأكمَلِهِ مُكَوَّنٌ مِن مِئة وخمسين درك جحيميّ، و مِئة وخمسين دَرَجة نَعيميَّة عُلْوِيَّة. يتكوَّن كل مُسْتَوى منها مِن عَدد لا يُحْصى من بيئات قابِلة أن تُشَكّل حياة، وهو أمْرٌ مُماثِلٌ لِجميع الكيانات الحَيَّة على كوكب الأرْض. ويمثّل الحدّ الأقْصى من كُلّ طَرَف القُرْب الشَّديد من مجد الله تعالى أو البُعْد عَنْهُ. أمَّا ما يَقع بين هذين (الحَدّيْن) فَيُعَدُّ درجات مُتفاوِتة عَنْها. يَقَع عالَمنا على عَتبة الدَّركات الجحيمِيَّة، وهو أيضاً على عَتبة درجات النَّعيم في نَفْس الوقت. إنَّ كُلّ ما يَحْدُث لَنا مِن خير وشَر في اختباراتنا الحياتِيَّة لَهو مُرْتَبِط ارْتِباطاً مباشراً بِسلوكنا في حياتنا الحاليَّة أو السَّابِقة. وفي كُلِّ “مَرْحَلَة” من وجودنا، تُمْلِي إرادتنا الحُرَّة وسلوكنا مَدى الدَرجة العُلْوِيَّة التي سَنكون فيها في عوالم النَّعيم أو دَرَجة الإنحطاط في عوالِم الجحيم. لَقد اقْتَضَت رحمة الله تعالى أن تَمدَّنا بالهُداة الرُّوحِيين والأنبياء وذلك لإنارة سبيلنا ومَنْحِنا الخلاص.

 

بِما أنَّ وجودنا في هذه الحياة يَرْتَبِطُ ارْتِباطاً مُباشِراً بِسلوكنا السَّابِق، فهذا يقود إلى حقيقة أنَّا مُكلّفون (مَسْؤولون) بِسَبب وجودنا. الإستثناءات الوحيدة هي الأنبياء والهُداة. برغم أنه لم يكن لدينا الخيار في أن نكون في هذه الحياة، إلا أنَّ نبيَّنا الحبيب الهادي كان لديه الخيار وكان قد اخْتار أن يَنْزل إلى الأرْض للعَيْشِ بيننا من أجل أن يَكْشف لنا الحقائق الرُّوحِيَّة ولِكَي يَفْتَدينا من خِلال مُعاناتِهِ كإنسان- أي بِنَفس الطَّريقة التي فَعَلَها قبل ألْفَيّ عام عندما اختار أنْ يولَدَ كَسَيّدنا، يسوع المسيح.

 

في 9 إبريل 1984 ، غادرنا النَّبيّ الحبيب الهادي بَعْدَ وَضْعِ أُسُسِ الدَّاهِشِيَّة. بالنّسْبة لأتباعِهِ يُعْتَبَر رحيله ذِكرى سَنَوِيَّة مُرَّة حُلوة. فَمِنْ ناحِيَةٍ، مِنَ المُحْزِنِ ألّا يكون بيننا. ومن ناحِيةٍ اُخْرى، هو تَذْكيرٌ بهيج عن انعِتاق نفسهِ من سِجْنِ الجَسَد البَشَري. في عام 1970 كَتَب قصيدة نَثْرِيَّة بِعنوان “يا نَفْسي القَلِقَة”، ومن المُناسِب أن تُقَدَّم إلى القارِئ في الذِّكْرى الثالِثة والثَّلاثين على انْتِقالِهِ.

 

يا نَفْسي القَلِقة!

أيَّتُها النَّفْس الحَيْرى!

يا مَنْ أرْهَقَتْكِ أوزار هذه الكُرةِ الأرْضِيَّة!

يا مَنْ أرْهَقَتْكِ متاعِبُ هذه الفانِيَةِ!

أيَّتها السَّجينة في هذا الجَسَد المادِيّ الحَقير!

يا مَنْ تريدين الإنْطِلاق فَتُكَبّلُكِ المادَّة بِكُبولِها المَمْقوتَةِ!

أيَّتها التَّوَّاقةُ إلى للإنعِتاق، الرَّاغِبة بالتَّحْليق نحو العَلاءِ!

يا مَنْ تُنْشِدينَ عالَماً غير عالَمكِ المادِيّ هذا!

أيَّتها النَّفْثة القُدْسِيَّة والنَّفْخة العُلوِيَّة!

لقد حُكِم عليكِ أن تنزَوي في جَسَدٍ مادّيّ أرْضِي، لأمَدٍ قصيرٍ،

وَمِنْ خِلالهِ تَنْظُرين- والألم يُمْعِنُ فِيكِ تَعْذيباً- ما يُرْتَكَب في هذا الكوكَبِ من شرورٍ هائلَة، وآثامٍ مُرْعِبَة، تُشاهِدينها فَتَتَمَنّين لَو لَم تَهْبِطي إلى عالَمِ الأضاليل المُدَنَّسَةِ.

تُحاولين هِداية النَّاس، والنَّاس قد انْدَمجوا بالشُّرورِ، وتَمَنْطَقوا بالآثام، ونَطَقوا بِأفْحَشِ الكلام.

أفْرادٌ أيَّتُها النَّفْس، يُعَدُّونَ على الأصابِع، فَهِموا الحقيقة، وتَبِعوها، ولكن بِمِقْدارٍ أيضاً.

وما دام الإنسان أيَّامهُ مَعْدودة، ولياليه سَتَتَصَرَّم حِبالها، فَلِماذا لا يَرْتَفِعُ بِروحِهِ نحْوَ الأعالي، لِيُكافَأ، على احْتِقارِهِ مُغْرَيات الحياة، بِفَراديس غَنَّاء، تَمْضي آلاف من الأعوام وهو راتِعٌ بِسعادة بَشَرِيَّة لا يُمْكن لِقَلَم بَشَرِيّ أن يَصِفها، لِعَظيم ما تحْتَويهِ مِنْ لذاذاتٍ روحِيَّة ومُتَعٍ إلهِيَّة.

إنَّ جميع مُغريات هذه الحياة لا تَسْتَطيع إدْخال الفَرَحِ إلى نَفْسي، أو تَدعني أشْعُر بِسعادة وَهْمِيَّة، سُرْعان ما يَبْترها سيف الموت الرَّهيف الرَّهيب.

ويومَ تنطَفِئ شُعْلَة حياتي،

ويوم يدعوني إليهِ داعي الموت ويَبْسط ذِراعَيه لِيَضُمُّني إليْهِ،

ويوم تتوارَى عن عَيْنَيّ مَرْئيَّات هذه الأرْض المُفْعَمَة بالآثامِ الهائِلة،

يومَذاك أشْعُر بالسَّعادة الحقيقيَّة،

وَأتَذَوَّق لَذَّة العوالِم العُلْوِيَّة،

وأحْيا هُناكَ في تِلْكَ الرُّبوع السِّحْرِيَّة، الحافِلَةُ بِمُتَعِ لَم تُشاهِد مِثلها العُيون، أو تَسْمَع بِها الأذان!

يومَذاك تَكمل أفراحي وتتمُّ مَسَرَّاتي الرُّوحِيَّة.

فَمَتى أنْطَلِقُ مِنْ ربوع الأسْرِ إلى فَضاء الحُرِيَّة؟ مَتى ؟!

 

فُنْدُق شارتون بالكويت، والسَّاعَة 9:30 ليلاً، 27/6/1970

رَدَّاً على مقالة بِعنوان “القانون الدَّاهِشي”

 

المُقَدِّمة عن الرَّد الدَّاهِشي

 

بِقَلم يوسف ق. سلامة

 

وَرَدَ في 16-3-2017  من جريدة “الأخبار” مقالاً بِعنوان “قانون داهِش” حيث يتناول فيه الكاتِب “محَمد نَزَّال” شخصية أحد أعظم من جاءوا إلى أرْضِنا ألا وَهو الدكتور داهِش؛  فكان النَّبِيَّ والهاديَ بل وتجسيداً لوصايا الله في الأعمال.

إلَّا أن المقال قد أورَدَ فيه صاحِبه أموراً بعيدة عن واقِع الرَّسالة السَّماوِيَّة التي جاء الدكتور داهِش من أجْلِها.

فقد اسْتَهَلَّ مقاله بِظاهرة تناقلَتْها الألْسن وهِي إشاعَةٍ مُغْرِضة تناولتها الناس دون أتباع النبيّ على الإطلاق. ثُم بعد ذلك يتطرَّق كاتب الموضوع إلى السياسَة معطياً القارِئ انطِباعاً خاطِئاً عن رَجل الروح على أنه “رجُل سياسيّ” متضَلّعٌ من الأمور السياسيَّة واصِفاً إيَّاه “بالخبير بالقَوانين السياسِيَّة” وبالإضافَة إلى ذلك، وَصَف كاتِب المقال بأنَّ (الدكتور داهِش) يُحَدّد  عدد الناخِبين للرَّابِح والخاسِر، بِفَضْلِ مواهِبِه ! ثُمَّ يُعَزِّز الكاتِب قولهُ بِظاهِرة صَنعها الدكتور داهِش يُحَدَّد فيها عدد الأصوات التي نالها النائب بشير العثمان، لِيُفْهِمَ القارِئ أن ما حَصَل إنْ هو إلا موهِبة!

مفادُ المعجِزة (التي نؤمن كداهِشيين بأنَّها حَصَلَتْ فِعْلاً) أنَّ الدكتور داهِش كَتَب على ورقة صفراء ثم طواها طالِباً من النائب بشير العُثمان عدم فَتْحها ووضعها في محفظتهِ. ثُمَّ بَعْد فَترة زمنيَّة من انقطاع تواصُل النائب بشير العثمان مع مُؤَسّس الرّسالة الداهِشِيَّة،  يأتي يوم يقوم فيه الدكتور داهِش والدكتور فريد أبو سليمان بِزيارة النّائب بشير العثمان، ثمَّ يقوم الدكتور فريد رحمه الله بِتذكير النائب بالورقة الصَّفراء طالِباً منهُ فَتْحها، وإذا بالنائب يُصْعَق لدى رؤيته عدد الناخبين الذين صَوّتوا له.

نعَم، نحن نؤمن أنها معجِزة روحِيَّة دون ريب، لكن كثيرين ممن لا يؤمنون بتعاليم الرّسالة الداهِشيَّة يَضعون الأمر في نِطاق المواهِب البارابسيكولوجِيَّة وشَتَّان ما بين الأمور الروحِيَّة والفلسفات النَّفسِيَّة الأرْضِيَّة. يَذْكُر الكاتب المصدر الموثَّق الذي جاء منه هذا الخبر وهو جريدة اللواء عدد 12 حزيران 1964 ذاكِراً تأكيد زوجة النَّائب بشير العثمان للأمر في رِسالة لاحِقة. ثُمَّ يتابِع كاتب المقال قوله مُقارِنا الدكتور داهِش بِمن همَّهم معرفة عدد أصوات الناخبين (في السّياسَة) قائلاً: “ولكنه هو «داهش» في النهاية، مقبولة مِنه، لكن أن «يُدهشنا» السياسيّون (الطبيعيّون يعني) كلّ يوم بقانون «داهشي» جديد!”

في المُقابِل، نود أن نُنَوّه كداهِشيين بأن الهدَف الأساسيّ من المعجزة التي جَرَت أمام النائب بشير العُثمان هو إظهار حقيقة أنَّه لا شيء يمكن أن يَقِف حائلاً أو عَقَبة دون حصول معجِزة روحِيَّة؛ فهي إذَن من مَلأٍ روحِيّ طاهِر فَلا تَحصُل إلَّا لِهَدف روحِي سامِي وهو بعيد كل البُعْد عن إتمام  أو تَغْليب أمر ماِدّي من أجل منفعة دَنيويَّة شخصِيَّة لا سيما على حِساب شَخص آخر.

 

هذا كان مُلَخّصاً عمَّا وَرَد في في جريدة الأخبار 16-3-2017

 

وقد وَرَد رَدّ البروفسُّور المحامي فارِس زَعْتَر على المقالة وكان على النَّحو التَّالي:

30 آذار 2017

جريدة “الأخبار”

 

الرَّد الدَّاهِشي للبروفسور الأستاذ الأخ فارِس زَعْتَر والأخ الأستاذ خليل زعْتَر

 

رسائل إلى المحرر

 

العقيدة الداهشية

نَشَرَتْ «الأخبار» (16/3/2017) مقالة بعنوان «قانون الدكتور داهش» تنطوي على تجريح وقدحٍ وذمٍّ وتشويه فادح فاضح لحقيقة الدكتور داهش وتنال من كرامة ألوف الداهشيين في لبنان والخارج.

ولمَّا كُنّا ممّن عرفوا الدكتور داهش معرفة شخصية وعايشوه على مدى عقود، وآمنوا بعقيدته السامية، وكان لنا شرف حمل وكالة عامة عنه، يهمنا توضيح الآتي:
أولاً: لا يمكنُ لمثقَّفٍ لبناني أن يجهل أنَّ الدكتور داهش ظاهرةٌ فريدة في تاريخ لبنان الحديث؛ ولا يمكنه أن يتعامى عن أنَّ الذين التفُّوا حولَهُ واعتنقوا عَقيدَتَهُ السَّامية هم نخبة من كبار المثّقَّفين، وأن السُّلطة الغاشمة المتآمرة على اضطهاده في أربعينات القرن الماضي مع قوى التعصّب الطّائفي هي التي أرسَتْ وجذّرت قواعد الفساد، ونهب المال العام، وانتهاك حقوق المواطنين وتهشيم القوانين. ومن الوقائع الثابتة التي لا يمكنُ تجاهلها أنّ أعلى المراجع القضائية والرسمية في البلاد أقرَّتْ بلا دستورية ولا قانونية ما تعرَّض له الدكتور داهش. وكان للأقلام المأجورة المرتبطة بالقوى الطائفية السياسية المتعصِّبة دورٌ أساسيّ في تشويه صورته.
ثانياً: الظواهر الروحيّة الخارقة التي كانت تتمّ على يدَيْ الدكتور داهش وبواسطته على مدىً يربو على النّصف قرن حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارُها. فقد شاهدها وشهد لها الألوف، وصوَّرَتْها كاميرات الصُّحفيِّين. وهيَ ظاهرات ملموسة لا يمكن إدراجُها في أبواب ألعاب الخفة أو ما يسمى بالإيحاء أو الباراسيكولوجيا أو سوى ذلك.
ثالثاً: الدَّاهشيّة عقيدة روحيّة يعتنقها كثيرون وجدوا فيها حقيقةً محِّرَرة من التَّعصُّب الدّيني، وتُقدّمُ حلولاً مقنعة تُزيلُ الاختلافات بين الأديان وتدعو إلى الإيمان بأنها جميعها واحدة في الجوهر، وتؤكِّد على حرّية الإنسان المطلقة في الإيمان وأن الخلاص ليسَ حكراً على مذهب أو طائفة أو دين، وأن تعدد الأديان ضرورة أوجدها الاختلاف بين البشر. وإذا كان النَّقْدُ والحوار الموضوعي مرحباً بهما دوماً، فإن السُّخرية والاستهزاء وتشويه السمعة تندرجُ في باب التجريح والقدح والذم.
أخيراً، من المؤسف تجاهل أن الفكر الداهشيّ بعيدٌ كلّ البعد عن الطائفيّة، وعن السياسة ودهاليزها وفنونها وأفانينها. فنحنُ نؤمن بحريّة الإنسان وحقوقه وكرامته، وبالمساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات في إطار قوانين عادلة تضمنها ونظامٍ قضائيٍّ نزيه يُؤمِّن تطبيقها. ونعتُ الأستاذ محمد نزّال لطريقة اعتماد قانون انتخابي طائفي جديد «بالداهشية السياسية» يجعلنا نشعر بالاشمئزاز، إذ لا وجود «لداهشية سياسية» ولن يكون. فتسييسُ الطوائف والمذاهب والأديان أفسدَها وأدخلَها في إطار لعبة السلطة الدنيوية وشهوات ومطامع القيِّمين عليها و/أو مستغليها.
البروفسور المحامي فارس زعتر
المحامي خليل زعتر

 

 

 

 

العام الثَّامِن والسّتُّون للدَّاهِشِيَّة

 

بِقَلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

العام الثَّامِن والسِّتُّون للدَّاهِشِيَّة

 

قَبْلَ سَبْعِ سَنَواتٍ، كَتَبْتُ المَقالة التَّالية في الإحتفال بَمَولِدِ الدَّاهِشِيَّةِ. لقد وَجَدْتها مُناسِبَةً في مضمونها؛ في الذكرى السَّنَوِيَّة الثَّامِنة والسِّتّين كما في الذِّكْرى الخامِسَة والسَّبْعين. أقدِّمها مرة أخرى إلى القُرَّاء، والحُكْم عائد لَهُم.

 

العام الثَّامِن والسّتُّون للدَّاهِشِيَّة

لقد مَضى ثلاثة ألاف سَنة منذُ قَدَّم لنا موسى الوَصايا العَشْر وأبْسَط القوانين للعَيْشِ باسْتقامة؛ وهي التي تُشَكل أساس اليهوديَّة والمسيحِيّة والإسلام. مَضَى ألْفا سَنَةٍ مُنذُ بَشَّرَنا السيّد المسيح عن التَّواضُع، والرَّحْمة، والمَحَبَّة. مَرَّ ألف عام ونِصف منذُ حَوَّل النَّبِي محمَّد (صَلَّى الله عليه وسَلَّم) عابِدِيّ الأوثان في شِبه الجزيرة العربيَّة إلى شَعْبٍ يَخْشى الله. ثلاثة أنبياء من الله، من نَسْلِ النبيّ إبراهيم، أرْسوا القواعِد الإنسانِيَّة للسُّلوكِ الإنسانِيّ السَّليم، وقَدَّموا لَنا معْلومات غَنِيَّة حول وجودنا. قد يأخُذ المَرْء بالظَّن بأن أتباع هذه الديانات سَتَعْتَرِف بذلك النَّسَب وتَعْتَرِف ببعضها البعْض. لكن بَدَلاً من ذلك، حَدَثَ انْقِسام في كُلّ دين من هذه الأديان، وبالإضافة إلى القتال الجاري (بين أبناء الدّين نفسه)، يَسْتَمِر القِتال بين الأديان حَتَّى يومنا هذا.

 

منذ زَمَن موسى وحَتَّى يومنا هذا، تَحَمَّلَت الإنسانيّة أكثر أفْعال العُنْفِ ترْويعاً- كُلّها باسم الدّين. في الواقِع، لا يمكن لأي دين أن يُقِرّ بِهكذا سُلوك. منذ أواخِر القرن التاسِع عَشَر وحَتَّى يومنا هذا، جَلَبَتِ المَعْرِفة العِلْمِيَّة والإكتشافات إخْتراعات وإنجازات كثيرة إلى الإنسانِيّة، لكنَّها  مع كُل ذلك، جَلَبَت الشَّك في الخالِق وفي هذا الكون وفي الروحانِيَّة. إنّ إنجيل المسيح عن التَّواضع، والرَّحْمة، والمَحَبَّة، لَم يُثْنِ المسيحيين عن محاربة بعضهم البَعْض في الحَرْب العالَمِيَّة الأولَى. وبرغم أهْوالِ هذه الحَرْب، لم تتعَلَّم الإنسانِيَّة الدَّرْس؛ فكانت النَّتيجة حرباً عالمِيَّة ثانِية أكثر وحْشِيَّةً وشراسَة.

 

في وقت اندلاع الحرب العالمِيّة الثَّانِية، كانت الإنسانِيَّة غارِقة في كراهِيتها وشرورها، حيث جَرى اسْتغلال الإنسان لأخيه الإنسان بأكثر الأشكال المُرَوِّعة مُسْتخْدِما أكثر الأساليب ظُلْماً. ومن الصَّعْب التَنَبُؤ بِما سَتَؤولُ إليه الأحْداث العالَمِيَّة في تطَوُّرها المُؤَدّي إلى حَرب عالَمِيَّة ثالِثَة- حرْبٌ لا مَثيلَ لَها، لأنها  لا يُمْكِن أن تُسَبِّب إلَّا الدَّمار في جميع أنحاءِ العالَم، وَرُبَّما انقِراض الحياة على الأرْض. الأمر الذي سيكون تحقيقاً لنُبوءاتِ الكُتُبِ المُقَدَّسَة كافَّةً. لقد قَدَّمَتْ رحمة الله للبَشَرِيَّة طريقاً جديداً للخلاص في 23 مارس 1942، وذلكَ عندما أعْلَنَت الأرواح من خلال الدكتور داهِش ظهور الدَّاهِشِيَّة. فإنَّ التَّعاليم الدَّاهِشِيَّة النَّبيلة سَتُحْضِر المَرء إلى إدراك أن منبع جميع الأديان هو واحِدٌ، وأنَّ كُلَّها تقود إلى الخَلاص. كما أن الداهِشِيَّة ستروي عَطَشَ أولئك الذين يسعون إلى المَعْرِفة والتَّنوير حول ما لِعوالم الروح، وَالعدالة الإلهِيَّة، وَسَبَب وجودنا، (ومعنى) الهدف النّهائيّ المُتَمَثِّل في أنَّنا واحدٌ مَعَ الخالِقِ.

 

على الرَّغم من مغادرة النّبيّ الحبيب إيَّانا بانطلاقِهِ إلى عالَمِهِ منذ ستّة وعِشرين سَنة، فإنَّ عَزْمَ الدّاهشيين على نَشْرِ الرّسالة السَّماوِيّة لن يتزَعْزَع. لن تُثْني أي مَشَقة المُؤمِنين الحقيقيُّين عن التَّحَرُّك إلى الأمام، لن يُضْعِفْ إيمانهُم أي إنْزعاج أو خسائر ماديَّة، ولن يوقِفْ الدَّاهِشِيَّة أي اضطهاد أو اسْتِشهاد للوصول إلى أيّ إنسان اسْتَحَقّ شَرَفَ تَلَقّي التَّوجيهَ الإلهِيَّ. ليست الداهِشِيَّة للخجولين وضعفاء القلَب، كما أنها، وبكل تأكيد، ليست لأولئكَ المُتَعَجْرِفين، وعَدِيمِيّ الجَدْوى، والمادِّيين. إذا كُنْتَ داهِشِيَّاً، وَلَمْ تَعِشْ بمُقْتَضى مسْؤولِيَّتكَ اتّجاه الدَّاهِشِيَّة ونَبِيّنا الحبيب الهادي، فإنَّ عواقِب روحِيَّة وخيمة سوف تترَتّب على ذلك.

المسيرة مُسْتَمِرَّة والدَّاهِشِيَّة سَتَنْتَشِر!

 

مُنير مراد

20 مارس عام 2010

 

 

مَعْنى السُّلوك في الرُّوحِ

 

مَعْنى السُّلوكِ في الرُّوح

بِقَلَم يوسف سلامة

 

للرسالة الدَّاهِشِيَّة نور يُضيءُ، بالكَلِمة، يُضيءُ سَلاماً وراحَةً للنَّفْسِ والعَقْلِ مِن عَناءِ التَّفكير الفَلْسَفِيّ المُنْحَرِف والبَلْبَلَةِ التي زُرِعَتْ في العُقول عَبْر قُرون وَقُرون؛ تِلْكَ الضّيقة العَظيمة التي تَنَبَّأ عنها السَّيّد المسيح عَليه السَّلام والتي ذَكَرها الرَّسول مَتَّى في الإصحاح الرَّابِع والعِشْرين.

وفي زمننا هذا، نُدْرِك إنَّها الضّيقة الفِكرِيَّة والحيرة الآتية من جَرَّاء النِّزاعات الفِكْرِيَّة الطَّائفِيَّة والحِزْبِيَّة السّياسِيَّة الزَّائلَة.

وفي المُقابِل، تَدعو الرِّسالة الدَّاهِشِيَّة إلى وِحْدَة الأديان؛ أي أن أصْلَها رُوحِي سَّماوِيّ طاهِرٌ وخالِد. ما أن يَتَرَسَّخ هذا المفهوم السَّلامِيّ في عُقول البَشَر، يَنْتَفي مِن الأذِّهْان كُل تَعَصُّب طائفِي وحِزْبِي، ثُم ينْتَفي التَّناحُر الباطِل بين أبْناء الأديان والمَذاهِب الرُّوحِيَّة، فَيُصْبِح الرَّابِط بينهم الإيمان بإلهٍ واحِدٍ، والإيمان بِوجود روح جاءَ مِنْها الأنبياء والهُداة قاطِبَةً لإتمامِ رِسالَة واحِدة ذات هَدَف واحِد. فُتُصْبَح الحَرْب الرُّوحِيَّة لا على بَعْضنا البَعْض بَلْ ضِد كُل سَيَّال نَفْسيّ وَثَنِي يَدعو لِعبادة المادَّة والمال دون الخالِق عَزَّ وَجَلّ؛ أيْ كُل ما يَتَّصِل بالمظاهِر الخاِرِجِيَّة البَرَّاقة الخاِدعَة الفانِيَة. لَقَد صَنَعَ النَّاس أصْناماً لِيَعْبدوها دون الله تَعالى. أمَّا ما يُثير الدَّهْشَة حَقَّاً، فهو ذهاب بَعْض هَؤلاء النَّاس لِعبادَةِ الأصْنام بالرَّغْم من إنْذار الأنْبِياء لَهُم. فالعِجْلِ الذَهَبِي المادّي الفانِي كان رَمْزاً لِمَنْ تَمَرَّدوا على وصايا الله تعالى في أيَّام النَّبي موسَى عليه السَّلام. ومع الزَّمن، صارَ هذا الصَّنَم الذي يُمَثِّل “النزَعات” السُّفْلِيَّة بِشَكْل عام، لِيُصبِحَ، من ناحِية خاصَّة، صَنَماً نَفْسِيَّاً آخِذاً صورة الجِنْس (الشَّهوات الجِنسِيَّة)؛ أي أن الناس باتوا يَعْبدون الشَّهْوَة في المادَّة المجَسَّدة في (أذْهانِهِم وَقلوبِهِم). وقد تَجَلَّى الأمر في أيَّام النَّبِيّ لوط، قبل مجيء النبي موسَى عَلَيْهِ السَّلام، حيث عَصى النَّاس وصايا الله فجاء عِقابهم رهيباً، إذ سَمَح الله أن تَنزِل عليهم نارا من السَّماء سَكَبَتْها كائنات حَيَّة عائشة في كواكب عُلْوِيَّة كانت تراقِب بِكُل دِقَّة أعمال البَشَر. ثُمَّ مع تَطَوُّر العِلْم، واكْتِشاف الكهرباء والتّلفزيون وكل ما يَمُتّ إليها بِصِلَة، صار عبَّاد الجِنْس يتَلَمُّسون تلك الشَّهوة المتمَثِّلَة في أذهانِهم، ويسجدون لها كأنَّها إله حَيّ! إذ صار أمر مشاهدتها شِبه متاح وإباحِيّ. فيا للعار وكم باتَ مِنَ السَّهْلِ خِداع العَقْل.ألَم يَحِن الوقت لِيُدْرِكوا أن تلك الكهرباء التي اكْتُشِفَتْ (والتي يَتَصَوّرونها مُحَرّكة للجماد وباعِثة الحياة فيه) لَيْسَت سوى ذبذبات لها صورة َحْدودة، لا تتحَرّر منها النَّفْس إلا بالعَمَل الصَّالِح وأنَّهُ بعد تقمُّصات وتجارِب يبلُغ المراتِب الطَّاهِرة الخالِية من كل شائبة مادِّيَّة مغناطِيسيَّة؟

وَبِمَعْنى آخَر، ألَم يَحِن الوقت ليُدْرِكَ العالَم أنَّهُ ما هذا الصَّنَم الجَسَدِيّ سِوى  صورة يخلقها الفِكْر في حالات مُعِيّنة فيُدمن الإنسان عليها بِجَهْل حَتَّى يَسْقُط في الخَطيئة ثُم العِقاب الرَّهيب. ليس أعْظَم مِثال على ذلك سِوى قِصَّة ” ساطِعاً كالشَّمْس”*1 التي دوَّنها الدكتور داهِش بوَحْيٍ إلهِيّ؛ التي تَحْكي عن سُقوط ملاك اخْتار النُّزول إلى أرْض البَشَر ثم “نسَيَ وتغافل عن وصايا الله” فَسَقَط في الشَّهوة، فكان عِقابَهُ رَهيباً.

 

كُل شيء في هذه الحياة هو عِبارَة عن طاقَة (كُتْلَة)، حَتَّى أفكارنا أيضاً هي طاقَة، ويُمكن أن نُحاسَب روحيَّاً عليها أيضاً. لكن إن سَمَح الإنسان لتلك الأفكار بِالمكوث في داخِله؛ وإذا ما تَمَكَّنَتْ منهُ/ا وظَل يُفَكر في نَفْسِ الأمور ، لا بُد لها إذ ذاك أن تُتَرْجَمَ كشعور وحركات متجَسِّدة فينا. لذلك إذا سَلَكنا بحسَب قوانين السماء الطَّاهِرة التي هي (الحِكمة) ، خَلُصَ بِنا الأمر إلى خَلاص النَّفْس، وإلَّا عوقِبْنا فَعَلِقْنا، وقد تكون المعاقَبة الروحِيَّة بالموت. حياتنا تُشْبه متاهة لكن بقوانين.

لقد سَمَح الله تعالى  بِنِعْمَةِ التَّقَمُّص، تِلْكَ النّعْمة الظَّاهِرة في في موادِ الكون قاطِبَة والتي أدْرَكَها وَعَلَّمها العالِم الكبير (ماكس بلانك)2 والتي تقول فيما مَعْناه: ” المادَّة لا تُخْلَق ولا تَزول”. وبِمَعْنى آخَر، بعْد أن أوجَد الله الكون خالِقاً إيَّاه من العَدَم، صارَت (المادَّة) بَجميع أشْكالِها قابِلَة لِأن تتحوَّل من حالة إلى أُخْرى مهما كان نوعها، وهذا ينطبِق على البَشَر والحَجَر على حَدٍّ سواء. لقد أفهمنا نَبِيّنا الحبيب) الدكتور داهِش أن الموت ليس هو نهاية المطاف، بل هو عبور من حالة إلى حالة، فالنَّفس تعود لِتأخذ شكلاً آخر أكان بَشَرا أم حيواناً أم حجراً، فالكل يحاسِب على أعماله ويُمنح الشَّكل الذي يستحقّه بِنِسْبَة عمله المُقَدَّرة عند الله عَزَّ وَجَلّ. لا يمكن للإنسان فَهْم أعماق الله تعالى مهما بَلَغ به الأمر من عَبْقريَّة وإدراك وفَهم. وكما تقول الآية الكريمة: ” ويَسألونك عن الروح قُل الروح من أمر رَبِّي وما أوتيتم من العِلْم إلا قَليلاً” (سورة الإسْراء 85-87). إذاً لا يتم ما هو خير للإنسان إلا إذا طَّبَّقَ إرشادات  الأنبياء عليهم السَّلام، وتُعْتَبَر التَّضْحِيَة بالذَات من أجل الآخَر حَتَّى الموت سَبيلاً  عظيماً لِصِدق ما تكنُّه النفس من وفاء وإخلاص لتعاليم الله السَّماوِيَّة. وهنا نسأل: كيف؟ الجواب: بالإتّكال على الله لا النَّاس. عِبادة الله لا المال. الرِّفْق بالمسكين واليَتيم وعَدَم إيذائه حَتَّى لو وَقَف أقوى النَّاس في وجهك مُتَّحِدون، فَبقوة الله توقِفْهُم. كثيرون هم النَّازِلون إلى الهاوِيَة، وهُم بِدَورِهِم يَتَلَمَّسون الإيقاع بالمؤمن الصَّادِق ولو كانوا مع بعضِهِم مُتكاتِفون. ليس الدِّين قَولاً ومَظْهَراً خارِجِيَّاً بل تَضْحِيَةً في سَبيل الله من أجْلِ كُل كائن على وجه الأرض ولكن في الحَق والعَدْلِ. أنت تَعْمَل بالكَلِمة إذَن أنت مُؤمِن حَقيقيّ حَسَّاس؛ يُحِبّك النَّاس لأنك تُبادلهم الشُّعور. لكن عَمَلُكَ يكون في الله في الخَفاء ليس لإظهار النَّفْس والتَّباهي، رَجُلاً كنتَ أم امرأة. تُرى هل يجوز لأي إنسان ارْتِكاب جريمة لإسْعاد نفْسِهِ وتَحْقيق حُلْمِهِ المنشود الذي انْتظره عقوداً ناسياً أو متناسِياً وصِيَّة واحِدة من وصايا الله. كلَّا وألف كَلَّا. هُنا يَكْمُن الإخْتِبار، فَعِنْدَما تُميت ميولَك وشَغَفَكَ الأرْضِي تكون قد رَبِحْتَ نَفْسَك وكَنْزا في السَّماء لا يَفْنى. إنَّهُ لو كُنْتَ فقيراً ومُعْدَماً وكُنْتَ في طريقَكَ مُسْرِعاً في طَريق ضَيّق كَخَنْدَق ، ثُمَّ صادف أمامَك مرور عدد كبير من أطفال يلعبون وقد مَرُّوا في ذلك الخندَق فصار صعب عليهم الرجوع لِكثرَتِهِم، فهل تَدْهَسْهُم بِحُجَّة أن لديك أمر طارِئ في وقت معين يتوقف عندهُ مُسْتقبلك؟ أم تنتظِر حَتَّى يمر ذلك الطابور البَريء فتفوتكَ الفرصة الجسديَّة وتَرْبَح الإختبار الروحِي العظيم الذي اختبرك الله به؟ لا يمكن للمؤمن إلا الصَّبر وبذل كل ما هو غالٍ في سبيل الجائزة الروحِيَّة.

إن نفس الإنسان هي طفل ينمو روحياً بالعَمَل الصالِح، فإذا أنت قَتَلْتَهُ، فقد ارتكبْت جريمة في حَق نفسِك وأخَّرْتَ فُرصَة خلاصِكَ الروحِي.

 

ندعو الله أن يُلْهِمنا إلى كُل ما هو خير ومحبَّة. نعم هذه هي الداهِشِيَّة، إنها الوِحْدة الروحِيَّة بتطبيق وصايا الله بالمحبَّة وبَذْلِ النَّفْس حَتَّى الرَّمَق الأخير من أجل أخوتنا في الإنْسانِيَّة في المَحبَّة بِتَرْويضها.

دُمْتُم ودام عطاؤكم أخوتي الأحبَّاء ودامت محبَّتكم الأخويَّة وإيمانكم.

 

 

1“ساطِعاً كالشَّمسِ”: الجزء الأول ص. 140

2*” المادة لا تُخْلَق ولا تزول”- ماكس بلانك

 

ماذا يَعْني الدكتور غازي براكس لي !

ماذا يَعْني الدكتور غازي براكس  لي !

بقلم مُنير مراد

ترجَمَة يوسف ق. سلامة

 

تُوفِيَ الدكتور غازي براكس في 28 ديسمبر 2014، أي بعد مِضِي سنَتَيْن وَشَهْر واحِد مِنْ انْتقال رفيقة عُمْرِهِ نَجْوى سلام براكس، وبَعْد ثلاثين سَنَة من انْتِقال النَّبي الحبيب الهادِي. لقد كتب الحبيب؛ الدكتور داهِش ذات مَرَّة: ” ما حياتنا سِوى ظِل زائل وسراب حائل ووجودنا كالبَرْق الذي وَمَضَ ومَضى.” من الصَّعب تَصوُّر أن الوقت قَدْ مَرَّ بِهكذا سُرْعَة! لَم يَمْضِ وقت طويل على انتهاء مرحلة شبابي حَتَّى رأيتُني أدخُل في خَريف العُمْر. أنا واثِق بأنَّه لن يَمُر وقت طويل قبل أن يأتي انتقالي من هذا العالَم لِأبدأ حياة جديدة في مكان ما في الكون الفَسيحْ. لقد كتب الحبيب داهِش أيضاً: ” الناس نيام! تتم يقظتهم عند الوفاة.”  فقط بعد الموت، تُكْشَف للنَّفْس العديد مِن أسرار الوجود. وبِمُجَرَّد أن نَخْلَع أجسادنا المادِيَّة، تُدْرِك النَّفْس (تَقَمُّصاتِها) منذ بدء التَّكوين أو تكوينات هذا العالَم، كما يُكْشَف له/ا أيضاً سَبَبَ عَيْشه/اعلى تِلْكَ الحالَة في كل تَقَمُّص أيضاً. في الثَّامِن والعِشرين من شَهْرِ ديسمبر من عام 2014 استيقَظ الدكتور غازي براكس.

 

إنَّ أوَّل ما أستطيع تَذَكُّره بِخصوص الدكتور غازي براكس هو في لبنان، وفي أيَّام مُراهَقتي. في ذلك الوقت عَقَدَ الدكتور غازي براكس سِلْسِلَة من الحَلَقات عن الدَّاهِشيَّة في عيادة الدكتور فريد أبو سليمان رحمه الله. و كان انطِباعي عنه في تلك الفترة أنَّهُ شَخْص على دِرايَة كافِية وتكريس. ومع تقَدُّمي في سِنِّ المُراهَقة، كنت أسْعَى إلى لِقائهِ كُلَّما زارَت عائلتي منزل الرِّسالة من أجل الحبيب الدكتور داهِش. ثُمَّ انْدَلَعت الحرب الأهْلِية عام 1975 فغادَرْتُ لبنان إلى الولايات المُتَّحِدة الأمْريكِيَّة. وفي عام ،   1976   انتقلت عائلِتي بالكُلِيَّة إلى الولايات المُتَّحِدة الأمريكيَّة، وكذلك نبيّنا الحبيب الهادِي.

 

لم أكُن أرى الدكتور براكس حَتَّى أواخِر مايو، 1978، أيْ عندما تَجَمَّع العديد من الدَّاهِشيين في إحْدى ضواحِي نيويورك للإحْتِفال بِيوم الأول من يونيو الموافِق لعيد ميلاد نَبِيّنا الحبيب الهادِي. وكان من بين الذين وَصَلوا من لبنان الدكتور براكس حيث اسْتأجَر شقُّة في مانهاتن بعد حَدَث الإحْتفال هذا. وكان الدكتور داهِش يبقى معه في شقّته في كثير من الأحيان. وأذكرُ زيارتهُ مع عائِلَتي في تلك الشِّقة. ثُمّ بَعْدَ ذلك عاد الدكتور براكس إلى لُبنان ولَم أرَهُ حَتَّى أواخِر شَهر ديسمبر من عام 1979 ، أي عِندما قامَ بِرِحْلَةٍ إلى بيروت لِقَضاء بِضْعَةِ أيَّام في منزِل الرَّسالة مع نَبِيّنا الحبيب الهادِي. أذْكُر بِوضوح عندما قال لي الدكتور داهِش أنَّ الدكتور براكس مُرْتَبِط بنَجوى سَلام. كان الدكتور براكس حاضِراً آنذاك حيث امْتلأ وجهه بابتسامة عريضة على إثر ذلك. هَنَّأتهُ ثم حدث أن عُدتُّ إلى الولايات المُتَّحِدة حيث لَم أرهُ حتَّى أواخِر عام 1986 ، عندما هاجَرَ إلى الولايات المُتَّحِدَة وَوُلِي منصِب مدير التَّحْرير للدَّار الدَّاهِشِيَّة للنَّشْر في مَدينة نيويورك.

 

من 1986 حَتَّى منتصَف عام 1992 كانت اتَّصالاتي مع الدكتور براكس قَليلة جِدَّاً. كان آنذاك مشغولاً جِدَّاً في وَضع بعض كتب نبينا الحبيب الدكتور داهِش، وكنتُ مشغولاً بإدارة عَمَلي. وأخيراً في عام 1995 كنتُ قد انتهيت من كتابة كتاب ” الدَّاهِشيَّة ورِحْلة الحياة” حيث طبعْتُ عشر نُسَخ منه كَمُسْوَدَّة قَبْل الشُّروع بإرْسالهِ للمطبَعة. ثُمَّ قُمْتُ بإرْسال ثلاث نُسَخ منه للدَّار الدَّاهِشيَّة للنَّشر لمراجَعَتِهِ وتَحْريرِهِ. تَوَلَّى الدكتور براكس، وفارِس زَعْتَر، وفوزي برجاس مُهِمَّة ذلك. حصل في أثناء ذلك تخابر كثير بيننا قُمْت على أثرهِ بتنفيذ التَّعديلات التي أوصوني بِتَغييرِها. وكانت أيضاً بِداية الصَّداقَة التي اسْتَمَرَّت أكثرَ من عشرين عاماً؛ أيْ مع الدكتور براكس وفارِس زَعْتَر. كنت أتَحدَّث على الهاتِف مرَّة كل أسبوع على الأقَلّ  مع الدكتور براكس للنِّقاش حول عِدَّة موضوعات، لكن غالِباً، عن الحالة التي آل إليها وضع الرَّسالة الدَّاهِشيَّة، هذا بالإضافة إلى زيارتي إيَّاه مَرَّة أو اثنين في العام.

 

في ذلك الوَقْت كُنْتُ دَائباًعلى نَشْر مقالات عن الدَّاهِشِيَّة في صَحيفة تُلَبِّي الشعوب العَربيّة الأمريكيَّة والعَرَبِيَّة الكَنَدِيَّة. الأمر الذي خَلَقَ بعض الخلافات بين بعض الدَّاهِشيين وبَيْني. وأخيراً، في عام، 1995، قام الدكتور براكس بتَرْتيبِ اجتماعٍ يكون بين أحد المُؤْتَمَنين على تُراث النبي الحبيب وبَيني. وانْتَهَى الإجْتِماع إلى اتِّفاق يُفْضي بأن أتَوَقَّف عن النَّشْر في الصَّحيفة المَذْكورة آنِفاً. وبدلاً من ذلك، أقوم بالنَّشْرِ في مَجَلَّة داهِشِيَّة كانت سَتَصْدُر لاحِقاً، وذلك وِفْقاً لِرَغبة نَبِيّنا الحبيب وتوجِيهِهِ. وقد تَمَّ إصدار أوَّل عدد من المَجَلَّة في عام 1995 حيث كان لي مقالاً فيها. لكن لِسوءِ الحَظ لم أُتابِع النَّشر فيها بسبب بعض الأفراد الذين ابْتَغوا تغيير ما ورَدَ في مقالاتي، الشيء الذي اعْتَبَرْتُهُ شكلاً من أشْكالِ الرَّقابة.

وبَدَلاً من ذلك، قَرَّرْتُ تَرْكيز جهودي على الكتابة والنَّشر على الإنترنِت.

في أغسطُس من العام 2001، شَعرتُ بِضرورة مُلِحَّة لكي يقوم الدكتور براكس وزوجته بِزيارَتي، وذهب بي الأمر إلى إرْسال تَذاكِر سَفَر لهُما، ولكن، اتَّضَح أنهما كانا يُخطّطا للقيام بِتلك الزّيارة وذلك لِسَبب ما ذُكِرَ في كتاب سيرة حياتهما (الخاصَّة) بِهِم. كانت زيارتهما الوحيدة إلى وِلايةِ فرجينيا مَعاً، في حين أنَّي كُنْتُ أزورهما مَرَّةً كُلَّ عام- كان هذا يَتِمّ عادة بعد “يوم الشُّكْر”.

 

بعد سنوات من بعض التَّقَدُّم أو عَدَمِهِ في الرّسالة الدَّاهِشِيَّة، رَكَّزْتُ جهودي على إيجادِ موقِع داهِشِي على شَبَكَةِ الإنْتِرْنِت، لِكَي يكونَ موقعاً لا يَعْتَمِد على رأيٍ شَخْصِي، بَل أن يَعْتَمِدَ على حقائِق تاريخِيَّة مُوَثَّقة، وتعاليم داهِشيَّة مَعْروفة. كُنت آمل بأن يقوم الداهشيون بالمُشارَكة في هذا الجُهْد، وأن يكون الأمر سبباً في لَمّ شَمْل الدَّاهِشيين، لكن الأمور لم تتحَوَّل بِهَذِهِ الطَّريقة. في عام 2004، وبِناء على طَلَبي، كان للدكتور غازي براكس دوراً فَعَّالاً في توفير نهْجٍ مُعَيّن بِخُصوص الموقِع (الإلكتروني)، مُراجِعاً بعض التَّرْجمات التي قُمْتُ بكتابتها. أنا لَسْتُ لُغوِيّاً ولا مُتَرْجماً مُخْتَصّاً، ومع ذلك، وبعد سنوات من ترجمتي لأعْمال الحبيب الأدبِيَّة، وما جاءَ عنه ولهُ في الصُّحُف والمَجَلَّات وبَعْض المنشورات الدَّاهِشيَّة والوثائق؛ فقد كانت النتيجة النِّهائيَّة لِذلك إنشاءُ موقِعاً يَنْقُلُ إلى الطالِب، مَعْلوماتٍ دقيقة عن داهِش والدَّاهِشِيَّة.

 

منذ ابْتِعاد النَّبِيّ الحبيب عَنَّ وسطنا، كان لي أُمْنية وهي أنَّه إذا ما تَزَوَّجْتُ، يقوم الدكتور غازي براكس بكتابة رَمْزٍ داهِشِيّ مُقَدّس، يكَلِّلُ فيه اتّحاداً روحيَّاً- وِفْقاً للطُّقوس الدَّاهِشِيَّة. وبحلول عام 2006، كنتُ قَد أحِبَبْتُ امرأة جدَّاً، واتَّفقنا على أن يُنشِئ الدكتور غازي براكس هذا الإتحاد الرُّوحِيّ. طَلَبْتُ من الدكتور براكس أن يَفْعَل ذلك في 29 يوليو 2006 ، أثناء زيارتي له وزوجتهُ، وحدَث أن اتَّخَذْنا القَسَم المُقَدَّس للزَّواج. لكن، وفي أقَلِّ من عامٍ، حَدَثَ أنَّهُ كان على الدكتور براكس أن يعزّيني ويُقَدّم لي المَشورة والطَّمأنينة بعد أن تَمَّ خَرْق اليمين المُقَدّس للزّواج الأمر الذي أدَّى إلى تَحَوُّلِ حياتي رأساً على عَقِب.

 

في نوفمبر من عام 2012، كان من المُفْتَرَضِ أن أَزورهُ، كما جَرَت العادة بالنّسبة لي للقيام بِذلك بعد عيد الشُّكر، ومع ذلك لم أتمَكَّن من الوصول إليه. وفي اليوم التالي، اتَّصَل بي وكان يبكي مُلْقياً عَلَيّ خَبَر وفاة زوجَتِهِ نجوى. كان الخَبَر صادِماً بالنّسبة لَهُم ولَنا! كانت تصْغرهُ سِنَّاً ولَمْ يَكُن لَديها مشاكِل صِحِيَّة. لقد ماتت في أثناءِ نومِها. فَتَدَهْوَرَت حال الدكتور براكس. كان الوقت متأخراً جِدَّا للسَّفَر في ذلك المساء، إلا أنَّني فَعَلْتُ ذلك قبل بُزوغ فجر اليوم التالي. وصَلْتُ في الحادية عشرة صَباحاً، وَقَضَّيْتُ بعض الوقت مَعَهُ محاوِلاً تَعْزيَتهُ قَدْرَ المسْتَطاع. كان عليه في اليوم التَالي تَسْوِية بعض الأمور المالية في البنك، وبعد ذلك بِقَليل، أقْنَعْتُهُ للبَقاءِ معي عِدَّة أيَّام في ولايةِ فرجينيا. لاحَظْتُ أنه كان يُعيدُ نفْسَهُ كثيراً فخامرَني الشَّك بأن الأمر بات يَسْتدعي الطّب. عندما عُدْتُ بهِ إلى نيويورك، كان على موعِد مع طبيب فأَخَذْتُهُ إلَيْهِ. ثُمَّ قُمْتُ خِلْسَةً بِتَمرير ورقة إلى الطّبيب مُبَيّنا فيها بأنّهُ (الدكتور براكس) بات يَنْسى كثيراً. فأمر الطبيب بإجراء فحوصات مُكَثّفة عَليه، ونعم، كان اعْتِقادي صَحيحاً للأسَف . كان يُعاني من مَراحِل مُبكِّرة من الخَرَف، وبالتَّالي وصِفَت له عقاقير للحَدِّ من سُرْعَةِ تَوَغُّلِ هذه العِلَّة.

 

لِمُدَّةِ عامَيْنِ، كنتُ أَتَحَدَّثُ معهُ كُلَّ مساء، مُصْغِياً إلى اكْتِئابِ حديثهِ عن فقدهِ لِزوجَتِهِ وعن شوقه لمغادَرَةِ هذا العالَم، وكثيراً ما كان يجهَشُ بالبُكاءِ. كانت ذاكرته آخِذة بالتَّلاشي شيئاً فَشَيْئاً. كما أنَّهُ ما بات قادِراً على القراءة والكتابة. وفي شهر أكتوبر من عام 2014، كان عليه الدُّخول إلى مستَشفى ثُمَّ في وقت لاحِق إلى مُنشأة مُساعَدة حَياتِيَّة، إذ لم يَعُد قادِراً على رِعايةِ نَفْسِه. وحَدَث أنَّهُ أثناء إقامته القصيرة هناك أنْ سَقَطَ على رأسِهِ، وأخَذَت الأُمور مُنْعَطَفاً حادَّاً جِدَّاً إلى الأسْوأ. صار غير قادِرٍ على المشي والتَّعَرُّفِ على الأفْراد. كان في دار رعاية للمُسِنّين عندما زُرْتُهُ في شَهْر ديسمبر، وكنتُ عالِماً بأنَّها ستكون زيارَة وداعِيَّة لهُ. لم يَكُن لي أن أُصَدّق مَدى سُوءِ حالَتِهِ. وكنت أسمع بُكاءه عندما كان الممرّضون يقومون بِغَسْلِهِ. لم يكن قادِراً على التَّعَرُّف عَلَيّ، وقد أمضيت ساعات قليله معه. وبعد مغادرتهِ، قُمْتُ بِزيارة مَرْقدَ الحبيب، وصَلّيتُ إلى الله سُبْحانهُ وتعالى أن يُخَفّفَ مُعاناتهُ. في الثامن والعِشرين من شهر ديسمبر 2014 غادَرَ هذا العالَم بعد حياةٍ مليئة بالكِفاحِ والعَمَلِ الجاد من أجْلِ ما يُؤْمِنُ به.

 

كُنْتُ سعيداً لِرَحيلِهِ، لأنهُ الآن يُمْكن أن يعيش حياة أكثَر سعادة ويكون مُتَّحِداً مع نَبِيّنا الحبيب، وأيضاً مع رَفيقة عُمْرِهِ نَجوى. ألا فليَرْفَع الله تعالى رُتَبَهُم الرُّوحِيَّة، وأن يَضعهما في أعْلى درجة نَعيمِيَّة. إلا أن حُزْني كان  كَبيراً فانْتقاله يُشَكّلُ خسارةً عظيمة للدّيانةِ الدَّاهِشِيّة. ومهما كان، لَقَد أنْجَزَ كتابة الكتاب الدَّاهِشِي، وأرْسلَه إلى دار النّشر للإعْداد لِطَبْعِه. يَضُمُّ الكِتاب آلاف الصَّفحات وسيكون مُرْشِداً لكل مُهْتَمٍّ بالدَّاهِشيَّة. وقد كَتَبَ مع زوجتهِ سيرة حياتهما في كتاب ذي أربَعَةِ أجْزاء.

 

ندعو الله أن يكون عَمَلهُ الجاد والتَّفاني في إيمانِهِ، وحياة الصَّالِحين التي عاشَها أن تكون مصْدَرَ إلهامٍ لَنا جميعاً. وندعو الله تعالى أن تكون كِتاباته مَنارَةً للتَّنوير الرُّوحِيّ للبشريَّة جمعاء. كان أكثَر من صَديق بالنّسْبَةِ لي، كان مُعَلّماً وبمثابة أب.

 

ندعو  تعالى أن يُعَجِّل اللقاء.

 

منير مراد

يناير 11 ، 2015

في الذّكْرى الثَّانِية لإنتِقال الدكتور غازي براكس رَحِمَهُ الله

في الذِكْرى الثَّانِية لإنْتِقال الدكتور غازي براكس رحمه الله

 

بِقَلم يوسف ق. سلامة

 

في مِثْل هذا اليوم انْتَقَلَ عن عالَمنِا أحَد اعظَم رِجال الرُّوح قاطِبة.

رَجُلٌ أمْضى مُعْظَم حياتِهِ في خِدْمَةِ الله تَعالى ونَبِيِّهِ الحبيب الهادِي؛ الدكتور داهِش.

كان الدكتور غازي رحِمَهُ الله أخاً لِكُل ما يَمتُّ للفضيلة والعَمَل الصَّالِح بِصِلَة. فَمُنْذُ دَعْوَتِهِ إبَّان شَبابِهِ للإنْخِراط في العَمَلِ الرُّوحِيّ حَتَّى بَدَأ نِضاله من تَوِّهِ يُبَشِّرُ بالرِّسالة السَّماوِيَّة التي انْتَظَرَها الكون. وكان نتيجة لِذلك أن ضَحّى بِنَفْسِهِ تَضحِيَة قَلَّ أن جاراه في عَظَمَتِها بَشَرِيّ. ألَّفَ كُتُباً ومقالات، وفي نَفْس الوقت صَبَّ اهْتِمامه على المُؤمنين خاصَّة وعلى كُل باحِث عن الحقيقة عامَّة، إيماناً مِنْهُ بإعلاء كَلِمَة الله في رِسالتهِ المُبارَكة.

عشرات وعَشرات هي الرَّسائل التي كان يَرُدُّ عليها يوميا باهْتِمام ودِقَّة مُتناهِيَة، هذا فَضْلاً عَن قيامِهِ بِتَنْقيحِ ما يكتبه الأخوة من مقالات طويلة وقَصيرة، بَل ومراجَعة وتنقيح كتبهُم أيضاً إذا اقْتَضى الأمر. كُل ذلك خِدْمة لله دون أن أن يتقاضى فِلْساً واحِداً، ونحن شهود على ذلك. أضِف إلى ذلك تدوينه بإلهام روحِي للكتاب الدَّاهِشي الذي يَضُم آلاف الصَّفحات، هذا الكتاب العظيم الذي سيصْدُر قريباً والذي ينتظره العالم الدَّاهِشي بِفارِغ الصَّبْر. لقد تَعَرَّض الدكتور غازي رَحمه الله إلى اضطهادات نَفْسيَّة عظيمة سواء من بَعْض المؤمنين أم مِن غير المُؤْمِنين، لكن العجيب أنَّه حَتَّى أعْدائه الألدَّاء ينتظرون كتبه ومقالاته وكلماته انتظار الصَّحْراء للماء، تُرى ألا يُعَد ذلك انْتِصاراً روحِيَّا؟ جوابي هو نَعَم وبِكُلِّ تأكيد.

الأمر الثَّابِت الذي لا شَك فيه هو صُموده في وجهِ مُضْطَهِديهِ ومحاربته الرُّوحِيَّة الحَسَنَة بالسَّلام والتَّقوى.

 

كان لي شَرَف اللقاء به، والتَّواصُل الدَّائم مَعَهُ إلى آخر لَحْظة من حياتِهِ، حَتَّى لَكُنَّا كابن وأب روحِي. هو أب لِكُلِّ من يُطيع كلمة الله.

لقد كان وقع نَبأ انْتقالِه عن عالَمنا بالنِّسْبة لنا كانقِضاض الصَّاعِقة، لكِنَّا على يَقين بِأنَّهُ الآن حَيّ في أعْلى درجات النَّعيم الفِرْدوسيَّة العُلْوِيَّة، مُرافِقاً لِلدكتور داهِش الذي حَوله سَيَجْتَمِع كُلّ داهِشي مُخْلِص انْتَصَر بِتَطبيق وصايا الله تعالى بالمَحَبَّة والإخْلاص وعَمَل الخير للجميع وجميع مخلوقات الله أيضاً.

 

26-12-2016