كُلُّهُ كامِنٌ في الوَجْهِ

 

بِقَلَم منير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

مَرَرْتُ عَبْرَ قصيدة نَثْرِيَّةٍ كنت قد كَتْبْتُها قَبْلَ سَنَواتٍ عَديدَةٍ تَحْتَ عنوان: ” هل الوَجْه هو كل ما في الأمر؟” في ذلك الوقت كنْتُ ساذجاً في نواحٍ كثيرة لِدَرَجة يُؤسَف لها، وقد بَلَغَ بي الأمر إلى دَرَجَة  أنَّني كلما بَلَغ بي الظن أني تجاوَزْتُ مَراحِلَ السَّذاجة، كُنْت في الواقع لا أزال فيها. لقد سَمَحْتُ لمشاعِري لا لِعَقْلي أن يُسَيْطِرَ على حَياتي. ونَتيجة لِذلك عانَيْتُ كَثيراً، ولا يَجْدُر بي إلقاء اللوم إلا عَلى نَفْسي، لأنِّي قَرأت ما كَتَبَهُ النَّبِيّ الحبيب الهادي، الدكتور داهِش، عن قضايا مُعَيَّنة، إلَّا أنني اخْترْتُ عَدَم الأخْذ بِكلماتهِ، ومن ثَمّ إيجادي الطريق الصَّعْب بِنَفْسي.

كُنت متوِقَّعاً وجود الصَّداقة الحقيقيَّة في هذا العالَم، لكني ما عثرْتُ إلَّا على شَظايا مِنها. وإليكم ما كتبه نَبِيُّنا الحبيب الهادي، الدكتور داهِش عن الصَّداقة، يَليهِ ما قَدْ كَتَبْتُهُ بِنَفْسي:

 

“بِرَبِّكِ أيَتُها الصَّداقة البَريئة، أنْبِئيني في أيّ أُفُقٍ تَحْيَيْن؟”

 

“حينَ تَشُكّ بِأقْرَب المُقَرّبينَ إليكَ، تَبْدأ في فَهْمِ حَقائِقِ الكونِ وأسْرارِهِ الخَفِيَّة.”

 

” كُنْتُ أَظُنُّ أنَّني وَجَدْتُ الصَّديقَ المُخْلِص الوَفِيّ، والخِلّ المُنَزَّهُ عن الغاياتِ وَ المَقاصِدِ، ولكن سُرْعانَ ما صَدَمَتْني الحقيقة المُرَوِّعة، فألْفَيتُني مَخْدوعاً.”

 

“الحَكيم هو مَنْ كَتَمَ خطير الأمور عن أعْظَمِ صَديق يُؤْمِنُ بِصَداقَتِهِ. فَقَدْ يأتي يوم يَنْقَلِبُ فيهِ ذلك الصَّديق إلى صِلٍّ يُريدُ الفَتْكَ بِصَديقِهِ القديمِ، فَلا يَجِدُ عِنْدَهُ سِلاحاً نافِذاً، فَيَضْطَرُّ لِأنْ يَنْثَنِيَ على نَفْسِهِ، يَفْتُكُ بِها لِشِدَّةِ غَيْظِهِ، وَحَفيظَتِهِ.”

 

كلُّهُ كامِنٌّ في الوجه  

 

رأيت رَجُلاً  كانت تَعْمُر وجهه ابتِسامَة، وَقُلْتُ لِنَفْسي:

“هذا هو الرَّجُل الذي يُمكن الوثوق به، فالوجهُ يَعْكِس صَفاء روحهِ”

و معَ تَعَرُّفي إلى هذا الشَّخص بِشَكل أفْضَل ، تَبَيَّن لي أَنْ إِنْ هو إلَّا شَقيقي قايين…

رأيْتُ الرَّجُل الذي كان مُهيباً جِدَّاً وَجههُ وقُلْتُ في نَفْسي:

” هذا رَجلٌ حَلَبَ من الحياة شِطرَيْها، فإذا ما صِرْتُ صَديقَهُ، أصْبَح بإمكاني مبادَلَتهُ الإبْتِسامة”

و مَعَ تَعَرُّفي إلى هذا الشَّخْص بِشَكْلٍ أفْضَل، بَرُأَتْ جراحهُ، ونَسِيَ آلامَهُ، وهذا ما حدَث معي كذلك.

 

رأيت امرأةً ذات وجهٍ جَميلٍ فَقُلْتُ في نَفسي:

هوذا امرأة ليْسَ لَديها أي مشكلة في إيجاد أصدقاء، فجمال وجهها جَذَاب.”

ولكن مع تَعَرُّفي إليها بِشَكلٍ أفْضَل، أدْرَكْتُ أن قَلْبها مَليءٌ بالنُّدوب– وذلك بسبب مَن هامَ في حُبِّ وَجْهِها لا رُوحها.

 

رأيْتُ امرأةً ذات ملامِح تَنُمّ عن القسْوة والبُخْل، وقُلْتُ في نَفْسي:

“هوذا مَنْ سَتخيفني حَتَّى الموت، فلا يُمْكِن أن تُتَرْجَم هكذا ملامِح إلَّا إلى التَّسَبُّب بِالألَم إلى كُل مَنْ كان حولَها.

“ولكن مع تَعَرُّفي إليها بِشَكلٍ أفْضَل، عَلِمْتُ أن قَلْبها أحْلَى من العَسَلِ؛ وأنا الآن أَحْسِدُ كل من كان له الحَظ بأن يكون قُرْبها…

 

رأيْتُ المَزيد والمَزيد مِنَ الوجوه فَقُلْتُ في نَفْسي:

لَقد كُنْتَ على خطإ مِراراً وتِكْراراً.. مَتَّى ستَتَعَلَّم أن لا يكون تَفْسيرَك للشَّكل البَشَرِي مَبْنيَّاَ على المَظْهَر الذي من شأنهِ تشويه النَّفْس في طَبيعَتها؟

كم أتَمَنَّى أن تكون نَفسي عَديمة الشَّكْل، تعيشُ وسط نفوس أخرى لا شَكل لها؛ حيث يكون العامَل المشترَك بينها هو المشاعِر الحقيقيَّة فَقَط…

 

مُنير مراد

4 يوليو 1997

أن تَكونَ داهِشِيَّاً

 

أن تكون داهِشِيَّاً

بِقَلَم مُنير مراد

تَرْجَمَة يوسف ق. سلامة

عندما كان نَبِيَّنا الحبيب في وسطنا، بَلَّغنا رأيهُ بِشأن السُّلوك والصَّفات التي يَجِب أن يَتَحلَّى بِها الدَّاهِشي. إنَّ المَعايير الدَّاهِشِيَّة عالِية جِدَّاً، وهي في جوهَرِها، تَتَّفِقُ والأديان الأُخْرى. إلَّا أَنَّها تَتَفَوَّقُ على الدِّيانات الأُخْرى أهَمِيَّة وذلك نَظَراً للوعْي الروحِي المُرْتَفِع والمَعْرِفَة التي تُقَدَّمها. ومع ذلك، فإنَّ الدَّاهِشِيَّة ليست ثوباً يَرْتَديه أحدهُم ليَعَرَّف عَنْهُ أَنَّهُ داهِشِيّ. إنَّ هذا أبْعَد ما يَكون عَنِ الحَقيقَة. إن الإيمان بالدَّاهِشِيَّة لا يَنْبع من الخارج بَل يَتَدَفَّق من أعْماق الإنسان إلى خارِجِهِ. هذا يَنْطَبِق على جَميعِ الأدْيان سواء بِسواء. إنَّ الإعْتِقاد في أيّ دين هو شُعورٌ شَخْصِيٌّ وفِطْرِيّ جِدَّاً، فَهُوَ سَيَّالاتِ الإنْسان الرُّوحِيَّة التي تتطابَق مع سَيَّالات (تعاليم) الدّين المُطابِق لَها، وذلك بِغَضِّ النَّظَر عن الدِّين الذي ولِدَ المَرْءُ عَلَيْهِ. جاء في الإنجيل: 5 “فَقَالَ الرُّسُلُ لِلرَّبِّ: زِدْ إِيمَانَنَا
6 فَقَالَ الرَّبُّ: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذِهِ الْجُمَّيْزَةِ: انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ” (لوقا 17: 5-6) إنَّ الإيمان ليس شَيْئاً يُعْطَى لِشَخْصٍ ما، لكنه يَتَدَفَّق من داخِل المَرْء. يَحْدُث أن يولَد شَخْص ما على دِينٍ مُعَيَّن ثُم يَتَحَوَّل إلى دِينٍ آخَر في وَقْتٍ لاحِقٍ. يأخذ هذا التَّحوَّل مكاناً بِإرادَة الشَّخْص الحُرَّة لا بالقُوَّة. جاءَ في القُرْآنِ الكَريم ما يَلِي: ” لا إكْراه في الدّين…” ( سورة البَقَرة 256) وَمِن خِلال هذا الفَهْم، يُسْتَنْتَج بأنهُ مهما كانت حُجَّة تَغيير الدِّين مُقْنِعة، فإنَّهُ لن يَحْصُل إلَّا بِإرادَةِ الشَخْص وحْدَها، وبالتَّالي يُصْبِحُ التَّبشير مَضيعة للوقت والطَّاقَة. يَكفي تَقْديم  أي دِين مُعَيَّن وهذا يكون كافِياً، إذ مَنْ يسْتَحِقُّهُ فَسَيَعْتَنِقُه، وإلَّا فَسَيَرْفُضَهُ.

في الماضي، كثيرون قاموا بِزيارَة النَّبي الحبيب مُعايِنين مُعْجِزاتِهِ، وبِرَغْمِ ذلك لم يُؤْمِنوا بالدَّاهِشِيَّةِ.

 

لَقَد وُضِعَت المَبادِئ الدَّاهِشِيَّة لَنا من قِبَلِ الرُّوحِ الإلهِيِّ ثُمَّ سُلِّمَت لَنا بِواسِطَةِ النَّبِيّ الحبيب، الذي هو “عودة المسيح”. إنَّ هذه المَبادِئ (الرَّوحِيَّة) غير خاضِعَةٍ للتَّعْديلِ؛ للتتناسَبَ مع أهوائنا وأوهامِنا، أو لِتَحْقيقِ مَكاسِبَ شَخْصِيَّةٍ. إنَّ الدَّاهِشِيَّة هي حَقيقةٌ روحِيَّةٌ تَعْرِض لنا العديد من المفاهِيم الدّينيَّةِ الجَديدةِ، لكِنَّها لا تُقَدم لَنا إجابَةً عن كُلِّ سُؤال يَتَبادَرُ إلى ذِهْننا. إنَّ المَبادِئ الدَّاهِشيَّة (عَميقة) ولا يُمكن فَهْمها بِمُجَرَّد قِراءَةِ فِقْرَةٍ أو اثنين. لَقد قَضى الدكتور داهِش سَنواتٍ عَديدة مع تِلْميذِهِ، الدكتور غازِي براكس، يُنَشِّئُهُ فيها على الدَّاهِشِيَّةِ. كذلك وَجَّهَ الرُّوح الإلهِي الدكتور براكس من خِلال فَتْوى شاهَدْتُها بِأُمِّ عَيْنَاي، تقول بِأنَّهُ عليهِ بِكتابة “كتاب داهِشَي”. يُعَدُّ (هذا الأمر) تَكْليفاً حَصْرِيَّاً لم يُعْطَ لأي أحَدٍ غَيْرَهُ في تاريخ الدَّاهِشيَّة. إلى حَدِّ عِلْمِي، لقد تَمَّت كِتابة “الكتاب الدَّاهِشي” بِشَكْلٍ كامِلٍ، وهو يَحْتَوي على سِتَّة مُجَلَّدات، يتضَمَّن كُل واحِد منها ما يَتَعَدَّى الثَّلاث آلاف صَفْحة. أمَّا في ما يَخُصُّني، فقد أَعْلَن لي الرُّوح بِأن أَكون أَداة لِنَشْرِ الدَّاهِشِيَّة في الوِلاياتِ المُتَّحِدة الأمريكيَّة، وإنَّهُ لَشَرفٌ لي أن يكون لي هذا الإمتياز.

 

ليس سَعْيَنا في تطوير موقِع:  www.Daheshism.com أن يَكون مِنَصَّة لِطَرْحِ رأي شَخْصِيٍّ لأي فَرْد، بَل هو جُهْدٌ مَوضوعِيٌّ من أجل تقديم حياة وديانَة مُؤَسّس الرِّسالة الدَّاهِشِيَّة بكل أمانة إلى النَّاس. إنَّ مُحْتوى هذا الموقِع مُسْتَمَد من كتاباتِ نَبِيِّنا الحَبيب نَفْسَهُ، وَمِن كِتاباتِهِ المُلْهَمَةِ وتعاليمِهِ، والرَّسائل الرُّوحِيَّة المُعْلَنَةِ. وبالإضافَةِ إلى ذلك فإنَّ كثيراً مِمَّا جاءَ في الموقِع من كتابات هو مُسْتَمَدٌّ من كتابات تلْميذهِ، الدكتور غازي براكس، الذي لازَمَهُ فترة سبعة عَشْرَ عاماً، وعاشَ معه ليل نهار لِفترة سِتَّة وعِشرين شَهْراً. وطِوال هذه الفَتْرَةِ الطَّويلة، شَهِدَ الدكتور براكس مِئات المُعْجِزات، كما أنَّهُ كانَ حاضِراً عندما زار الدكتور داهِش العَديد من الكُتَّاب والمُفَكِّرين والأدباء والصّحَفِيين ووالسيَّاسِيين وغيرهُم. قد يتساءَل أحدهُم، لِماذا الدكتور براكس بالذَات؟ لَقَد اخْتارهُ مُؤَسّس الدَّاهِشيَّةِ حَصْراً لأسْباب تَتَعَلَّق بتَقَّمُّصاتهِ السَّابِقَةٍ، وأيضاً لأن الرُّوح الإلهي اخْتاره لِكتابَةِ “الكِتاب الدَّاهِشِيّ”. وقد حَدَث هذا عِنْدما تَحَوَّلت بِمُعْجِزة روحِيَّة وَرَقة بيضاء كانت في يَده إلى رِسالَةٍ روحِيَّةٍ تُبْلِغُهُ فيها ما يَلي: ” سَتكون مُلْهَماً في كتابة الكَتاب، وذلك بِنَفْسِ الطَّريقة التي أُلْهِم فيها تلاميذ السَّيّد المسيح عليهِ السَّلام كِتابة أناجيلِهِم.” ولِهذا السَّبب، كل من يُخالِف تعاليم النَّبِيّ الحَبيب وتلميذهِ المُخْتار روحِيَّاً، لا يُمْكِن اعْتِبارهُ داهِشِيَّاً، وسيكون مُسيئاً للقَضيّةِ الدَّاهِشِيَّة.

 

إنَّ أمْرَ  انْتِشار الدَّاهِشِيَّة في الوِلاياتِ المُتَّحِدة الأمريكيَّة وفي العالَم بِأكمَلِهِ، هو مَحْكومٌ بِتَوقيت مُعَيَّنٍ وبِحِكْمَةٍ مَعْلومَةٍ فَقَط للرُّوحِ الإلهِيَّةِ، ولا يُمْكِن لأيّ إنْسانٍ التَّنَبُّؤِ بِها. إلى حَدِّ عِلْمِي، هناك شروط يجب أن تُسْتَوفى قَبْل أن تَبْدأ الدَّاهِشِيَّة بالإنْتِشار: أوَّلاً، نَشْرُ الكِتاب الدَّاهِشِيّ للدكتور غازي براكس، إنَّ هذا الكتاب الضَّخم مكتوب بالعَرَبِيَّة الأمر الذي يَسْتَغْرقهُ وقتاً طويلاً لكي يُتَرْجَمَ إلى اللغة الإنجليزِيَّةِ ولُغاتٍ اُخْرى. ثانياً: ضرورة تَنْظيم الهيئة التي تُديرُ شُؤون الإيمان الجَديد. لقَد قَدَّمَ لنا النَّبيّ الحبيب والرُّوح مُتَطلَّبات مُحَدَّدة كما وضِعَت دُسْتوراً لهذه الهيئة الإدارِيَّة. ثالِثاً، هناك مِيزَة ما تَخُصّ بَني البَشَر الأمر الذي يُخوّلهم لِقبول الإرْشاد الرُّوحِيّ. لقد كانت هناك شروطاً سابِقة أُخْرى وقد تَمَّ الوَفاء بِها. إنَّ أهم ما يُمْكِن أَن يُعْمَل في هذه المَرْحَلة المُبَكِّرة من الدَّاهِشِيَّة، هو جَعْل كل ما يَمُتُّ للإيمان بِصِلَة مُتاحاً للنَّاس. فإنَّ الهيئة الإدارِيَّة، ودارُ الصَّلاةِ، والأمور المُتَّصِلة الأخرى، يُمْكِن تنفيذها في وقت لاحِق. على الدَّاهِشِيَّة أن تكون مَبْنِيَّةً على أساسٍ مَتين من إيماننا، فَمَع أي أساس ضَعيف، يُمْكِنُ لأي هَيْكَلٍ مُعَقَّد أن يَنْهار.

 

في الماضِي، شعر كثيرون بالإحْباط من جَرَّاءِ تَقاعُسِ بعْض الدَّاهِشيين، لا سيما الأْسرة (الدَّاهِشيَّة) المُكَلَّفة بِكتابات وتراث نَبينا الحبيب. قُلْتُ رأيي بِصَراحَةٍ حول قَضايا مُعَيَّنة، لكنني لم أُسِئ إلى مكانتهم أو اُشَكك في إيمانهم ، أكان سِرَّا أم عَلَنا. اعْتَقَدوا أنني ما زلت غير ناضِجاً في الإيمان وأنه عَلَيّ أن أتَوَقَّف. من حَقَّهم اتّخاذ هذا الرَّأي ومن حَقَّي أن لا أَتَّفِق مع ذلك. فلا حَرَج في تِبْيانِ أَحَدهم لِرَأيِهِ شَرْطَ أن لا يكون فيه انتِهاكاً للتَّعليمات الرُّوحِيَّة. ومع ذلك، بِغَضِّ النَّظَر عن ما تَخْتارَهُ هذه العائلة، تَظَل هذه المسألة رأياً خاصاً بهِم وبِضميرهِم وبينهم وبين خالِقهم. عاجِلاً ام آجِلاً سَنَتوَافَق فيما بيننا مُحَيِّدين الخِلافات فيما بيننا وذلكَ مِن أجْلِ الدَّاهِشِيَّة. لأن قَضِيَّة الدَّاهِشِيَّة النَّبيلَة هي أَبْعد من المُشاحَنات المُهْلِكة التَّافِهة. وكَداهِشِيين، نحن نَعْرِف عَواقِب عَدَم وضع الدَّاهِشِيَّة فوقَ كُلّ القَضايا الشَّخْصِيَّة، وَإليكُم مِثال على ذلكَ:

عندما كان النَّبِيِ الحَبيب في وَسْطِنا، تشاجَرَ، بعْض، الدَّاهِشيين مَعَ بعضهم البَعْض، الأمر الذي أغضب النَّبي الحبيب. دَفَعَتْهُ هذه الحادِثة إلى أن يكتب ويُحْرِق رمزاً مُقَدَّساً (صَلاةً وقُرْباناً) يَحْتَوي على ما يَلي:

أُقْسِمُ بِحَقِّ الله العَلِيِّ العَظيم بِأَنَّهُ بَعْد حَرْقِ هذا الرَّمْز إنْ بَدَرَ مِن أيّ أَخ أو أُخْت أيّ كَلِمَة نابِيَةٍ أو تَهَجُّمٍ يَدَع العقيدة السَّامِية تَتَفَكَّك فإذ ذاك يخرَج من الرِّسالة طَرْداً ويَجِب أن يكون حُبٌّ حَقيقيّ وإخلاص وتَفانِي بين الأخوة وإنِّي أَطْلُبُ مِن الرُّوحِ العُظْمَى أن تُثبِتَ ما دَوَّنْتُهُ بِحَقِّ الله.

داهِش، 5-7-1980

 

علينا أن لا ننسى الدَّرْس الذي عَلَّمَنا إيَّاه السَّيِد المسيح عن الحُكْم عَن الآخَرين: ” 37 وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.
38 أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. ”

 

وخُلاصَةُ القَولِ هي هذه: لا يجب أن يُهاجم الدَّاهِشيون بَعْضَهُم بَعْضاً- أو اي شَخْص آخر حول هذه المَسْألَة. وَمِمَّا يُؤسَف له أن الحال لم يَكُن هكذا أبَداً؛ ولَسوف يواجه هؤلاء الجُناة العواقِب الرُّوحِيَّة لِعَمَلِهِم، ومع ذلك، أَنا داهِشِيّ، ومُؤمن بِالسيِّد المَسيح عليه السَّلام الذي قال: ”  3 اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ.
4 وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ”

 

لا الدكتور براكس، ولا أنا لَدَيْنا أيَّة مُشْكِلَة في إعْلانِ عقيدتنا الرُّوحِيَّة. يأخُذ أعظَم النِّفاق مكاناً عِندما تَدَع الغَطْرَسَة الفَرْدِيَّة للمرء أن يَضع التَّعاليم الحَقيقيَّة للدّين، في مَرْتَبَة ثانِيَةٍ، وذلك لِتَحقيق مَجْدَهُ/ا الشَّخْصِيّ. لاحَظَ يسوع كيف أنَّ بَعْض ضُيوفه كانوا يَخْتارون أفْضَل الأماكِن، الأمر الذي دعاه ليقول هذا المَثَل لِجَميعِهِم: ” 7 وَقَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلاً، وَهُوَ يُلاَحِظُ كَيْفَ اخْتَارُوا الْمُتَّكَآتِ الأُولَى قِائِلاً لَهُمْ:
8 مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ.
9 فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَانًا لِهذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَل تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ.
10 بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ.
11 لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ ” (لوقا 14: 7- 11)

 

وفي مُناسَبَةٍ أُخْرى، كان التَّلاميذ يتجادلون فيما بينهُم حول من كان أعْظَماً، فقال يَسوع: ” 35 فَجَلَسَ وَنَادَى الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلاً فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ” ( مُرْقُس 9: 35)

 

هُناكَ أولَئِكَ الذين يَعْتَقِدون أنَّ عَدُوَّ عَدُوّي هو صَديقي. أنا آسِف لِهذا الأمر، لكنني لا أوافِق على هذا النَّمَط من التَّفْكير. إنَّ عَدوِّي الوحيد هو الشَّر والجَهْل والغَطْرَسَة. وكَداهِشِيّ وإنْسان، لا تُساورُني أيَّة سوء نِيَّة اتِّجاهَ أيِّ شَخْصٍ، ولَن أنْجَرّ إلى خِلافاتٍ عَقيمة، صاخِبَة، واتِّهامات تتعارَض وإيماني الدَّاهِشِيّ.

 

منير مراد

22 فبراير 2009

 

 

 

هل يمكن أن تكون الداهشيَّة هي الحَلّ؟

 

المقَدّمة بِقلَم يوسف ق. سلامة

 

مقَدّمة

إنَّ ما سيُطالِعه القارِئ في هذا المَقال الرَّائع لَهُوَ الحقيقة في حكمتها ورُقِيّها، إذ يأخُنا في رِحلة روحَيَّة مباركة نَقْطِف  فيها ثِمار خِبْرة روحيَّة قَلَّ نَظيرها. فما كتَبَهُ الأخ العزيز مُنير مراد هو عُصارة خبرة اخْتَصَرها في سطور تُغْني عن كتاب. فَمُنذُ بِداية حياتِه واخْتباره للحياة بالتِزامِهِ بوصايا الدكتور داهِش نَجد أن الحَق يَكْمُن في تطبيق وصايا الرّسالة الداهِشيَّة التي تَدعو إلى الإيمان بالله وبوحدة الأديان؛ يُفَسرها من خلال عَمَل السيَّالات في الكون التي هي قوام الكائنات والعامل المشترك بينها. حيث ينتفي الفَرق بين الإنسان وأخيه الإنسان، حيث يكون المرء واحداً مع الطَّبيعة بالإعتناء بها كنَفْسِهِ؛ وبالتَّالي احتِقار ونَبْذ كل ما هو مادّي يُشُد النَّفس إلى الإنحِطاط والإندثار في دركات الجحيم. فهدفنا المنشود هو الإرتقاء الرُّوحي والإتحاد بكلمة الله تعالى حيث تجتمع السيَّالات إلى الأبد في كوكبها الفردوسيّ المنشود.

سيرى القارِئ مقالاً يشرح معنى العيش المشترك الحقيقيّ وكل ما يَمُت للروح من فَضائل مُبارَكة في معناها ومغزاها لا سيما من خلال اختبارِها الفِعْليّ التي الكاتب هو مِثالٌ عظيمٌ لها، في الرسالة التي جاءت لِتُذَكرنا بالمعنى الحقيقي للأديان.

 

هذا المقال قد نُشِر لأول مرة في العدد الأول لِمجلة صوت داهِش عام 1995

 

 

 

بقلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

هل يُمْكِن أن تَكُون الدَّاهِشيَّة هي الحَلّ؟

 

أنا عربي أمريكي  جاءَ إلى الولايات المتحِدة الأمريكيَّة قبل عشرين عاماً، كنت آنذاك في السادسة عشر من عُمري. وقد طُبِعْتُ في تلك الأثناء على عادات وتقاليد شرقنا الأوسط التي كانت وسَتَبقى جزءا مِنّي. وبِرَغْم مرور حوالي جِيلَيْن على مكوثي في هذا البلَد إلا أن لهجتي الإنجليزيَّة ما زالت  متواضِعة ، حَتَّى أن أغذية الشَّرق الأوسط ما زالت المُفَضَّلة لَديّ. وبَعْدَ انتقالي إلى هنا، شَعَرْتُ بحُبّ لأشياء في ثقافة وعادات وطني و بِبُغضٍ لأُخرى. وبرغم ذلك، وفي ذلك الوقت، كان يُداخَلني شعور عميق بأنني لَسْتُ من الشَّرْق وبضَرورة انتقالي إلى الغَرْب.  تُرى هل كان ذلك الشعور ناتِجاً عن نُّفوذ الغَرْب المُتزايد في المنطَقَة؟ يمكن ذلك، لكن ، ودائماً، يوجد شيء اسمه المَصير.

 

أمَّا عن جَدَّايَ فبالكادِ تَمَكَّنوا من النُّزوح من تُركيا إبَّان المجزرة الأرمنَيَّة في عِشرينات القرن الماضي. وفي الأربعينات ، كان على عائلتي الإنتقال من القدس الى بيت لحم لتَجَنُّب القتال بين العرب والصهاينة، لِيجدوا أنفسهم  في نُزوح من الضّفة الغربية في الأردن إلى لبنان بعد فترة وجيزة من الحرب الإسرائيلية-العربية 1967. عند اندِلاع الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة غادرتُ وعائلتي إلى أمريكا.

وهكذا، في غضون ستة عقود، اضطرت عائلتي إلى تَخَلّي عن المنزل مَرَّات عديدة من أجل البقاء.

لَم تَكُن هذه التجرِبة خاصَّة (فَريدة) فَملايين البشر اختبروا هذه الحالة، وملايين آخرين قد يكونوا في اختبار لها حاليَّا أو سيختبِروها في المستقبل. لماذا؟ إنَّه سؤال مُحَيِّر! لِمَ يذبح الأتراك الأرمن؟ لِماذاَ يتقاتل العرب والإسْرائيليُّون؟ لِمَاذا يتقاتل اللبنانيُّون بين بعضهم البعض؟ لِهذه النّزاعات أسباب سياسيَّة، لكنها، تَحْدُث، بِسبَبِ الدّين كَسَبب أساسيّ.كم هو مُحْزِن! فبإضافتنا النزاعات الإقليميَّة والسياسيَّة إلى الدّينيَّة نحصل على إنسانيَّة غارِقة في البَغضاء. ويزداد الأمر سوءاً عندما نرى أن تَدَخُّل القوى الكُبْرى يأتي فقط عند تَوَفُّر مصالِح إقتصاديَّة في البلاد الحاصِل فيها النّزاع.

في الغَرْب، وجَدْتُّ أن المكان يواجه كثيراً مِمَّا يواجهه الشَّرْق، لكن على مستويات مُتَفاوِتة. ومن المشاكِل الطَّاعِنة للإنسانيَّة بالوباء هي التَّعَصُّب العُنصُريّ و العِرْقيّ وتهديم الوِحدْة العائليَّة. فإذا أردنا حَلَّا لِهذه المسائل، كيف يمكن ذلك؟  هل نبدأ بِثَورة مُسَلَّحة؟ هل نَتّجه صوب الأصوليَّة الدّينيَّة؟ لا بكل تأكيد. إن سفك الدماء لن يُنْتِج سوى مزيداً من البغض وسفك الدّماء.

لن ينتج عن الأصوليَّة الدينيَّة سوى عَزل الفكر الحُر للأفراد  وبالتَّالي تسبيب الفوضى.

لكن عِوَض ذلك إذا حَكَّمنا التَّفكير السَّليم ستكون للإنسانيَّة فُرصة جديدة.

أنا أُقَدم مفهوماً فلسفيَّاً إذا تَمَّ تَبَنّيه سيقود إلى عالم مختلف وأفضل بِمراحل كثيرة. هذا المفهوم يُدعى الدَّاهِشيَّة.

 

في البداية، علينا التَّخلُّص من المُسبّب الرَّئيسيّ للكراهيَة الدّينيَّة. يمكننا التخلُّص مِن عَداء كهذا بِتَقَبُّل مُعْتقدات الآخرين.  ودون قيد أو شَرْط على الدَّاهِشيّ أن يَقْبَل بأن أصل الأديان هو واحِد وذلك على اختِلاف أنواعها وجماعاتها ومستويات الوعيّ الفِكري لِأبنائها عبر الأزمنة.

الدَّاهِشيَّة لا تُفَرّق بين يهوديّ أو مسيحيّ أو مُسلم أو بوذي أو هندوسيّ. فالدَّاهِشيّ ذو الجذور المسيحيَة عليه أن يُنادي بتعاليم الإسلام وغيره من الأديان. والأمر نفسه ينطبق على الداهِشيّ الآتي من جذور إسلاميَّة أو يهوديَّة أو هندوسيَّة أو بوذيَّة أو أي دين آخر. فسِرَّاً أو علانيَّة،على الدَّاهِشيّ ألا يحمِل في قلبه تَحيُّزاً لأي دين عند حدوث نزاع بين جماعات دينيَّة . فخلافات كهذه تناقِض جوهر التعاليم الدّينيَّة. الداهِشي يقبَل بموسى و عيسى ومحمد وغيرهم كأنبياء لله. كذلك مارتن لوثر وغاندي وكثيرون غيرهم كَهُداة روحِيين. ولكن مِمَّا يُحيّرني هو أنه برغم عبادة أتباع الأديان لإله واحد، كُل يقول بِعِبادة الإله الواحِد. فإذا كانت كل فِئة تؤمن بقوة موجِدة واحِدة، ألا يقودنا الأمر منطقيا إلى الإستنتاج بأنهم يتحَدَّثون عن نفس الأمر؟ فإذا قبِلْتَ هذه المعادلات الثلاثة الآتية:  أ+ب=ج، أ+ب=د، وأ+ب=ه  فيكون الجواب منطقيّاً: ج=د=ه إذن على كل داهِشي أن يُسَلّم كامِلاً بأن الله واحِدٌ أحَد. إنه لهذا الإله الواحِد تُرْفَع صلواتنا. إن الإسم (بمعناه) الذي تُطْلِقْهُ على هذه القُوَّة الموجِدة هو غير ماديّ. باستطاعتك دعوتهُ َ، رَبّ، الله، أو أي إسم آخَر. الدَّاهِشي يعتَبر أن الله هو القوَّة المُهيمنة على الكون بأسْرِهِ ويؤمن أن من صِفاتهِ الكثيرة المَحَبَّة، العدل، الحكمة، المُسامَحة.

ولكن كيف يمكن لله أن يكون عادِلاً في حين انه يسمح بحدوث عِقاب أليم غير عادِل؟ كيف يمكن لله أن يسمح لِشَخص أن يولد أعمى و آخر بعينين سَليمَتين؟ كيف يمكن لله أن يسمح بولادة شخص فقير وآخر غَنيّ؟

إن الأمر أن الله عز وجَلّ عادل وما تراه هو إحقاق للعدالة.  إن الداهِشيّ يؤمن بنظام عدالة كونيّ قوامُه مجازاة كل إنسان بحسب أعماله خيراً كانت أم شَرَّا، وذلك في حَيَواته السَّابِقة والرَّاهِنة. لا جريمة يمكن أن تَمُرَّ دون عِقاب، كما لا يمكن لِعَمل صالِح أن يَمْضي دون مكافأة. يؤمن الداهشيّ أن حياتنا الحاليَّة إنْ هي إلا فُصولٌ في سِفْرِ الحياة وأن انتقالنا من فصل إلى آخر يكون عبر التَّقَمُّص.

 

ومن وجهة النَّظَر هذه، التَّقمص هو رحمة إلهيَّة من لدن  تعالى تَسْمح لنا بالعيش من فترة لأخرى حَتَّى يَتَسَنَّى لنا التَّخَلُّص التَّام من رِبْقة قوى الشَّر. إن مفهومَيّ النَّعيم والجحيم المُعَرَّف عنهما في الكتب المُقَدَّسة إنْ هو إلا تبسيطٌ زائد عن حقيقة الأمر هنالك.

 

إن العالمَ مليءٌ بالعوالم المأهولة. إن مجموع العوالم التي تَفْضُل عن عالمنا تُدعى النَّعيم أو العوالم الفردوسيَّة، كما تدعى العوالم المعْتَبَرَة أكثر دناءة من عالمنا بالدَّركات أو الجحيم. هل تعتقد حَقَّا بأننا الكائنات الحيَّة الوحيدة في الكون الشَّاسِع؟ ليست أرضنا سوى جُسَيم من غبار مقارنَة مع حجم الكون. لِمَ يذهب الله تعالى إلى هذا الحَدّ إذا كان همُّه الوحيد هو إيجاد حياة على الأرض؟ إن الكون واسِعٌ لأن الله ملأه بالحياة. يؤمن الدَّاهِشي بأن كل ما هو موجود خاضِع لِصراع الخير والشَّر لكن على مستويات متفواتة.

 

لا يمكن لأرواحنا بلوغ الكمال والإتحاد بروح الله في العالَم الروحيّ سِوى عندما نتحرَّر من قوى الشَّر بشكل نهائيّ. ليست حياة كل مِنَّا سوى مظهراً من مظاهِر الرُّوح الكائنة في هيئة مادّيَّة.

 

يُؤمن الدَّاهِشيّ بأن لهذه الرُّوح امتدادات لا عَدَّ لها متّخذة أشكالاً غير معدودة في عوالم النَّعيم والجحيم. وبكلمات أخرى، إن روح الفرْد مُتَّصِلة بعوالم ذوات أشكال حياتيَّة مُخْتَلِفة. تتميَّز الداهِشيَّة عن الفلسفات في فكرة الوجود المتزامن (الوجود في وقت واحد) في جميع انحاء الكون.

إذا غلبت دكونة أو خِفَّة لون بَشَرة على شخص عن شخص آخر فهل هذا يعني  أن شخصاً أفضل من آخر؟ لا بكل تأكيد.  لا علاقة لِصَلاح أو طلاح الإنسان بلون بشرته. الدَّاهِشيّ يُسَلّم بفكرة أن جميع السُّلالات يجب أن تُعامَل بالمساواة. لا يمكن لجماعة أن تُبَرّر استغلالها وسيطرتها على أخرى لمجرد أن لون بشرتها أخف وزناً من غيرها. عندما يقابل داهشيَّاً شخصا ذا لون مختلف فَعَلَيْهِ ألا يُثير في فْكْرِهِ أمْرَ تَفوّق إنسان على آخر؛ فهذا مُنْتهى الحَقارة. الداهِشي يُسَلّم بوجود حُبّ أخوي يشمل شعوب العالَم بأسْره. قد يختلف الرجال والناس في الهيئة الجسديَّة لكن ليس لِأيّ جِنس الحق أن يَسْتَغِل أو يُهَيْمِن على مُعْتَقَد الآخر. إن ما على كل داهِشيّ أن يُسَلّم بِه هو المساواة بين الرجل والمرأة في جميع نواحي الحياة. فما يطبَّق على الرجل يطبَّق على المرأة بالمساواة في أي قانون كان. إنني أجد أمر عدم المساواة بين الجنسين غامض بشكل تامّ. لماذا على امرأة متساوية في الحقوق والواجبات مع الرجل أن تحصل على أجْرٍ متدني كثيراً؟ لماذا على رجل عاد من عمله أن يَحْتسي البيرة ويشاهِد الُتلفاز ويتناول ورقة لقراءتها في حين أن على زوجته التي تتقاضى نفس الأجر أن تقوم بِتحضير الغذاء وغسْل الصُّحون وإيواء الأطفال إلى الفراش؟ لِمَ توجد هذه المعايير المزدوجة عندنا؟ إن الرجال الداهشيون يرون أن النّساء الداهشيات مساويات لهم والعكس صحيح أيضاً.

كل شخص هو في حالةِ تَغَيُّرٍ متواصِل. إن النزاعات اليوميَّة تعمل على إعادة تشكيل سلوكنا وعمليات التَّفكير لَدينا. فَليس إلا من خلال هذه التجارب أننا قادرون على صَقْلِ حواسنا وتجاوز الحالة الراهنة لدينا من الوجود. الحياة مليئة بالتناقضات – نحن منقسمون بين الماديَّة والرُّوحانيَّة، بين ما هو الحق والباطِل. أين نَضَع الخَط الفاصِل؟ تحت أي نِظام عَيش أخْلاقيَّ يُفْتَرَض بِنا أن نَعيش. هل هذا القانون منحوتاً على الحجر؟ كيف ستكون ردَّة فِعْلِ الناس على موقفك حول قضايا معينة؟ إنَّهُ في مواجهة هذه الأسْئلة تكون إستجابة الناس على نحو شَخصِيّ. إنَّ الأمر يَقْتَضي فَهْمَ ضعفاتنا البشريَّة وتنوّعنا.

لن يكون تفاعُل كل داهِشي مُطابِقاً للآخر تحت الشروط نفسها . إن الداهشيّ يتبع القواعِد الأساسيَّة التي تَنصُّ عليها جميع الأديان الكُبرى. ومع ذلك، لا يمكنه/ا  أن يَقِفَ موقفاً أعمى  اتّجاه القوانين التقليدية التي تُعَزّز التَعَصُّب والعنصرية والكراهية والعُنْف. كيف يجب أن نتعامَل مع بَعْضنا البعض؟ يجب أن يكون الداهِشيُّون إنسانيين. يجب أن يشعروا بالتعاطف مع المرضى والفقراء في هذا العالم وتقديم يد العون كلما أمكن ذلك. الداهِشي هو الذي يبكي مع المُعَذَبين ويفرح مع الفرحين.  الدَّاهِشيّون لا يحسدون غيرهم، لأنهم يفهمون أنَّهُم سَيُعطَون كل ما لهم من حيث الثروة، والصحة، والذكاء، والحكمة بنسبة مباشرة حسب ما يستحقون. الداهشيون صادقون عند تعاملهم مع الآخرين، ولا يغمض لهم جفن ليلا إذا كانوا قد ظلموا رَفيقاً.الدَّاهِشيّ لا يَتَرَدَّد عن الصَّفْح، مُمْتَنِعاً عن الغَضَب. الصَّفْح ليس دائماً سهلاً،  ولكن على المدى الطويل هو أسهل بكثير من أن تحْمِل الكراهية في قلبك. الداهِشيَّة ترفض فِكرة العُنْفِ. إن فَرْضَ إرادَتِكَ على الآخرين هو عمل بَرْبَرِيّ وغير إنسانيّ. إنه لِجَميعنا حَق التَّعبير عن أنفسنا بُطِرُق مختَلِفة. لكن اللجوء إلى القوّة الوحشيَّة أمر غير مقبول على الإطلاق.

 

ومن العار والخِزْي عند البشر أن يكونوا غير قادرين على حَلّ خلافاتهم من خلال الحِسّ السَّليم والحِوار. كيف يمكننا أن نواجه أنفسنا عندما نكون قد آذينا غيرنا أو فَرَضْنا إرادتنا عليهم لإثبات وجهة نظر ما؟ لسوء الحَظ إن العُنف يُحيطُ بِنا. أنظر إلى الحروب التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصى التي تخوضها البشرية الآن  وعلى مَرّ العُصور. الاغتيالات السياسية،  والاضطهادات الدينية،  وضَرْب واغتِصاب النساء،  والاعتداء على الأطفال،  وعدد لا يُحْصى من الأعمال الوحشية الأخرى. كيف نتعامل مع الكيانات الحَيَّة الأخرى على الأرض؟ الموارد الطبيعيَّة للداهِشيّ هي من أجل البقاء لا للإساءة إليها. إن الأرض ليست مأوانا فحسب بل مأوى بلايين الكائنات الأخرى التي لا قدرة لها على إيقاف الإستِغلال البشريّ لها. يُدرك الداهِشيُّون أن كِلا من النباتات والحيوانات هي كيانات حيَّة ذات مستويات من الوَعْي. إنهم يعانون مثلنا من الألم والمرض ومن قُوى الطبيعة. عندما نُحْرِقُ الغابات نقتل ملايين من الكائنات الحية. عندما نُلَوّثُ نهر أو مَجْرى  نُسمّم كائنات أُخرى.  الداهشية لديها التعاطف والرحمة لجميع خلق الله، وكذلك الإحترام للأرض الدَّاعِمة لنا حينما نَعيش والتي تحتضن بقاياناعندما نموت. إن طريقة قضائنا على الجهل هي من خلال المعْرِفة. الداهِشيون يُجِدُّون في طلب العِلم ويدرِكون معنى الحاجة لِصَقْلِ رُشْدِهِم.

 

البحث عن المعرفة هو الهدف الأسمى ويُؤدي إلى فهم أفضل لقوانين الطبيعة والإنسانية، و أهمَّها، القيم الروحية.

الداهِشي لا يَدّعي مَعْرِفة كل شيء لأن البشر بعيدون عن، الكَمال.

يتواضُع الداهشيين أكثر وأكثر كُلَّما أصبحوا أكثر دِراية في الأمور الروحانية. ويعتقد الداهشيون في حرية التعبير واحترام وجهات نظر الآخرين، هذا ولو كان الإختلاف صادراً عن أنفُسِهِم.

إذا كنتَ مُتَّفِقاً مع هذه الأفكار فأنت لست بعيداً من أن تكون من الدَّاهِشيين.

نرجو أن لا تَدَعو الإسم يُخيفكم. الداهشية هي رسالة روحية مُوَجَّهة إلى سُكَّان الأرض على أمل أن يتمكنوا من تجاوز التَّحَيُّزات الدينية والعِرْقِيَّة والإثنية، وأن الكثير من مباهِه الحياة إنْ هي إلا أُمور ظاهِرة (سَطْحَيَّة)  لا معنى لها عديمة الفائدة في إغناء النَّفْس.

الداهشية تَدعو لإعادة الإعْمار الدّيني والاجتماعي وتناشد الأفراد لوضع أهمية أكبر على المسائل ذات الأهمية الروحية منها على المادية. على الرغم من أن الأفكار التي أقْتَرَحْتُ تَخْصيصَها هنا يمكن أن توصف بأنها مِثاليَّة، إلَّا أنَّ اعتمادها سيُحدث فَرْقاً حقيقياً في العالم.

الداهشية هي القوة التي نحتاجها لِرَفْعِ وعْيِنا.