كُلُّهُ كامِنٌ في الوَجْهِ

 

بِقَلَم منير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

مَرَرْتُ عَبْرَ قصيدة نَثْرِيَّةٍ كنت قد كَتْبْتُها قَبْلَ سَنَواتٍ عَديدَةٍ تَحْتَ عنوان: ” هل الوَجْه هو كل ما في الأمر؟” في ذلك الوقت كنْتُ ساذجاً في نواحٍ كثيرة لِدَرَجة يُؤسَف لها، وقد بَلَغَ بي الأمر إلى دَرَجَة  أنَّني كلما بَلَغ بي الظن أني تجاوَزْتُ مَراحِلَ السَّذاجة، كُنْت في الواقع لا أزال فيها. لقد سَمَحْتُ لمشاعِري لا لِعَقْلي أن يُسَيْطِرَ على حَياتي. ونَتيجة لِذلك عانَيْتُ كَثيراً، ولا يَجْدُر بي إلقاء اللوم إلا عَلى نَفْسي، لأنِّي قَرأت ما كَتَبَهُ النَّبِيّ الحبيب الهادي، الدكتور داهِش، عن قضايا مُعَيَّنة، إلَّا أنني اخْترْتُ عَدَم الأخْذ بِكلماتهِ، ومن ثَمّ إيجادي الطريق الصَّعْب بِنَفْسي.

كُنت متوِقَّعاً وجود الصَّداقة الحقيقيَّة في هذا العالَم، لكني ما عثرْتُ إلَّا على شَظايا مِنها. وإليكم ما كتبه نَبِيُّنا الحبيب الهادي، الدكتور داهِش عن الصَّداقة، يَليهِ ما قَدْ كَتَبْتُهُ بِنَفْسي:

 

“بِرَبِّكِ أيَتُها الصَّداقة البَريئة، أنْبِئيني في أيّ أُفُقٍ تَحْيَيْن؟”

 

“حينَ تَشُكّ بِأقْرَب المُقَرّبينَ إليكَ، تَبْدأ في فَهْمِ حَقائِقِ الكونِ وأسْرارِهِ الخَفِيَّة.”

 

” كُنْتُ أَظُنُّ أنَّني وَجَدْتُ الصَّديقَ المُخْلِص الوَفِيّ، والخِلّ المُنَزَّهُ عن الغاياتِ وَ المَقاصِدِ، ولكن سُرْعانَ ما صَدَمَتْني الحقيقة المُرَوِّعة، فألْفَيتُني مَخْدوعاً.”

 

“الحَكيم هو مَنْ كَتَمَ خطير الأمور عن أعْظَمِ صَديق يُؤْمِنُ بِصَداقَتِهِ. فَقَدْ يأتي يوم يَنْقَلِبُ فيهِ ذلك الصَّديق إلى صِلٍّ يُريدُ الفَتْكَ بِصَديقِهِ القديمِ، فَلا يَجِدُ عِنْدَهُ سِلاحاً نافِذاً، فَيَضْطَرُّ لِأنْ يَنْثَنِيَ على نَفْسِهِ، يَفْتُكُ بِها لِشِدَّةِ غَيْظِهِ، وَحَفيظَتِهِ.”

 

كلُّهُ كامِنٌّ في الوجه  

 

رأيت رَجُلاً  كانت تَعْمُر وجهه ابتِسامَة، وَقُلْتُ لِنَفْسي:

“هذا هو الرَّجُل الذي يُمكن الوثوق به، فالوجهُ يَعْكِس صَفاء روحهِ”

و معَ تَعَرُّفي إلى هذا الشَّخص بِشَكل أفْضَل ، تَبَيَّن لي أَنْ إِنْ هو إلَّا شَقيقي قايين…

رأيْتُ الرَّجُل الذي كان مُهيباً جِدَّاً وَجههُ وقُلْتُ في نَفْسي:

” هذا رَجلٌ حَلَبَ من الحياة شِطرَيْها، فإذا ما صِرْتُ صَديقَهُ، أصْبَح بإمكاني مبادَلَتهُ الإبْتِسامة”

و مَعَ تَعَرُّفي إلى هذا الشَّخْص بِشَكْلٍ أفْضَل، بَرُأَتْ جراحهُ، ونَسِيَ آلامَهُ، وهذا ما حدَث معي كذلك.

 

رأيت امرأةً ذات وجهٍ جَميلٍ فَقُلْتُ في نَفسي:

هوذا امرأة ليْسَ لَديها أي مشكلة في إيجاد أصدقاء، فجمال وجهها جَذَاب.”

ولكن مع تَعَرُّفي إليها بِشَكلٍ أفْضَل، أدْرَكْتُ أن قَلْبها مَليءٌ بالنُّدوب– وذلك بسبب مَن هامَ في حُبِّ وَجْهِها لا رُوحها.

 

رأيْتُ امرأةً ذات ملامِح تَنُمّ عن القسْوة والبُخْل، وقُلْتُ في نَفْسي:

“هوذا مَنْ سَتخيفني حَتَّى الموت، فلا يُمْكِن أن تُتَرْجَم هكذا ملامِح إلَّا إلى التَّسَبُّب بِالألَم إلى كُل مَنْ كان حولَها.

“ولكن مع تَعَرُّفي إليها بِشَكلٍ أفْضَل، عَلِمْتُ أن قَلْبها أحْلَى من العَسَلِ؛ وأنا الآن أَحْسِدُ كل من كان له الحَظ بأن يكون قُرْبها…

 

رأيْتُ المَزيد والمَزيد مِنَ الوجوه فَقُلْتُ في نَفْسي:

لَقد كُنْتَ على خطإ مِراراً وتِكْراراً.. مَتَّى ستَتَعَلَّم أن لا يكون تَفْسيرَك للشَّكل البَشَرِي مَبْنيَّاَ على المَظْهَر الذي من شأنهِ تشويه النَّفْس في طَبيعَتها؟

كم أتَمَنَّى أن تكون نَفسي عَديمة الشَّكْل، تعيشُ وسط نفوس أخرى لا شَكل لها؛ حيث يكون العامَل المشترَك بينها هو المشاعِر الحقيقيَّة فَقَط…

 

مُنير مراد

4 يوليو 1997

الأول من يونيو 2016

بمناسبة عيد مولد الدكتور داهِش.
ألقِيَتْ في 1-6-2016

بِقَلَم يوسف قبلان سلامة

لِنَبيّ السماء تهتِفُ أرواحنا
ولِكلمة اسمه نُرَنّمُ أناشيدنا

بألسِنَة نارٍ شَعَّتْ مواهبنا
شَعَّتْ لإسم داهِشَ غاراً وياسمينا

غاراً، إكليلَ مجدٍ نُقَدّمهُ موطِئاً لِقَدَمَيْه
وهو للسّماءِ إكليلٌ وتاجُ عِزّ لأخْمَصَيْه

فهو رَمْزٌ وحَقٌّ قبل الكُل صُوّرَ شعاعاً
وكلمة تَغْزِلُ رايات النصر للكون يراعاً

يراعاً من تِبْرِ البقاءِ الفردوسيّ في قُلوب
خُتِنَتْ وشماً يُحاكي السماء وسط القلوب
ملائكة وسلاطين خَضَعَتْ لِسيرة مجدِهِ
والأعداء للسّبْيِ صاروا سِلْسِلَةَ عهْدهِ

فَمَنْ ذا الذي يُقَدّرهُ حَقّ قدْره
ومن هو في كفاءَةٍ لِحِزامِ مويسقى ضَرْبِ وتَرِه
شيوخٌ في السماءِ تشدو لإسمِهِوالشاطين في السماءِ كَذَّبَتْ عَدَمهِ

فَمِن رَقَمِ مكانِ رَبّ الطّغامِ سَيَفْنى وبالخسارةِ يُمْنى
كُلّ مسْتَبِدّ وطاغٍ وبيمينِ مُهَنّدِ الرُّوحِ سيذوب ويَفْنى

وكأحجارِ النَّرْدِ سيرفعون وجوههم الدَّهشى
اعْتِرافاً بسيّدِ الخَلْقِ والمسيح وموسى وداهِشا

فَلِجوجَ وماجوج جاءوا باتصارٍ ورؤيا
هي وحْيٌ كُلّلَ بداهِشَ سيّد الكونِ يرويهِ رَيَّاً