الفَصْلُ الأوَّل (أن تكون أو لا تَكون)

المُقَدِّمة

بقَلَم يوسف ق. سلامة

يُطْلِعنا الأخ العزيز مُنير مراد على أَحدَ أعظَم أبْدع وأَروعِ ما خَطَّهُ قَلم عن تعالِيم الرَّسالة الدَّاهِشِيَّة.

كتب فيه من الخِبْرَة الرُّوحِيَّة والبَشَرِيَّة ما يُغْني عن كتب كثيرة. فيهِ الحِكمة والتَّجْرِبة والغَوص في أهم ما جاءَت بهِ الرَّسالة السَّماوِيَّة.

وَبِحَسَبِ هذه التَّعاليم المُبارَكة نراه يَعْرِض لنا تكوين الخَليقة بِحَسَب ما جاء في كُتُبِ الأديان السَّماوِيَّة، مُعَزِّزاً إيَّاها بلوحات أحد أعْظَم فَنَّانِيّ القَرْن التَّاسِع عَشَر هو الفنان الكبير توماس كول (Thomas Cole) (1801- 1848 ) حيث يأخذنا خطوة خطوة عبر مراحِل الحياة من الطُّفولة إلى الشَّيخوخة، ثُمّ يَشْفعها بِصُوَرٍ كأنَّها من إلهام ، مُجَسِّدة هذه المراحِل حتَّى أنها تَجعل المُطَّلِع عليها يعيشها ويلمس اخْتِبارها لَمْس اليَد.

نَجِد أيضاً أن الدكتور داهِش نَفْسَه كان مُشيداً بِما رَسَمهُ هذا الفَنَّان العظيم من مَعانٍ يَشهد لها فنَّانو العالم بِأسْرِهِم.

 

يَبْدأ الأخ مُنير مراد بِسَرْد روحِيّ عِلْمِي عن نُشوء الكون، ثُم يُقْرِئنا أهم اخْتِباراته الحياتِيَّة حَتَّى يَصِل بِنا في رِحْلَتِهِ العَظيمة إلى أهم المواضيع التي يَسْعى وراءها كُل عالم وكل ساعٍ في إثْر العلوم الرُّوحِيَّة التي هي أساس كل عِلْم بَشَرِيّ، ألا وهي السَّيَّالات الرُّوحِيَّة.

 

نراه يُفَصِّلُ بِدِقَّةِ الخبير السيَّالات الرُّوحِيَّة لِتأتي في قِسْمَيْن أو مَجْموعَتَيْن، وما ذلك إلَّا ليأخذنا خطوة خطوة إلى ذلك العالَم العَظيم.

عالَم المَحبَّة والأخوة والسَّلام الذي تدعو إليه الدّيانات السَّماوِيَّة قاطِبة؛ فَلا سَبيل لِبلوغ درجات الفردوس العُلْوِيَّة إلا بالمَحِبَّة والعَمل والإسْتِشهاد في سبيلِها إذا اقْتَضى الأمر. فالحياة لا تأتي إلَّا بالعَمل المُثابر بتَطبيق كُل وصايا الله تعالى.

أخي القارِئ العَزيز، لا يمكن سَبْر غور عالَم الرُّوح ما لم يكن الإنسان مُهَيَّئاً لذلك، لكن بِرَغْمِ ذلك، عِلَيْهِ أنْ يَسْعى وَيَجِدَّ في طَلَبِ ذلك، ورِحْلَة الألف ميل تَبْدأ بِخطوة واِحِدة. إذن عَلينا التَّمعن جَيِدَّاً فيما نقْرأه ثُم سؤال من هم على درايةٍ بهذه الأمور.

 

ودون شَك، سيكون هذه الكتاب مَرْجعاً أساسيَّاً في الرِّسالة الدَّاهِشيَّة يرْجِع إليه كل من تتوق نَفْسهُ لِدخول هذا العالَم الجَديد.

 

والله المُوَفِق.

 

أن تكون أو لا تَكون

 

كانت مجموعة من النَّاس تُسافِر جوَّاً من مدينة إلى أخرى، وعند اقترابهم من وجهتهم، طرأ خَلَلٌ على عجلات الهبوط فَحالَ دون نزولها. وبعد محاولات عديدة لِتَشْغيلها أَعْلَن الطَّيَّار للرُّكَّاب بأنهُ سيقوم بِمحاولة الهبوط الإضطراري، ثُمَّ أعْلن للركاب ضرورة الجلوس بِوضْعِيَّة (الحماية من الإصطِدام). إنَّ علامات العَجْز والتَّوَتُّر بادية على جميع الرُّكَّاب. فلا يمكن لأحَدٍ أن يَلومهُم، إذ في لَحظات سيكونون على موعد لِمواجهة مع”الموت” غيرَ المُقَدَّرٍ و السابِقٍ لأوانِهِ. أجهش بعضهم في البُكاء ضارِعين إلى الرَّب، إلى الله تعالى، يسوع المسيح، بوذا، العذراء مريَم، القِديسين، وغيرهم من أجل هبوطٍ آمِن. لِمَ لا، فإذا نجوا، ستكون صَلَواتهُم قد أَجْدَتْ نَفْعاً، لكن إن لَم تُجْدِ نَفْعاً فسيكونون على استعْدادٍ للإلقاء “بِصانِعِهِم.”

لِأولئك الرّكاب المُلْحِدين، لحظة العَدَم قد حانت. إلا أن فِكراً خاْطِفاً يومِض في أذهانِهِم: “ماذا لو كان الله موجوداً؟” ماذا لو كُنْتُ مُخْطِئاً؟ ماذا سيكون مَصيري؟

وتأخُذ مكان هذه الفِكرة فكرة خاطِفة اُخْرى: ” لا، أَوقِفْ هذا الهُرَّاء، إن المَدْرَج مُجَهّزٌ الآن من أجْلِ حالة التَّحَطُّم، وأنَّ الطيَّار يحاوِلُ الهبوط.

وبعد بِضعة ارتطامات قاسية، واهْتِزازات، وأصوات مُدَويَّة، تتوَقَّف الطَّائرة، ويتِمَّ فتح أبواب الطَّوارئ، وإذا بكُلّ الرُّكَّاب بِخير. وفي تلك اللحظة تَظهَر ابتِسامات واهية على كُلّ وَجه- مازالوا مصدومين بهكذا اخْتِبار. ينظر بعض الرُّكاب لآخرين قائلين: “حمداً لله إنَّنا أحياء”.

لماذا نتمَسَّك بالحياة بِقوَّة مقاومين خسارتها ؟ هل هو الخوف من المجهول؟ لِماذا لا نُفَكّر يوميَّاً بما يُمْكِن أن يحْدُث لنا بعد موتنا؟ هل علينا الخَوض في سيناريو شَبيه بذلك المُدَوَّن أعْلاه قبل أن نبدأ بالتَّفكير حَولَ الأمر؟ إن أولئك الذين يَفَكّرون ويتَحَدَّثون مِنَّا عن هذا الموضوع، يقوم آخرون بانتِقادِهِم على أنَّهُم ذَوو وِجْهة نَظَر سَلْبيَّة، وبأنَّهُم مَهْووسُون أو مُكْتَئبون أو أنَّهُم يُعانون مِنْ أَمْراضٍ نَفْسِيَّة. والآن وإذْ نحنُ على وَشَك الدُّخولِ في القَرن الواحِد والعِشْرين، هل ما زالت المُعِدَّات والأشياء الماديَّة التي جاءت بالتَّطوَّرِ العِلمِيّ تتمَلَّكنا بحيث نَسينا الأمْر الرُّوحِيّ؟ كم مِنَّا يُعْمِل التَّفكير في حياتنا اليوميَّة؟ كيف نُحَدّد الحياة؟ هَل نحنُ موجودون حَقَّاً؟ هل كل ما نَراهُ في الحياة حَقيقيّ؟ ينبغي على الجنس البشريّ معالجة هذه والعديد من الأسْئلَة الأُخْرى على نحوٍ مُنْتَظَم.

ما هو الواقِع؟ هل يوجد شيء كواقِعٍ مُطْلَق؟ أم أنَّها أيضاً مُجَرَّد وجْهَة نظر؟ ليس الغَرَض من هذا الكتاب دراسة النَّظريات التاريخيَّة للواقِع والحاضِر، لكن من الأهَميَّة بِمكان أن يَتِمَّ ذِكْرها باخْتِصار، عَلّ القارِئ المهْتَمّ يُجْري عليها بَحْثاً في وقت لاحِق.

إنَّ دِراسَةِ الوجود ينتمي إلى فَرْعٍ من الميتافيزيقيا يُدْعى الأنطولوجيا. هناك ثلاث نظرِيَّات فَلْسَفِيَّة عن الواقِع: الوحْدَويَّة، وَالثُّنائيَّة، والتَعَدُدِيَّة. إن الوحْدَويَّة” المُشْتَقَّة من الكلمة اليونانيَّة “أُحاديّ” تقول باخْتزال العالَم في حَقيقة واحِدة. تنقسِم  ” الوحْدويَّة” إلى ثلاث مدارِس في الفِكر” الماديَّة والمثاليَّة والحيادِيَّة. تَنُصُّ الماديَّة بأنَّ الحقيقة الوحيدة في الحياة هي التي “للمادَّة” وبأنَّهُ يمكن خَفْض كل ما في الوجود إلى عناصِر ماديَّة.

تنُصُّ “المثاليَّة” بأنَّ العَقْل هو الحقيقة الوحيدة وأنَّ كُلّ ما في الوجود هو “تَصَوُّر” (أي أنَّ الكون غير موجود خارِج حدود ما يَتَخيَّلهُ العَقْل).

تَنُصُّ “الحياديَّة” بأنَّ الواقِع هو أمْرٌ آخَر- إنَّ كِلا العَقْل والمادَّة هُما مَظاهِرٌ لها.

تَنُصُّ الثُّنائيَّة على وجود حقيقَتين اثنتين، العقل والمادَّة؛ أيْ أن حقيقة المادَّة مُنْجَليَّةٌ بالعالَم الآليّ (الميكانيكي)، وأن العقل منجَلٍ في “النَّفْس”- غير الماديّة والخالِدة.

وتَنُصُّ التَّعَدُّدِيَّة بِأنَّه لا يُمْكِن ببساطَة تخفيض الحقيقة إلى العقل أو إلى المادَّة، أو إلى العقل والمادَّة (مَعاً) بل أنَّها مُنْجَليَّة في عديد من المظاهِر المُخْتَلِفة، ومن بينها العقل والمادَّة وهاتان اثنتان منهُما فقط.

والآن اسْمَح لي أن أسألكَ التَّأمُّلِ في الحياة لِبَعْضِ الوقت، ثٌمَّ اسمَحْ لي أن أطْرَحَ عليك  السُّؤال التَّالي: هل أنت موجود؟ من المُرَجَّح أن تُجيب: “يا لهُ من سُؤالٍ سَخيف. بالطَّبع أنا موجود. أستطيع أن أراك وتسْتَطيع أن تَراني. إذا أنا قَرَصْتُ نفسي سأشْعُر بألَمٍ، وإذا جَرَحْتُ نَفْسي سَأنْزِف. إذا طَعَنْتُ نفسي سَأُقْتَلْ. وبجانِب الألم، يُمْكِنني أن أشْعُر بالحُب، يمكنني السّباحة، الضَّحِك، الغِناء، تَسَلُّق الجَبَل، قيادة السَّيَّارَة، الذَّهاب إلى الكُليَّة، أن أصيب شَخْص ما، أن أتَزَوَّج، والجِنس، والإنخِراط في حوارٍ فِكْرِيّ. إذَن أنا موجود”. قد يكون هذا الجواب مَنْطِقيَّاً، وأَنَّك على أتَمّ صَواب، لكن ما كُنْتَ قد بَدأتَهُ كَدَليلٍ على صِحَّةِ وجودك قد لا يكون جواباً فيه الإمتياز.

اسمح لي أن اُوَضّح هذه المسألة: في بعض الأحيان قد تواجه الألم والحُبّ؛ تَرى الأشياء، والأشخاص، والأماكِن؛ أنت تمشي، تُفَكّر، تَلْعَب، تَصْرُخ، تضحك، تُغَنّي، تصعد جبلاً، تَسْبَح، تذهب إلى الكُليَّة، تُصيب شخصاً ما، تتزَوَّج، الجِنْس، تقود سيارة، طائرة، أو تقودُ قارِباً، تُشارِك في مناقشات فِكريَّة. أنت “موجود” ولا أحد يمكنهُ إقناعك بِخلاف ذلك، ولكن وعلى حينِ غُرَّةٍ يُقْرَع جرس المُنَبّه، تُمدّ يدك لإيقافه، والآن أنت مُسْتَيْقِظ، الآن أنت مستيقِظٌ حَقَّاً. عفواً! اعتَقَدْتُ أنك كُنْتَ موجوداً، في الوقت الذي واجهت فيه الأمور  المَذْكورة سابِقاً. من الواضِحِ أنَّهُ مُجَرَّدَ حُلْمٍ كان في الحَقيقة امْتِداداً لوجودِكَ الحاليّ! حسناً، أسَلّم بأنَّهُ كان مُجَرَّدُ حُلْمٍ، وأنَّكَ عُدْتَ إلى “واقِعِ الحَياة”، لكن ماذا لو كان هُناكَ ساعة مُنَبّهٍ على وشكِ أن تنفَجِر وأن توقِظكَ إلى “الوجود الحَقيقيّ”. هل وصَلَتْكَ الآن؟ ما يُنْظَر إليه على أنَّه حقيقة قد لا يكون حقيقيَّاً على الإطلاق.الحُلْمُ الذي ذَكَرْناهُ لِلتَّو هو حقيقيٌّ لَكَ فَقَط ويُشَكّلُ جُزْءاً من واقِعِكَ. وبالرَّغم من ظهور هذا الواقِع مختلفاً من شخص لآخر إلا أنه توجد حقيقة تشمل الكون بأسْرِه، وهذا هو الواقِع الذي يهمنّا. إنَّ حياتنا كُلها أشْبَهُ بِحُلْم حيث ينتظر كل واحد منا منبّهاً ما كيما ينفَجِر، لكي يستيقِظ، ليُحْضِرنا وجهاً لِوجْهٍ مع حقيقة وجودنا.

وقد ناقَشَ الدكتور داهِش هذا الأمر مَرَّةً بِقولهِ: “إن الناس نيامٌ، وأَنَّهُم في لحظة موتهم يسْتَفيقون.”

أهلاً وسَهلاً بالعالَمِ المُتَعَدّد الحقائق. والآن اسمحوا لي أن أسْألكم نفس السُّؤال: هل أنت موجود؟ كيف سَتُجيب على هذا السُّؤال؟ هل سُتجيب بنفس الطريقة السَّابِقة عينها؟ هل ستحاول إيجاد طريقة أُخرى لإثبات حقيقة وجودك؟ أم هل سبَّبْتُ لك حيْرَةً لكي تقول: “لستُ متأكّداً ما إذا أنا موجود أم لا”.

إذا كان الوجود النّسْبِيّ لكل واحِدٍ مِنَّا ليس سِوى حُلماً مُنْتَمٍ إلى وجود آخَر ذي واقِعٍ مُخْتَلِفٍ، فكيف لَنا أن نَعْرِف بأن الوجود في ذلك العالَم المُخْتَلِف هو الوجود الحَقيقيّ وأنَّهُ، بِدورهِ، ليس حُلْماً ينتمي إلى واقِعٍ آخَر ؟

الآن رُبَّما تعْتِقد بأنني مجنون، وبأنني فَقَدْتُ السَّيْطَرة على قواي العَقْلِيَّة، وبأنّني أنتمي إلى مَصَحّ عَقليّ. الأمر الذي يستدعي سؤالاً آخر: من هو العاقِل؟ هل هو كُلُّ من يكون خارِج المَصَحّ العَقْلِيّ؟ أم هو كُلُّ من يكون في داخِلِهِ؟ إنَّهُ سؤالٌ نِسْبِيّ. إنَّ كُلّ من هو بداخِل المَصَحّ العَقْلِيّ يظن أنَّه بصِحة سليمة وعاقِل وبأنَّ كل الآخرين على خِلاف ذلك، في حين أننا نرى أنفسنا عاديين وعاقِلين وأنهم في نظرنا مجانين.

 

من هوعلى حَق؟ دعونا لا ننسى ما علَّمنا إياه التاريخ عن قضيَّة غاليليو غاليليي (1564-1642) في مُجادَلَتِهِ أنَّه ينبغي أخْذ العِلم والدّين على أَّنَّهُما حقيقتان لا يُناقِض أحدهما الآخر. عندما قال أنه يؤيّد وجهة النَّظَر القائلة بأنَّ الشمس مسْتَقِرَّة وبأن الأرض والكواكب الأخْرى تدور حولها، تم اعتباره من قبل الكنيسة أنه منافِقٌ ومجنون. تمَّ اعْتقالهُ مدى الحياة ثُمَّ أُجْبِرَ على التَّخَلّي عن مُعْتَقَدِهِ.

 

ويَبْقى السُّؤال: هل الحياة التي نعرِفها هي (الحقيقة المُطْلَقة)؟  قبلَ أن تجيب على هذا السُّؤال، إسْمْحْ لي من فضلك أن أعْرِضَ هذا السّيناريو: إذا عُدنا في الوقت إلى ساعات قليلة قبل نزول “كريستوفر كولومبُس” في ال” وست إنديز”، فبالنّسْبة إلى السُّكان الأصليين، كل ما رأوه أمامهم هو عالمهم وواقعهم. فلا احتمالٍ إلى وجود ما خَلْفَ المياه. المياه لا محدودة، والأرض مُسَطَّحة. إذا بقوا معزولين، فسيستغرق الأمر منهم مئات بل آلاف السَّنوات ليُقَرروا أن الأرض غير مُسَطَّحة، ولِيَتَمَكَّنوا من بِناء مركب شِراعيّ قويّ يسمح لهم بالمجازَفة وَ سَبْرَ غور المجهول في المياه التي (يَفْتَرِضون) أنْ تكون بلا نهاية. وطالَما أنَّ حقيقتهُم لا تتشابِك مع الآخرين فسَيظَلُّون مُقْتَنِعينَ بأنَّه لا وجود لأيَّة حقيقة أُخرى. فعندما تشابكت حقيقتهم مع حقيقة الأروبيين عند نزول “كولومبوس” اختَبَروا انتكاسة كبيرة لِما كانوا يَعْتَقِدونه. فباتوا (في تلك اللحظة) في حالة من الإرتباك. أن كُلَّ ما كانوا يعتقدون به عن الوجود قد ذهَبَ هباءً. وعلى النَّحو نفسه، قد نكون عائشين في واقِع قد يذهب هباءً إذا ما اصطدم بِواقِعٍ آخر. لكن ماذا يمكن أن تكون هذه الحقيقة؟ إن الحقيقة التي أتَحَدَّثُ عنها هي الحقيقة المُطْلَقة لا أيَّة حقيقة نِسبيَّة اُخْرى. إنَّها صَعْبَة الفهم وبعيدة عَمَّا يُمْكِن أن نَتَصَوَّرهُ. إن واقعنا مُماثل لقِصَّة خرافيَّة تُقال لِطِفل في الثَّالِثة من عُمْرِهِ. يستوعِب الطّفل أو الطّفلة القِصَّة الخُرافية ويقبلها في عقله/ا على أنَّها حقيقة، ولا يُمكن أحد إقناعه/ا بغير ذلك. قد يَحْتَجّ البعض قائلين: “هل نحن جَهَلَة إلى هذا الحَدّ حَتَّى أنَّنا غير قادِرين على التَّمييز بين ما هو حقيقي وما هو خِلاف ذلك؟ إن في قولك هذا إهانة لِذكائنا”. أقول لهؤلاء النَّاس، انظروا إلى الأمر كيفما شِئتم، أكان في شكلهِ أَمْ في هيئتهِ، ولكن من وجهة نظري نحن في مستوى رياض الأطفال عندما يتعَلَّق الأمر بِفهم الحقيقة المُطْلَقَة. إن ما نُعايِنُهُ لَهُوَ نُسْخة ضَيّقة ومُمَوَّهة عن الحقيقية المُطلَقَة. عندما يَسأل الطّفل كيف تولَد الأطفال، يقوم أولياء الأمور، بِصَبرٍ، بإخبارِهِ عن قِصَّة الطُّيور والنَّحْل.

نحن لدينا نُسْخة الطيور والنَّحل عن “الحقيقة”.

فكيف نَقْتَرِب إذن من فهم “الحقيقة المطلَقة” ؟ هل يُمْكِننا تَلَمُّسها مِن خلال العِلم؟ لا يمكن للعِلم إلا تفسير الواقِع الفِعْليّ (المادّي) للحياة، وهو ليس بمكان لِسَبْر غور عالَمِ الحَقيقة الرُّوحيَّة.

هل ينبغي أن نقضي ردْحاً طويلاً من عمرنا في التأمُّل على أمَلِ سُطوعِ شيئاً من النُّور ليُبَيّن لنا الطَّريق؟ أو أن شيئاً ما سَيُصيبنا على رأسِنا ويجعلنا نقول: ” وَجَدْتُها”. ماذا عن الدّين؟ أليس من المنطقي الإقتراب من الحقيقة المُطلقة من خلال دراسة مُفَصَّلَة في الكُتُب المُقَدَّسة؟ أعْتَقِدُ ذلك، لكن إلى حَدّ ما فقط، لأن الرَّسائل في الكتب المُقَدَّسة، في بعض الحالات، تَبْسيطِيَّة للغاية، وهي مَعْنيَّة بمن عاشوا قبل 1.4 ألف من السّنين. وفي حالات أُخرى، نجد أن هناك غموضاً في الكتب المُقَدَّسة، كما أن بعض المقاطِع لا تَعْني شيئاً بالنّسبة لِشخص قرأها في القَرْنِ العِشرين. وفيما يلي توضيح لهذه النُّقطة:

بحسب العهد القديم، خَلَقَ الله الكون، بما فيه آدَم وحَوَّاء في سِتَّة أيَّام ثمَّ اسْتَراح في اليوم السَّابِع. فإذا تَبِعْتَ التَّسَلْسُل الزَّمَنيّ في التَّوراة من آدم إلى هذا اليوم، لَقَدَّرْتَ حصول الخَلق منذ 6000 سنة. و هذا مخالِف لِما تَوَصَّلت إليه الإكتشافات العلميَّة. إن الأحافير العائدة للمخلوقات ذات الأجسام الصَّلبة يعود عمرها إلى 700،000،000 ، سبعمائة مليون سَنة. وقد نَجِد في نهاية المَطاف أحافير أقدم للمخلوقات ذوات الأجسام الصَّلبة على الأرض. إن عُمْرَ خَليَّة واحِدة لِبقايا “جزئيَّات الأحافير”

يعود إلى ما 3,500,000,000 أي (3.5 بليون) سنة.

وباسْتِخدام “النَّظائر المُشِعَّة”، يُقَدَّر أن الأرض كانت موجودة منذ 4،550،000،000

(4.55 بلايين ) سنة.

هل الكتاب المُقَدَّس على خطأ؟ قبل أن اُحاوِل الإجابة على هذا السُّؤال، لا بُد من معالَجة عِدَّة قضايا.

 

من أين جاءت الحياة

 

هناك علماء تعتقِد بِأنَّ الحياة على الأرض ورُبَّما في أماكِن اُخرى من الكون يُمْكِن أن تكون قد تكوَّنَت من تِلْقاءِ نَفْسِها؛ بالصُّدْفَة، وأنَّه لم يكن هناك خالِق و تدبير (هندَسة) مُسْبَقة.

ثَمَّة تجارِب مُخْتَبَريَّة قد أُجْرِيَت على أمَل إنتاجِ خَليَّة حَيَّة، الوِحْدة الأساسيَّة في الحياة. وفي هذه الإخْتِبارات، تَمَّ اسْتنساخ ظُروفاً شبيهة بِحادِثة تكوين الأرض التي جرت منذ 3.5 بليون سَنَة، وبالإستعانة بالشَّرارات الالكترونيَّة وعوامِل أُخْرى، تَمَّ إنتاج أحماض أمينيَّة وبروتينات. إلا أن كل الإختبارات فَشَلت في إنتاج خَليَّة حَيَّة واحِدة.

 

من الوجهة النظريَّة العِلْميَّة، كل ما في الوجود ينبغي أن تكون له بِداية ما. لا تظهَر الأشياء من العَدَم. إذا حاولنا تَعَقُّب مَصْدَرَها فلا بُدّ من الوصول إلى طريق مَسْدود.

على سبيل المِثال، إذا قُلنا أَنّ السَّماء تُمْطِر، فَنَحْنُ نَعْني أنَّ البخار الصَّاعِد من سَطْحِ الأرض يُسَبّب تَشَكُّل قَدْراً مُعَيّناً من الرُّطوبة في الجَوّ. تُحْمَل هذه الرُّطوبة بتيَّارات هوائيَّة إلى أن تَصْطَدِم بِجَبْهَهٍ بارِدة، الأمر الذي يُسَبّب تَكثيفها لِتَعود إلى الأرض على شَكل “مَطَر”.

 

هذه الدَّورة تَتَكَرَّر إلى ما لا نِهاية طالما تَوَفَّرت الظُّروف المُناسِبة. السُّؤال هو هذا: كيف جاءت المياه إلى الوجود؟ ما الذي جاء أوَّلاً، هل الرُّطوبة التي تَكَثَّفَت في الجو أم المياه التي تَبَخَّرَت من البِحار والمُحيطات؟ بِغَضّ النَّظر عن إجابتنا عَن إحْداها، إلا أنَّهُ من خَلَقَها؟

إذا كُنَّا نَتَحَدَّث عن طِفْلٍ حديث الوِلادة، فإننا، وبشكل غير مُباشَر، نَتَحَدَّث عن المُنْتَج من البويضة والحيوان المَنَوِي (Sperms). السُّؤال هو هذا: (كيف تكوَّنت) البويضة والحيوان المنوي الأوَّل؟ هل كانا نتيجة تفاعُل كيميائيّ ما؟ إذا كان كذلك، ما هي العناصِر المُشْتَركة في ذلك؟ ما هي القِوى الخارِجيَّة المُسَلَّطَة؟ ومن خَلَقَ هذه العَناصِر؟ حَتَّى وإن تَمَكَنَّا من اكتِشاف مصْدرها، كيف جاء الإنسان الأوَّل دون أن يَتَصَوَّر في الرَّحْم؟ أيَّهما جاءَ أوَّلاً الطّفْل أم البَيْضَة؟ إذا قُلْنا أَنّها البيضة، فمن كَوَّنها؟ إذا قُلنا الطّفل، فَمَن كَوَّنهُ؟ وبالمِثْل، تَدَّعي نَظريات أُخْرى بأنَّ الحياة على الأرض قد جاءت  من أجزاء أُخرى في الكون بواسطة نيازك أو شظايا مُذَنَّبات.

حَتَّى لو كانت هذه النَّظَرِيَّات صَحيحة ، كيف وجدت الحياة على متن نيزَكٍ أو مُذَنَّب؟ كيف حافَظت على وجود الحياة فيها مع دخولها في الغِلاف الجَويّ الأرْضِيّ؟ من أين جاءَت؟ كيف تمَكَّنَتْ حياة كهذه من إنتاج تراكيب مُعَقَّدة لِمخلوقات حيَّة على الأرْض ؟

كم من الوقت اسْتَغْرَقَ إنشاء الكون؟

 

عندما قيل لَنا أن الكون تَمَّ إنشاءهُ في سِتَّة أيَّام، هل نتكلَّم عن أيَّام أرْضَيَّة؟ تَذَكَّر أنَّ كُلّ يوم أرْضِيّ يُمَثّل دوران الأرض في 360 درجة . فَبِحُكْمِ التَّعْريف، الأرض وسائر الكواكِب الأخْرى الشّمسيَّة تدور حول الشَّمس مَرَّة في السَّنَة؛ إن السَّنَةِ الأرْضية أطْول من السَّنة على كوكب عُطارَد وعلى حَدّ كبير أقصر من تلك التي لِلْمُشْتَرى أو زُحَل.

الشَّمس تدور حول مَجَرَّةِ دَرْبِ التَّبَّانة مَرَّةً كُل 230 مليون سَنة أرْضِيَّة (سَنة شَمْسيَّة واحِدة).

كما تَرَون، إنَّهُ قياسٌ نِسْبِيّ. وبِدون مَزيد من التَّوضيح من خلال مرجع مُحَدد عن إنشاء الكون في سِتَّة أيَّام، لن يكون لدينا فِكرة عن مدى “طول اليوم” الذي يُمَثّلهُ اليوم الواحِد لله تعالى.

 

ما هو مَصْدَرُ الشَّرّ؟

 

“وأنْبَتَ الرَّبُ الإله مِن الأرْض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكْل.وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر”- (التكوين 2:9  ) هذا يُبَيّن بوضوح أن الشَّر كان موجوداً قبل سُقوط آدَم وحَوَّاء. إذا كان الله هو “الصَّالِح” والخالِق الوحيد، فَلِماذا جاء الشَّر إلى الوجود؟ لِماذا لم يَذْكُر سِفر التَّكوين أيّ شَيء عنهُ؟ إن بَعْضَ النَّظِريَّات تقْتَرِح أنَّ الشَّر قد وجِد بعدما تَمَرَّدَت مجموعة من الملائكة على الله تعالى فانقَلبَت من مخلوقات صالِحة إلى شِرّيرة. في الواقِع لا أحد يَعْرِف.

إذا كان آدَم قد خُلِقَ بِقُوَّةِ الصَّلاحِ المُطْلَق، فَلِماذا كان من الضَّرورة اخْتِبار صلاح آدَم؟ ماذا يعْني هذا؟ ما هي النَّتائج المُتَرَتّبة على اخْتيار الشَّر؟ بالنّسْبَةِ إلى الكِتاب المُقَدَّس: ”  وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا” (تكوين3:3)

إذن، لو لم يأكل آدم وحوَّاء من هذه الشَّجرة، لَكانا سَيَعيشان إلى الأبَد. بَل لأنَّهما أكلا الثَّمرة حُكِمَ عليهما بالموت.

” بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تكوين 3: 19)

هل كانت حَقّاً حية التي أغْوَت حَوَّاء؟ هل تحادَث آدم وحَوَّاء مع الحيوانات، أم كانت الحيَّة رَمْزاً آخَر للشَّيطان؟

 

هل كانت الثمرة المُحَرَّمة مُجَرَّد ثمَرة؟

 

وِفْقاً لِجميع الكُتُب المُقَدَّسة، الله تعالى كُلّي الرَّحْمة. واسْتِناداً إلى خاصِيَّتِهِ هذه، ألا يبدو غريباً لك، حُكْم الله تعالى بالموت على آدَمَ وحَوَّاء لتناولهما الثَّمَرة المُحَرَّمة؟ أم أن هذه الثَّمرة هي رمزٌ لأمر آخر، كالجِنْس؟ وإلَّا لِماذا شعروا بالخجَل لِكونهِم عُراة بعد تناولهم  هذه “الثَّمَرة المُحَرَّمة” واسْتعمالهم أوراق شَّجرة لِتَغْطية جَسَديهما؟ ألا يُمْكِن أن يكون الإمتناع عن الجِنْس هو أحَد الإخْتِبارات الأساسيَّة التي كان على آدم وحوَّاء اجتيازها في حياَتهما، ثُمَّ فَشِلا؟

 

كيف مَلأ نسْل آدم وحَوَّاء الأرْض

 

هل حَقَّاً كان آدم وحوَّاء أوَّل المخلوقات البشَريَّة على الأرض؟ أم أنهما تواجَدا مع مخلوقات بَشَريَّة أُخرى؟

عندما طُرِدَ آدم وحوَّاء من جنَّة عدن كان لديهما إبنان، قايين وهابيل.

عندما قَتَل قايين هابيل،… ”  فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ” (تكوين 4: 15)

من كان هناك إلى جانِب آدم وحَوَّاء ليقْتُلَهُ؟ كان آدم في عامِهِ ال 130 عندما ولد ابنه، شيث.

لكن من أين جاءت امرأة قايين؟ وأيضاً، لماذا كان قايين يقوم بِبِناءِ مدينة؟ ما كان، عدد، سُكَّان الأرض الذي يُبَرّر بِناء مدينة؟

وهُنا مقطع آخَر:  “كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ” (تكوين 4:6)

من هُم هؤلاء العَمالِقة؟ إذا كانت ذُرِيَّة الذُّكور من نسل آدم قد عُرِفَت باسم “أولاد الله”، فلماذا عُرفت البنات باسم “بنات النَّاس”؟ هذا إلَّا إذا لَم يَكُنَّ من نسْل آدم.

كل المُؤشَّرات تقودني للإيمان بأنَّ الأرض كانت مأهولة من البَشَر حينما طُرِد آدم وحَوَّاء من جَنَّة عدن.

 

هذا يُعيدني إلى السُّؤال المَطروح في وقتٍ سابِق: ” هل الكتاب المقدَّس على خطأ أم أن بياناتنا العِلْمِيَّة على خطأ؟ أعْتِقِدُ أن كِلاهُما على صَواب.

 

اللاهوتيون على صواب في القول أن آدم عاش وأنجب ذُرِيَّته الأولى قبل 10000 عاماً. إلا أنهم على خطأ في رَبْطِ وجودهِ ببداية الحياة على الأرض. إن الأدلَّة العلميَّة المتَوفَّرة لنا اليوم لَهِيَ دامِغة وغير قابِلة للدَّحض.

لقد مَرَّت الأرض ببلايين السّنين من التَّطوُّر مُعَزِّزَةً دائماً مَظْهَراً ما من الحياة. وبما أنَّهُ ليس بالإمكان استِدعاء العِلم لِتَقديم الإجابات، وأننا لا نستطيع الإعْتماد على الكتب المقدَّسة لتقديم إجابات واضِحة، إذن هل يَكْمُن خيارنا الوحيد باللجوء إلى مجال الميتافيزيقيا؟

إنه بِمُجَرَّد أن نبدأ النَّبْش في مجال الميتيافيزيقا، سَنُقابِل العديد من نظريات الوجود، ولِكُل نظريَّة، سَنَجِدُ عدداً من التَّفسيرات. وإذ ذاك، إذا كانت الحقيقة مادّية على نَحْوٍ صارِم، نبدأ نسأل أنفسنا. هل هي مِثاليَّة؟ حياديَّة؟ ثنائيَّة؟ تَعَدُّديَّة؟ نحن نُحَلّل كُلّ نظريَّة مقارِنين إيَّاها بِنَظَريَّاتِنا في الحياة، فإمَّا أن تُفْهَم وإما لا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدَّاهِشيَّة ورِحْلَةُ الحياة

 

بِقَلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 book-cover

محتويات الكِتاب*

 

مُقَدّمة التفسير التي كتَبها المَعْرض الوطَنيّ للفُنون (واشنطن العاصِمة)  الصفحة الأولى

 

الفصل الأوَّل: أن تكون أو لا تكون

الفصل الثَّاني: العقائد الدَّاهِشيَّة الفَلسَفيَّة

الفصل الثالِث: السَّبب والنَّتيجة، حقائق الحياة وغُموضها

الفصل الرَّابِع: الحقائق والأوهام والأيَّام الأخيرة

الفصل الخامِس: من هو الدكتور داهِش

مُلَخَّص عن المبادِئ الداهشيَّة الأساسيَّة

المراجِع

 

*   ملاحَظة هامَّة: سيَتِمّ نَشر الكتاب فَصْلاً فَصْلاً على مراحِل زَمَنيَّة، وبِناءً عليه سَيَتِمُّ تحديد رقم الصَّفحات وطباعتها في قِسْم  الفَهْرَس (محتويات الكتاب).

 

 

 

مُقَدّمة التفسير التي كتَبها المَعْرض الوطَنيّ للفُنون- واشنطن العاصِمة

 

ترجمة يوسف قبلان سلامة

 

 

إنَّ رحلة الحياة لِتوماس كول (1801-1848)1 هي (الرَّمز التصويري) لمرور كل رَجُل في مراحِل الحياة التَّقليديَّة الأربع: الطفولة، الشباب، الرجولة والشيخوخة. إنها رِسالة من سِلْسِلةٍ تَعْكِسُ بِدِقَّة الحالَة المِزاجيَّة للرُّبْعِ الثَّاني من القَرن التَّاسِع عَشَر عندما كانت الحياة أقْصَر والموت أكثَر شيوعاً. ومع ذلك كان هناك تفاؤل يَفوق الحَدّ في أُمَّة الشَّباب الواعِدة. وبِتعزيز ما يَخُصُّ الرَّحَّالة -(في اللوحَة) فيما يَتَعَلَّق بِإجراءاتنا (الحياتِيَّة)، مظهَرنا، إيماءاتِنا، تَمَّ الإعْتِبار (مجازيَّاً) أنَّ إعداد المشاهد في هذه اللوحات، هو عامِلٍ مُشارِك في إنشاء مزاجيَّة الإنسان في مراحِل تَطوّره. وفي نَفْسِ الوقت، رَمْزيَّتها فيما يَتَعَلَّق بالعُبور المَسيحيّ. كذلك ترمز المناظِر الطَّبيعيَّة إلى المراحِل الفَصْليَّة واليوميَّة للتاريخ، مُظْهِرة التَطَوّر من خُضرة الرَّبيع إلى انسِحاب الخَريف، ومُرور اليوم من الصَّباح إلى الليل. لكن، في غياهِب هذا النّسيان المُظْلِم، يَشِعُّ الخلاصُ نوراً أبَدِيَّاً.

لاحِظ أنَّ الرّمال في السَّاعَةِ الرَّمليَّة التي تُمْسِكها “شَخصيَّة السَّاعة” في مُقَدّمة المَرْكَب من القارِب تسْتَمِر بالنَّفاذ مع تَقَدُّم المجموعة، وأنَّ أوقات آخر الليل المُبْتَسِمة “المنحوتة” حول حافة المركب الصغير تكون آخذة بالإضطراب أكثر فأكثر حَتَّى تصطدم “وجوهها” على إثر سقوطها  في البحر عَبْرَ الأنبوب المائل حيث يصعب التعرُّف عليها، حيث العودة إلى الحياة مُجَدَّداً في نهاية المَطاف.

 

 

في الصُّوَر الأربع يقوم “كول” بِتَصْوير  الرَّجُل على أنَّهُ يُواجِه الحياة وَحْدَهُ، أمَّا بِخُصوص مَرْحَلَةِ الطُّفولة والشَّباب تَظهَر صورة الطُّيور (في وسط كل صورة) ضئيلة الأهَميَّة أمام عَظَمة الطَّبيعة.

 

الرُّسوم وتفسيرها

 child

كما صَاغَها الفَنَّان: ” نهر ما يُشاهَد نابِعاً من من كهف عميق في جانِب أحد الجِبال الصَّخْريَّة الرَّهيبة حيث تختَفي قِمَّتها في الغيوم. ومن خلال الكهف ينْزَلِقُ قارِبٌ ذا مُقَدّمةٍ ذات جوانب منحوتة على صورة عقارِب ساعة تُوَجّهها أشخاص ملائكيَّة مُحَمَّلَة بِبَراعِم وزُهور، وتْحْمِل على عاتِقها طِفلاً ضاحِكاً،  نَرى مُحاولة الفَنَّان في تحديد طبعها. تَرْمُز ظُلمة الكهف واكتِئاب السَّماء إلى أصْلِنا الدُّنيَويّ وماضينا الغامِض. القارِب مُكَوَّن مِن شَخْصِيَّات؛ هي صوَرٌ للحَظات،  تُمَثّل غيابنا في تَيَّارِ الحياة. أمَّا ضوء الصَّباح الوَرْديّ، والنَّباتات والزُّهور السَّامِقة، فهي شِعارات لِبَهجة الِحياة في بِدايتها.

 

 

مَرْحَلة الشَّباب

 youth

تُمَثَّل مرحَلة الشَّباب بِتَوَلّي قيادة الدَّفَّة، بِثِقَة واندِفاع، في أنه غير مُدْرِكٍ، وشاعِرٍ بِعَدَم الحاجة إلى الملاك وحِمايتهِ؛ الملاك الذي يقِف جانباً مُتيحاً له توَلّي قيادة الدَّفَّة.

فقط قبل  نزول “الشَّاب” من القارِب لمُتابعةِ سَيْرهِ في الطَّريق الوهميَّة إلى نَظيرتها القلعة الوهميَّة، يأخذ نهر الحياة إذ ذاك بالإضطِراب فينحَرِف صوب الحَق؛ إنه هاجِس المُسافِر الشَّاب لِمواجهة مُشْكِلات الرُّجولة.

إن صَخَب النَّهْر المُتَزايد.  يُمْكِن مُلاحَظَتهُ هذا في المساحات عبْرَ الأشجار، الأمر الذي يُشير (يَرْمُز) إلى مَجيء صِعاب أكبر في المُسْتَقْبَل.

 

الرُّجولَة

 manhood

بالنّسبة لِ “كول”، كانت مرحلة “مُتوسّط العمر” هي الفترة التي تَكْثُر فيها المُغْرَيات بما فيها المَيْل إلى الإنْتِحار، العَصَبيَّة، والقَتْل. إنها التي جَسَّدَها “كول” بأشكال شَبَحيَّة في السَّماء. إنه الآن عِندما يدخُل بَرِيَّةً سماءها قد مسحها إعصار بِلون أصفر، كائنة على مسافة ما منه، تُذَكّرُهُ بِجدولهِ الزَّمَنيّ الذي لا مَفَرَّ مِنْهُ؛ حيث ذِراع المِقْوَدِ مفْقود والمُسافِر غير قادِرٍ على السَّيْطَرَة على مَصيرِهِ. إنها المرة الأولى التي يشكُّ فيها بعدم قُدْرَتِهِ على التَّأقْلُم مع الحياة، فيجْعَل يتَلَمَّس السَّماء بِتوَسُّل. لكن ومع ذلك يسْتمِر الإنسان في شَراهَتِه بِحراسة ممتَلَكاتِهِ التي جَمَّعَها التي يَظهر أنَّ نِصفها مُخَبَّأ، وذلك بِرَغْمِ فُقدان جَرَّة كبيرة، الأمر الذي يُشير إلى أنَّهُ في النّهاية يتمُّ فُقْدان كُل شيء.

إلى يمين اللوحة تَقِف أشجار تُمَزّقها عواصِف، والنهْر ذو الإضطراب المُتَزايد، وقد صارَ سَيْلاً، يُنْذر الرجل بمعرَكَتهِ النّهائيَّة.

إن الملاك الحارِس الذي ما زال مَخْفيَّاً بالنّسْبَةِ للمسافِر، يراقبه بهدوء، غير ناسٍ لكنَّهُ مُتعاطِف.

 

 

 

الشيخوخة

oldage

وفقاً للفَنَّان، الغيوم العجيبة تتوالد عبر محيط منتصف الليل الشَّاسِع.

صخور قليلة تُرى في العَتمة- آخِر شواطئ العوالم.

القارِب، مُمَثّلاً الهيئة الزَّمَنيَّة للإنسان، قد استُنْفِذَت قُوَّته ليطفو بلا حِراكٍ فوق المُحيط المَيْت. الساعة الرمليَّة التي أحصت سِنَّهُ قد وَلَّت، والأوقات أيضاً. كل الأمور الدُّنويَّة التي جَمَّعَها قد تناثَرَت وما عادَتْ  تَعْنِيه إطلاقاً. وللمَرَّة الأولى يَظهر  له الملاك الحارِس، ,واقِفاً أمامه مشيرا إلى النور المجيد الذي لاح أمامه من خلال زوبعة ارتفَعَت أمامه فجأة بِشَكلٍ غير مفهوم من مكان قَريب، من البحر؛ ملائكة نزلَت للتَّرحيب بِالرَّجُلِ في ملاذ الحياة الخالِد.

 

 

 

المُقَدّمَة

بقلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

قبل عِقْدٍ خَلا، عندما كنتُ في الثالِثة والعِشرين من عُمْري، كَتَبْتُ قصيدة نثريَّة كانت آنذاك انعكاساً لِموقفي مِنَ الحياة.

وبعد قراءتي إيَّاها مُؤَخَّراً وَجَدْتُها ما تَزال تعْكِس الأمر بِشكل جَيّد، باسْتِثناء أنَّني كُنْتُ ساذجاً لِسَبَبَيْن في أمْرَيّ الصَّداقَةِ والحُبّ. سأتناول أمر هاتان القَضيَّتان في متن هذا الكتاب.

إنَّ عنوان هذه القصيدة هو “الرّحْلَة”؛ إنها الرحلة ذاتها المُتَضَمَّنَة في هذا الكتاب وَالذي جاءت بِعنوانه. هذه “الرّحلة” هي رَمْزَيَّة، وهي عَرْضٌ مُوجَزٌ عن فَهْمِنا للحياة في مَعْناها وَ وَغَرَضِها. بالرَّغم من كَوْنِ قصيدة النَّثْر رَمزيَّة في توظيفها وأنَّها تُلمّح إلى الحياة الصُّوفيَّة في طبيعتها إلَّا أنَّني أُقَدّمها إلى القارِئ كوسيلة للحصول على لَمحة عَنِ الآتي:

 

كان هُناكَ وقتاً اسْتَرْجَعْتُهُ

حيث كان الَّلعِبُ بهجةً، والبَهْجة حياة

لا أَذْكُر مَتى بدأ

لا أعْلَم لِمَاذا كان َعَلَيْهِ أن يَنْتهي.

في وقت ما، وفيَ لَحْظَةِ عُزْلَةٍ، اسْتَعْرَضتُ في ذاكرتي أيَّامَ الطُّفولة هذه، حيث تَمَكَّنْتُ من رؤيَة كًلّ أصْدِقائي مُجَدَّداً.

كان الأمر واقِعيَّاً بحيث استَطعْتُ مناداة كُلٌّ باسْمِهِ.

تَذَكَّرْتُ الألعاب التي لَعِبْناها، ضحكاتنا بَراءَة صداقتنا.

لكن ما كان لهذه الأيام أن تدوم طويلاً.

لقد انتهَت عندما أعْلَمَني والدي بأنَّهُ لَديّ رحلة يجب أنّ أخوضها

وإذا بالحيرة والارتِباك يَتَمَلَّكاني، ومع ذلك، وَوِفْقاً له، كانت حَتْمِيَّة.

إلى أين؟ كيف؟ لأيّ غَرض؟ كان سُؤالي.

وكان جوابهُ: هناكَ سَيَّدة تُحِبُّكَ، في الواقِع أحَبَّتْكَ مُنْذُ البِداية، وستقوم على انتظارك مهما طال الزَّمَن.

فقط اتْبَعِ الحَشد، قال لي، لأنَّهم يذهبون في نَفْس الرّحْلة وستَجِدكَ بينهم.

فقط عندما تراها، سَتَنْتَهي رِحلتكَ، وسَتَعْرِف ذلك.

بَدأتُ الرّحْلَة.

كان المَعْبَرُ منحدراً إلى الأعْلى.

هل ممكن أن أكون مُرافِقُكَ، سألْتُ أوَّل شخص وقعت عيناي عليه.

نَظَر إليّ نظرة بِإبْهامٍ، لَمْ يُجِبْ، ثُمَّ واصَل رِحْلَتهُ.

لم أَكُن اعْرِف لِماذا.

كَرَّرتُ السُّؤال نَفْسهُ على كُلّ رجل وامرأة واجهْتُها.

الأكْثَرَيَّة تَبِعَت خطواته، وعدد قليل قَبِلوا عَرْضي.

كَرِفْقَة كان لَدينا فُرْصَة التَّعَرُّف على الآخَر.

كَرِفقة ساعدنا بعْضنا بعضاً عند اشْتداد وعورة وخُطورة الطَّريق.

كَرِفْقَةٍ وَجَدْنا الإرادة لِمُواصَلَةِ السَّير في طريق نَفْسِهِ.

كنتُ قريباً جِدَّاً من إحداهُنَّ، وأصْبَحَتْ لي حبيبة.

كَسِبْنا بِضعةَ أصْدقاءٍ عندما كنا في الطريق، وخسِرنا غيرهم كثيرين، لأنهم كانوا قد وصلوا إلى وِجْهَتِهِم.

إن رحلَتي طويلة ومُرهقة، لكن لا جُرأة لي على التَّوَقُّف.

إنها كالشَّيء الذي متى بدأتَهُ لا يُمْكِنكَ إيقافهُ.

إن الرَّابط الذي جمع البعض مِنَّا نَمَا بِقُوَّة على طول الرّحْلة أكثر فَأكْثَر.

كان المَمَرُّ يضيق أكثر وأكثر كُلَّما اقتربنا من قِمَّة المُنْحَدَر.

فقدنا عدداً ليس بِقليل من الرّفْقَةِ على القِمَّة، لكننا رَبِحْنا عدداً قليلاً.

لَم يَنْتَهِ الطريق هناك، وبدلاً من ذلك، صار الإنحدار إلى أسْفَل أكثر وعورة على الإطلاق.

 

وبِمَواصَلَتي لِرحلتي جَعَلْتُ أصَلّي بِحرارة أكثر وأكثر كُلَّ يومٍ لِكَي لا يُصبح الطريق أكثر وعورة، واُبوحُ صارِخاً للفتاة التي تَبْحَثُ عَنّي: أين أنت يا سيَّدة؟

ما الذي يُؤَخُّرُكِ إلى هذا الحَدّ؟

 

في عام 1842 قام توماس كول ( 1801- 1848) برسم مجموعة من أرْبَعِ لوحات زيتيَّة تحت إسم “رحلة الحياة” (انظر إلى فاتِحة الكتاب).

 

فَكما يُشير العنوان، لَقَد شَبَّه الفَنَّان الحياة بِرِحْلةٍ. إن لِكلمة رِحلة عِدَّة دَلالات:

1- إنَّ لِكُلّ رِحْلَةٍ نُقْطَةُ انْطِلاق.

2- لِكُلّ رِحْلَةٍ وِجْهة.

3- لِكُلّ رِحْلَةٍ مُدَّة زَمَنيَّة.

4- إنَّ أيّ رِحْلَة هي اسْتِمرارٌ لِنوع ما في الوجود.

5- هناك استمراريَّة حياة بعد إنتهاء الرّحْلة.

 

ما هي هذه الرّحْلة؟ ما الذي يوجِب وجودها؟ ما الذي وجِدَ قبلَ أن تَبْدَأ؟ ما الذي سيحْدُث عِنْدَ بُلوغ الهَدَف؟ لماذا هي قَصَيرَة بالنّسْبَة لِبَعْض وطويلة لآخَرين؟ لماذا هي صَعْبة بالنّسبة لِبعض وسهلة لآخَرين؟

إَّن الدَّاهِشيَّة تتناوَل هذه القضايا وغيرها الكثير، وما أنت على وشك أن تَقْرأهُ في هذا الكِتاب هو غير عادِيّ حَقَّاً. إنَّ الدَّاهِشيَّة هي ثورة في نهجِ الإنسان، في الفَلْسَفة، في الحياة والدّين. إنَّها ثوب جديد لِلكيان الفِكريّ التَّقليدي والمُعْتَقَد. إنَّ هدَفَ الداهشية هو توفير اعتقاد شامل يشمل جميع المعتقدات الأخرى. إنّ في تحقيقها هو أن جَمْع عِوَضَ شَرْذَمَة  المُعْتَقدات الدّينيَّة، كما أنها تَسْعى إلى النُّمُوّ بَدَلاً من الإنكماش الفِكرِيّ الفَلْسَفيّ.

لكن تَنَبَّه، إذ قراءتكَ لهذا الكِتاب تَتَطَلَّب انفِتاحا فِكْريَّاً عالياً.

إذا بدأتَ قِراءة هذا الكِتاب مع فِكرة راسِخة بأن ما تُؤمِن به لا يَحْتَمل التَّغيير، فلا تُتابِع، لأنك غير مَعْنِيّ بالدَّاهِشيَّة وبهذا الكِتاب.

فالأمر يتطلَّب إنسانا ذي فكرٍ مُنْفَتِحٍ جداً لِفهمهِ وتقديرِهِ، وبالرَّغم من ذلك قد يكون الأمر فوق احْتمال البَعْض.

ليس الغَرَض من هذا الكِتاب هو تقديم عِظة عن الصَّواب والخَطّأ تمَّ التَّدرُب على إلقائها، أنا على ثِقَة بأن القرَّاء يميّزون بين الإثنين.

كما أنه ليس الغرض من الكِتاب تجاوز مُعْتقدات القُرَّاء.

على العكس من ذلك، إن الكتاب يتناوَل هذه المعْتَقَدات كأعْمِدَةِ أساس لِمَبْنى فَيَبْنِي عليها. آمِلاً اهْتِداء القارِئ إلى طريقَتي في التَّفكير وإلى الدَّاهِشيَّة، لكن، ومع ذلك، فإنه يكفي بالنسبة لي تقديم الحُجَج والحُجَج المُضادَّة على أمل أنها سوف تَحْدو

بالقارئ إلى  التفكير؛ وإذ ذاك ، إلى رَسْمِ اسْتِنْتاجاتِهِ الخاصَّة.

أشُكُّ بأن كثيرين بعد قراءتهم هذا الكِتاب سينْعَتوني بالمجنون،و المُنافِق، و عَدوّ دين لهُ نِظامهُ، وشخص غير مُتَّزِنٍ عَقليَّاً، لكنّني آمل بأن آخرين كثيرين سيَرَون الأمر مُخْتَلِفاً.

عندما كان نوح خاضِعاً لأوامِر إلهيَّة صارِمة لِبِناءِ فُلْكٍ بحجمٍ مُعَيَّنٍ، ظَنَّ شَعْبَ زمانهِ بأنَّه مجنون. وقد نُظِرَ إلى عائلته أيضاً على أنَّها شاذَة؛ إذ لم يَتَّفِقوا مع أقرانِهِم في السُّلوك الأخلاقيّ. الأمر نفسَهُ حدث مع يسوع المسيح إذْ نُعِتَ بالمُنافِق، والسَّاحِر، والشيطان كما أَطْلَق َعليه رجال الدّين ومُعْظَم النَّاس.

 

إن حقيقة أن يكون الإنسان منبوذاً فِكريَّا في مُجْتَمَعٍ ما لا يعني بالضَّرورة أن يَكون سَيّئ المَنْزِلَة طالما كانَ على ثِقة بِصِحَّة وأخلاقيَّة سَبَبِهِ.

من المُهِم الإعلان بوضوح هنا بأنني أُعَبّرُ عن مدى فَهْمي للعقيدة الدَّاهِشيَّة ليس إلَّا. أرى نَفْسي “كنَفْس” مُحْبَطة، كَغيرها، غير راضية عن الوضع الدّينيّ والفلسفيّ والإقْتِصاديّ والفَنّي  وكل ما يَمُتّ لِجوانِب الحياة بِصِلَة.

أصِلُ إلى أناس يحْمِلون وجهات نَظَرٍ مُماثِلة وأسألهم مقارنةَ وجهات نظرهم بوِجهة نَظَري. إنَّ هَدَفي الوحيد في الحياة هو أن أفهم المزيد عن العالَم الرُّوحِيّ ومدى ارْتِباطِهِ بِوجودِنا. إن دوافِعي غير مادّيَّة وستكون كذلك دائماً.

إن مُحْتَوى هذا الكتاب لَيَعْكِسُ أصْدَقَ رُؤية عن مُعْتقداتي في الحياة، وها أنا أقُدّمها لك لِتُعاينها.

1( كان الدكتور داهِش مأخوذاً جِدَّاً بلوحات “توماس كول” الفَنَّية وكثيراً ما كان يَقْصِد رؤيتها في المتحف أثناءَ زيارته.)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل يمكن أن تكون الداهشيَّة هي الحَلّ؟

 

المقَدّمة بِقلَم يوسف ق. سلامة

 

مقَدّمة

إنَّ ما سيُطالِعه القارِئ في هذا المَقال الرَّائع لَهُوَ الحقيقة في حكمتها ورُقِيّها، إذ يأخُنا في رِحلة روحَيَّة مباركة نَقْطِف  فيها ثِمار خِبْرة روحيَّة قَلَّ نَظيرها. فما كتَبَهُ الأخ العزيز مُنير مراد هو عُصارة خبرة اخْتَصَرها في سطور تُغْني عن كتاب. فَمُنذُ بِداية حياتِه واخْتباره للحياة بالتِزامِهِ بوصايا الدكتور داهِش نَجد أن الحَق يَكْمُن في تطبيق وصايا الرّسالة الداهِشيَّة التي تَدعو إلى الإيمان بالله وبوحدة الأديان؛ يُفَسرها من خلال عَمَل السيَّالات في الكون التي هي قوام الكائنات والعامل المشترك بينها. حيث ينتفي الفَرق بين الإنسان وأخيه الإنسان، حيث يكون المرء واحداً مع الطَّبيعة بالإعتناء بها كنَفْسِهِ؛ وبالتَّالي احتِقار ونَبْذ كل ما هو مادّي يُشُد النَّفس إلى الإنحِطاط والإندثار في دركات الجحيم. فهدفنا المنشود هو الإرتقاء الرُّوحي والإتحاد بكلمة الله تعالى حيث تجتمع السيَّالات إلى الأبد في كوكبها الفردوسيّ المنشود.

سيرى القارِئ مقالاً يشرح معنى العيش المشترك الحقيقيّ وكل ما يَمُت للروح من فَضائل مُبارَكة في معناها ومغزاها لا سيما من خلال اختبارِها الفِعْليّ التي الكاتب هو مِثالٌ عظيمٌ لها، في الرسالة التي جاءت لِتُذَكرنا بالمعنى الحقيقي للأديان.

 

هذا المقال قد نُشِر لأول مرة في العدد الأول لِمجلة صوت داهِش عام 1995

 

 

 

بقلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

هل يُمْكِن أن تَكُون الدَّاهِشيَّة هي الحَلّ؟

 

أنا عربي أمريكي  جاءَ إلى الولايات المتحِدة الأمريكيَّة قبل عشرين عاماً، كنت آنذاك في السادسة عشر من عُمري. وقد طُبِعْتُ في تلك الأثناء على عادات وتقاليد شرقنا الأوسط التي كانت وسَتَبقى جزءا مِنّي. وبِرَغْم مرور حوالي جِيلَيْن على مكوثي في هذا البلَد إلا أن لهجتي الإنجليزيَّة ما زالت  متواضِعة ، حَتَّى أن أغذية الشَّرق الأوسط ما زالت المُفَضَّلة لَديّ. وبَعْدَ انتقالي إلى هنا، شَعَرْتُ بحُبّ لأشياء في ثقافة وعادات وطني و بِبُغضٍ لأُخرى. وبرغم ذلك، وفي ذلك الوقت، كان يُداخَلني شعور عميق بأنني لَسْتُ من الشَّرْق وبضَرورة انتقالي إلى الغَرْب.  تُرى هل كان ذلك الشعور ناتِجاً عن نُّفوذ الغَرْب المُتزايد في المنطَقَة؟ يمكن ذلك، لكن ، ودائماً، يوجد شيء اسمه المَصير.

 

أمَّا عن جَدَّايَ فبالكادِ تَمَكَّنوا من النُّزوح من تُركيا إبَّان المجزرة الأرمنَيَّة في عِشرينات القرن الماضي. وفي الأربعينات ، كان على عائلتي الإنتقال من القدس الى بيت لحم لتَجَنُّب القتال بين العرب والصهاينة، لِيجدوا أنفسهم  في نُزوح من الضّفة الغربية في الأردن إلى لبنان بعد فترة وجيزة من الحرب الإسرائيلية-العربية 1967. عند اندِلاع الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة غادرتُ وعائلتي إلى أمريكا.

وهكذا، في غضون ستة عقود، اضطرت عائلتي إلى تَخَلّي عن المنزل مَرَّات عديدة من أجل البقاء.

لَم تَكُن هذه التجرِبة خاصَّة (فَريدة) فَملايين البشر اختبروا هذه الحالة، وملايين آخرين قد يكونوا في اختبار لها حاليَّا أو سيختبِروها في المستقبل. لماذا؟ إنَّه سؤال مُحَيِّر! لِمَ يذبح الأتراك الأرمن؟ لِماذاَ يتقاتل العرب والإسْرائيليُّون؟ لِمَاذا يتقاتل اللبنانيُّون بين بعضهم البعض؟ لِهذه النّزاعات أسباب سياسيَّة، لكنها، تَحْدُث، بِسبَبِ الدّين كَسَبب أساسيّ.كم هو مُحْزِن! فبإضافتنا النزاعات الإقليميَّة والسياسيَّة إلى الدّينيَّة نحصل على إنسانيَّة غارِقة في البَغضاء. ويزداد الأمر سوءاً عندما نرى أن تَدَخُّل القوى الكُبْرى يأتي فقط عند تَوَفُّر مصالِح إقتصاديَّة في البلاد الحاصِل فيها النّزاع.

في الغَرْب، وجَدْتُّ أن المكان يواجه كثيراً مِمَّا يواجهه الشَّرْق، لكن على مستويات مُتَفاوِتة. ومن المشاكِل الطَّاعِنة للإنسانيَّة بالوباء هي التَّعَصُّب العُنصُريّ و العِرْقيّ وتهديم الوِحدْة العائليَّة. فإذا أردنا حَلَّا لِهذه المسائل، كيف يمكن ذلك؟  هل نبدأ بِثَورة مُسَلَّحة؟ هل نَتّجه صوب الأصوليَّة الدّينيَّة؟ لا بكل تأكيد. إن سفك الدماء لن يُنْتِج سوى مزيداً من البغض وسفك الدّماء.

لن ينتج عن الأصوليَّة الدينيَّة سوى عَزل الفكر الحُر للأفراد  وبالتَّالي تسبيب الفوضى.

لكن عِوَض ذلك إذا حَكَّمنا التَّفكير السَّليم ستكون للإنسانيَّة فُرصة جديدة.

أنا أُقَدم مفهوماً فلسفيَّاً إذا تَمَّ تَبَنّيه سيقود إلى عالم مختلف وأفضل بِمراحل كثيرة. هذا المفهوم يُدعى الدَّاهِشيَّة.

 

في البداية، علينا التَّخلُّص من المُسبّب الرَّئيسيّ للكراهيَة الدّينيَّة. يمكننا التخلُّص مِن عَداء كهذا بِتَقَبُّل مُعْتقدات الآخرين.  ودون قيد أو شَرْط على الدَّاهِشيّ أن يَقْبَل بأن أصل الأديان هو واحِد وذلك على اختِلاف أنواعها وجماعاتها ومستويات الوعيّ الفِكري لِأبنائها عبر الأزمنة.

الدَّاهِشيَّة لا تُفَرّق بين يهوديّ أو مسيحيّ أو مُسلم أو بوذي أو هندوسيّ. فالدَّاهِشيّ ذو الجذور المسيحيَة عليه أن يُنادي بتعاليم الإسلام وغيره من الأديان. والأمر نفسه ينطبق على الداهِشيّ الآتي من جذور إسلاميَّة أو يهوديَّة أو هندوسيَّة أو بوذيَّة أو أي دين آخر. فسِرَّاً أو علانيَّة،على الدَّاهِشيّ ألا يحمِل في قلبه تَحيُّزاً لأي دين عند حدوث نزاع بين جماعات دينيَّة . فخلافات كهذه تناقِض جوهر التعاليم الدّينيَّة. الداهِشي يقبَل بموسى و عيسى ومحمد وغيرهم كأنبياء لله. كذلك مارتن لوثر وغاندي وكثيرون غيرهم كَهُداة روحِيين. ولكن مِمَّا يُحيّرني هو أنه برغم عبادة أتباع الأديان لإله واحد، كُل يقول بِعِبادة الإله الواحِد. فإذا كانت كل فِئة تؤمن بقوة موجِدة واحِدة، ألا يقودنا الأمر منطقيا إلى الإستنتاج بأنهم يتحَدَّثون عن نفس الأمر؟ فإذا قبِلْتَ هذه المعادلات الثلاثة الآتية:  أ+ب=ج، أ+ب=د، وأ+ب=ه  فيكون الجواب منطقيّاً: ج=د=ه إذن على كل داهِشي أن يُسَلّم كامِلاً بأن الله واحِدٌ أحَد. إنه لهذا الإله الواحِد تُرْفَع صلواتنا. إن الإسم (بمعناه) الذي تُطْلِقْهُ على هذه القُوَّة الموجِدة هو غير ماديّ. باستطاعتك دعوتهُ َ، رَبّ، الله، أو أي إسم آخَر. الدَّاهِشي يعتَبر أن الله هو القوَّة المُهيمنة على الكون بأسْرِهِ ويؤمن أن من صِفاتهِ الكثيرة المَحَبَّة، العدل، الحكمة، المُسامَحة.

ولكن كيف يمكن لله أن يكون عادِلاً في حين انه يسمح بحدوث عِقاب أليم غير عادِل؟ كيف يمكن لله أن يسمح لِشَخص أن يولد أعمى و آخر بعينين سَليمَتين؟ كيف يمكن لله أن يسمح بولادة شخص فقير وآخر غَنيّ؟

إن الأمر أن الله عز وجَلّ عادل وما تراه هو إحقاق للعدالة.  إن الداهِشيّ يؤمن بنظام عدالة كونيّ قوامُه مجازاة كل إنسان بحسب أعماله خيراً كانت أم شَرَّا، وذلك في حَيَواته السَّابِقة والرَّاهِنة. لا جريمة يمكن أن تَمُرَّ دون عِقاب، كما لا يمكن لِعَمل صالِح أن يَمْضي دون مكافأة. يؤمن الداهشيّ أن حياتنا الحاليَّة إنْ هي إلا فُصولٌ في سِفْرِ الحياة وأن انتقالنا من فصل إلى آخر يكون عبر التَّقَمُّص.

 

ومن وجهة النَّظَر هذه، التَّقمص هو رحمة إلهيَّة من لدن  تعالى تَسْمح لنا بالعيش من فترة لأخرى حَتَّى يَتَسَنَّى لنا التَّخَلُّص التَّام من رِبْقة قوى الشَّر. إن مفهومَيّ النَّعيم والجحيم المُعَرَّف عنهما في الكتب المُقَدَّسة إنْ هو إلا تبسيطٌ زائد عن حقيقة الأمر هنالك.

 

إن العالمَ مليءٌ بالعوالم المأهولة. إن مجموع العوالم التي تَفْضُل عن عالمنا تُدعى النَّعيم أو العوالم الفردوسيَّة، كما تدعى العوالم المعْتَبَرَة أكثر دناءة من عالمنا بالدَّركات أو الجحيم. هل تعتقد حَقَّا بأننا الكائنات الحيَّة الوحيدة في الكون الشَّاسِع؟ ليست أرضنا سوى جُسَيم من غبار مقارنَة مع حجم الكون. لِمَ يذهب الله تعالى إلى هذا الحَدّ إذا كان همُّه الوحيد هو إيجاد حياة على الأرض؟ إن الكون واسِعٌ لأن الله ملأه بالحياة. يؤمن الدَّاهِشي بأن كل ما هو موجود خاضِع لِصراع الخير والشَّر لكن على مستويات متفواتة.

 

لا يمكن لأرواحنا بلوغ الكمال والإتحاد بروح الله في العالَم الروحيّ سِوى عندما نتحرَّر من قوى الشَّر بشكل نهائيّ. ليست حياة كل مِنَّا سوى مظهراً من مظاهِر الرُّوح الكائنة في هيئة مادّيَّة.

 

يُؤمن الدَّاهِشيّ بأن لهذه الرُّوح امتدادات لا عَدَّ لها متّخذة أشكالاً غير معدودة في عوالم النَّعيم والجحيم. وبكلمات أخرى، إن روح الفرْد مُتَّصِلة بعوالم ذوات أشكال حياتيَّة مُخْتَلِفة. تتميَّز الداهِشيَّة عن الفلسفات في فكرة الوجود المتزامن (الوجود في وقت واحد) في جميع انحاء الكون.

إذا غلبت دكونة أو خِفَّة لون بَشَرة على شخص عن شخص آخر فهل هذا يعني  أن شخصاً أفضل من آخر؟ لا بكل تأكيد.  لا علاقة لِصَلاح أو طلاح الإنسان بلون بشرته. الدَّاهِشيّ يُسَلّم بفكرة أن جميع السُّلالات يجب أن تُعامَل بالمساواة. لا يمكن لجماعة أن تُبَرّر استغلالها وسيطرتها على أخرى لمجرد أن لون بشرتها أخف وزناً من غيرها. عندما يقابل داهشيَّاً شخصا ذا لون مختلف فَعَلَيْهِ ألا يُثير في فْكْرِهِ أمْرَ تَفوّق إنسان على آخر؛ فهذا مُنْتهى الحَقارة. الداهِشي يُسَلّم بوجود حُبّ أخوي يشمل شعوب العالَم بأسْره. قد يختلف الرجال والناس في الهيئة الجسديَّة لكن ليس لِأيّ جِنس الحق أن يَسْتَغِل أو يُهَيْمِن على مُعْتَقَد الآخر. إن ما على كل داهِشيّ أن يُسَلّم بِه هو المساواة بين الرجل والمرأة في جميع نواحي الحياة. فما يطبَّق على الرجل يطبَّق على المرأة بالمساواة في أي قانون كان. إنني أجد أمر عدم المساواة بين الجنسين غامض بشكل تامّ. لماذا على امرأة متساوية في الحقوق والواجبات مع الرجل أن تحصل على أجْرٍ متدني كثيراً؟ لماذا على رجل عاد من عمله أن يَحْتسي البيرة ويشاهِد الُتلفاز ويتناول ورقة لقراءتها في حين أن على زوجته التي تتقاضى نفس الأجر أن تقوم بِتحضير الغذاء وغسْل الصُّحون وإيواء الأطفال إلى الفراش؟ لِمَ توجد هذه المعايير المزدوجة عندنا؟ إن الرجال الداهشيون يرون أن النّساء الداهشيات مساويات لهم والعكس صحيح أيضاً.

كل شخص هو في حالةِ تَغَيُّرٍ متواصِل. إن النزاعات اليوميَّة تعمل على إعادة تشكيل سلوكنا وعمليات التَّفكير لَدينا. فَليس إلا من خلال هذه التجارب أننا قادرون على صَقْلِ حواسنا وتجاوز الحالة الراهنة لدينا من الوجود. الحياة مليئة بالتناقضات – نحن منقسمون بين الماديَّة والرُّوحانيَّة، بين ما هو الحق والباطِل. أين نَضَع الخَط الفاصِل؟ تحت أي نِظام عَيش أخْلاقيَّ يُفْتَرَض بِنا أن نَعيش. هل هذا القانون منحوتاً على الحجر؟ كيف ستكون ردَّة فِعْلِ الناس على موقفك حول قضايا معينة؟ إنَّهُ في مواجهة هذه الأسْئلة تكون إستجابة الناس على نحو شَخصِيّ. إنَّ الأمر يَقْتَضي فَهْمَ ضعفاتنا البشريَّة وتنوّعنا.

لن يكون تفاعُل كل داهِشي مُطابِقاً للآخر تحت الشروط نفسها . إن الداهشيّ يتبع القواعِد الأساسيَّة التي تَنصُّ عليها جميع الأديان الكُبرى. ومع ذلك، لا يمكنه/ا  أن يَقِفَ موقفاً أعمى  اتّجاه القوانين التقليدية التي تُعَزّز التَعَصُّب والعنصرية والكراهية والعُنْف. كيف يجب أن نتعامَل مع بَعْضنا البعض؟ يجب أن يكون الداهِشيُّون إنسانيين. يجب أن يشعروا بالتعاطف مع المرضى والفقراء في هذا العالم وتقديم يد العون كلما أمكن ذلك. الداهِشي هو الذي يبكي مع المُعَذَبين ويفرح مع الفرحين.  الدَّاهِشيّون لا يحسدون غيرهم، لأنهم يفهمون أنَّهُم سَيُعطَون كل ما لهم من حيث الثروة، والصحة، والذكاء، والحكمة بنسبة مباشرة حسب ما يستحقون. الداهشيون صادقون عند تعاملهم مع الآخرين، ولا يغمض لهم جفن ليلا إذا كانوا قد ظلموا رَفيقاً.الدَّاهِشيّ لا يَتَرَدَّد عن الصَّفْح، مُمْتَنِعاً عن الغَضَب. الصَّفْح ليس دائماً سهلاً،  ولكن على المدى الطويل هو أسهل بكثير من أن تحْمِل الكراهية في قلبك. الداهِشيَّة ترفض فِكرة العُنْفِ. إن فَرْضَ إرادَتِكَ على الآخرين هو عمل بَرْبَرِيّ وغير إنسانيّ. إنه لِجَميعنا حَق التَّعبير عن أنفسنا بُطِرُق مختَلِفة. لكن اللجوء إلى القوّة الوحشيَّة أمر غير مقبول على الإطلاق.

 

ومن العار والخِزْي عند البشر أن يكونوا غير قادرين على حَلّ خلافاتهم من خلال الحِسّ السَّليم والحِوار. كيف يمكننا أن نواجه أنفسنا عندما نكون قد آذينا غيرنا أو فَرَضْنا إرادتنا عليهم لإثبات وجهة نظر ما؟ لسوء الحَظ إن العُنف يُحيطُ بِنا. أنظر إلى الحروب التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصى التي تخوضها البشرية الآن  وعلى مَرّ العُصور. الاغتيالات السياسية،  والاضطهادات الدينية،  وضَرْب واغتِصاب النساء،  والاعتداء على الأطفال،  وعدد لا يُحْصى من الأعمال الوحشية الأخرى. كيف نتعامل مع الكيانات الحَيَّة الأخرى على الأرض؟ الموارد الطبيعيَّة للداهِشيّ هي من أجل البقاء لا للإساءة إليها. إن الأرض ليست مأوانا فحسب بل مأوى بلايين الكائنات الأخرى التي لا قدرة لها على إيقاف الإستِغلال البشريّ لها. يُدرك الداهِشيُّون أن كِلا من النباتات والحيوانات هي كيانات حيَّة ذات مستويات من الوَعْي. إنهم يعانون مثلنا من الألم والمرض ومن قُوى الطبيعة. عندما نُحْرِقُ الغابات نقتل ملايين من الكائنات الحية. عندما نُلَوّثُ نهر أو مَجْرى  نُسمّم كائنات أُخرى.  الداهشية لديها التعاطف والرحمة لجميع خلق الله، وكذلك الإحترام للأرض الدَّاعِمة لنا حينما نَعيش والتي تحتضن بقاياناعندما نموت. إن طريقة قضائنا على الجهل هي من خلال المعْرِفة. الداهِشيون يُجِدُّون في طلب العِلم ويدرِكون معنى الحاجة لِصَقْلِ رُشْدِهِم.

 

البحث عن المعرفة هو الهدف الأسمى ويُؤدي إلى فهم أفضل لقوانين الطبيعة والإنسانية، و أهمَّها، القيم الروحية.

الداهِشي لا يَدّعي مَعْرِفة كل شيء لأن البشر بعيدون عن، الكَمال.

يتواضُع الداهشيين أكثر وأكثر كُلَّما أصبحوا أكثر دِراية في الأمور الروحانية. ويعتقد الداهشيون في حرية التعبير واحترام وجهات نظر الآخرين، هذا ولو كان الإختلاف صادراً عن أنفُسِهِم.

إذا كنتَ مُتَّفِقاً مع هذه الأفكار فأنت لست بعيداً من أن تكون من الدَّاهِشيين.

نرجو أن لا تَدَعو الإسم يُخيفكم. الداهشية هي رسالة روحية مُوَجَّهة إلى سُكَّان الأرض على أمل أن يتمكنوا من تجاوز التَّحَيُّزات الدينية والعِرْقِيَّة والإثنية، وأن الكثير من مباهِه الحياة إنْ هي إلا أُمور ظاهِرة (سَطْحَيَّة)  لا معنى لها عديمة الفائدة في إغناء النَّفْس.

الداهشية تَدعو لإعادة الإعْمار الدّيني والاجتماعي وتناشد الأفراد لوضع أهمية أكبر على المسائل ذات الأهمية الروحية منها على المادية. على الرغم من أن الأفكار التي أقْتَرَحْتُ تَخْصيصَها هنا يمكن أن توصف بأنها مِثاليَّة، إلَّا أنَّ اعتمادها سيُحدث فَرْقاً حقيقياً في العالم.

الداهشية هي القوة التي نحتاجها لِرَفْعِ وعْيِنا.

كم هو جميل وكم هو رهيب

بِقَلَم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 

كم هو جميلٌ عندما:

يبتسِمُ لك طِفْلٌ فيذوب قلبكَ محبَّة!

يُبادِلُكَ مَن تُحِب حُبّاً حقيقيَّاً.

تُعْطي دون مُقابِل فَتُقابَل بالتَّقدير.

تُساعد أحداً دون أن تسْأل مُقابِلاً أو ثناءً.

يُبادلك أحدهم المُعامَلة الحسَنة.

تَفْرح لِفَرحِ الآخر وتَحْزَن لِحُزْنهِ فيبادلكَ بِنَفْسِ الشُّعور.

تتفَهَّم حُريَّة الآخر ويَتَفَهَّم حُرّيّتكَ.

عندما تَتفهَم وتُقَدّر التَّنَوّعيَّة ويَكِنُّ لكَ العالم بِنَفْسَ الشُّعور.

عندما تَوَدُّ مشاركة كل لحظات حياتكَ مع حبيب/ة فَيَرُدُّ عليك قائلاً: ” كم أنت وَفيِّ”.

 

كم هو رَهيب عندما:

يبتسم لك طِفْلٌ لكنّكَ لا تُبادله بابتِسامة قَلبيَّة.

تُحِبُّ شخصاً في حين أنه لا يُحبّكَ أو يتظاهَر بِمَحبَّتِكَ!

تُعْطي دون مقابِل فيعْتَبِرُك المُتَلَقّي مَعْتوهاً ويَسْتَمر بإسْتِغلال طيبَتِكَ.

تُساعِد شخصاً فيرد عليك بالطَّعْن في الظَّهر.

تُعامِل أحداً بإحْتِرام فيُقابلُكَ بالإهانة والتَّحْقير.

تَفْرَح لِفَرح آخر وتَحْزَن لِمُصيبَتِهِ في حين أن مُصيبتك هي سعادته وسعادتكَ هي مُصيبتهُ.

عندما تَحْتَرم حُريَّة الآخر في حين هَمَّهُ هو إضلالَكَ.

تَحْترم حُريَّة الآخرين في حين يكون مبتغاهم تحطيمكَ.

عندما تحتَرم التَّنوّعيَّة في حين أن كثيرين في العالَم يستخدمونها لوضع الموانِع بينهُم.

تُريد أن تُشاركَ كل لَحظة من حياتك مع حبيب/ة فَيُجيبك قائلاً: “كم أنت أنانيّ”.

 

 

 

 

خلاص الإنسان في وحدة الأديان

إن فكرة وحدة الأديان وتوحيد جوهر الرسالات الروحية, التي دعت إليها الرسالة الداهشية، ليست نظرية فلسفية أو هدفاً ماورائياً، انها دعوةٌ تطبيقية جذرية في تفكير الإنسان ومبدأ أخلاقي يحتاج إلى مجهود جبار تتغلب فيه النفس على فكرة الأنا و فكرة الجماعة، وتحطم أسس التعصب والطائفية التي تغلغلت في النفس البشرية عبر الأحقاب والأدهار، فأصبحت جزءًا متوارثاً من جيل إلى جيل، وسرطاناً ينخر الروح قبل الجسد، ويقتل الأمل والمستقبل قبل الحاضر والماضي.

إن وحدة الأديان الجوهرية هي نهضةٌ روحية جبارة، هي بذرةٌ إلهية مقدسة، تربتها قلب الإنسان وفكره، وهوائها التحرر الفكري، ومائها الإيمان بالحقيقة المطلقة التي لا تتجزء، وشمسها اللاأنانية والتواضع الكلي أمام حكمة الخالق، وثمرتها هي الراحة النفسية والطمأنينة الروحية والشعور بوحدة طاهرة مع الخالق ومع الجميع دون إستثناء بغض النظر عن العرق أو ألدين أو الجنس، وتتعداها الى كل الكائنات من حيوان ونبات وجماد.

هذه النهضة الروحية قوامها الوعي الحقيقي، ظاهرها بسيط ولكن حقيقتها عميقة وعظيمة. فالساعي إلى الوحدة الروحية الدينية، إن كان مسلماً يقرأ قرآنه ويفهم جوهره بتجرد ودون ضغط أو تقاليد المجتمع والماضي، ثم ينطلق منه لقراءة الإنجيل وفهم جوهر ألدين المسيحي وأخذ العبر منه، كما يقرأ التوراة وقصص الأنبياء مستشفاً منها رحمة الله وعدله، كما يفهم تعاليم الهداة والمصلحين، فيقرأ الغيتا، وحقائق بوذا النبيلة المقدسة، كما لا يتوانى كلما سنحت الفرصة إلى التقرب من أفكار كنفوشيوس ولاو تسو وغيرهم، كما يقرأ حياة العظماء الذين كانوا نبراساً للبشرية عبر التاريخ مثل سقراط وغاندي وجبران خليل جبران وسواهم.

وكذلك المؤمنون بباقي الأديان يسيرون على ذات الطريق والمسار هادفين إلى التنور وفهم حقائق الرسالات والأفكار التي أنارت ظلمات البشرية الحزينة عبر الأزمان.

عندها، يصل المؤمن إلى جوهر الديانات والرسالات الروحية، فيرى بأم عينه أن هدفها واحد ومرسلها واحد. ويلمس جوهرها بروحه التي ارتوت من الحقائق الروحية مهما كان مصدرها، فيرى في الأديان نوافذ إلى الله،جل جلاله، ويعي في فكره وعيه أن جميع الأديان جذوع من شجرة واحدة، هي شجرة الله المقدسة التي لا تنتمي الى دين أو طائفة، بل إلى ألحق والمحبة والتآخي.

عندها فقط، يؤمن الجميع , كما قال الدكتور داهش، أن طريق الله في قلب كل إنسان; فليس من شعب الله المختار، ولا من خير أمةٍ أخرجت للناس، ولا لمن لا يخلص إلا بطريقٍ واحد. فالجميع سواسية أمام الخالق، وما يجمع البشرية وأعمق مما يفرقها.

عندها فقط تتلاشى الأحقاد وتفنى الحروب الدينية والطائفية، لأنه عندها يعرف البشر أن الأديان في جوهرها واحد، فيتآخون على محبة الله ومحبة بعضهم بعض.

هذا جل وجوهر ما تدعو إلى الداهشية. هذه الرسالة الروحية لم تظهر لتزيد على الأديان دين، بل أتت لتوحد الأديان تحت راية الله والحقيقة. 

تعريف

تعريف

نحن مجموعة من الأفراد من جميع مناحي الحياة مُنْتَشِرة في جميع أنحاء العالم، ومِمَّن كان لها شرف التعرف إلى الدَّاهشية. كان للبعض منا فرصة أن نكون مع الدكتور داهش؛ أن نشهد معجزاته، وأن نسافر معه، وأن نعيش معه، وأن نستمع إلى حكمته. وعلى الرغم من عدم تمكُّن البعض مِنَّا من نَيْلِ شَرَف الاجتماع بِشخص  الدكتور داهِش ، نظرا لِعامِل كِبر السّن أو لأي ظَرْفٍ آخَر، إلا أن إيماننا به وبِدَعْوَتِهِ ما زالت قَويَّة. فكلمات السيّد المسيح الباعِثة على الإطمِئنان تُذَكّرنا  قائلةً: “… طوبى لِلذين آمنوا ولم يروا . يوحنا 20:29

إن كان لديكم أي سؤال أو تعليق حول هذه المدوَّنة أو داهِش أو الداهِشيَّة يرجى الضغط على  زر “اتصل بنا”.

 

شكراً لزيارتكم مدونتنا ونأمل زيارتنا مرة أخرى قريبا.

 

للإتصال بِنا:

 

info@daheshism.com

دفاعاً عن الداهشيَّة

دِفاعاً عن الداهِشيَّة 

 

الداهشية هي رسالة أمل وسلام وفوق ذلك محبَّة أخويَّة.

إنها رسالة سماويَّة وقفت ضِدَّ كل تطَرّفّ دينيّ وسياسيّ متحديّة كل التعاليم التي تحاول زرع بذوره في عقول أنقياء العقول وأبرياء النَّفْس وهادمة كُل سلاسل التَّمييز العُنْصُريّ الدّينيّ والجِنسيّ والسّياسيّ.

 

إنّه لَمِن دواعي الشَّرَف والّسرور لنا كَداهِشِيين أن ننشُر تعاليم هذه الرّسالة السَّماويَّة المجيدة، الدَّاهِشيَّة، في أي مكان تَسْمح به عين عناية الله السَّاهِرة حيث يتم ذلك الإجتماع الرُّوحيّ إنَّها لَبَركة عظيمة.

 

من المهم جِدَّاً أن نُلْقي الضوء على قضيَّة اجتماعيَّة مُهَدّدَة للمجتَمع وهيس في مواجهة مستَمِرَّة لها؛ ألا وهي بروز الحركات الدّينيَّة المتشَدّدة التي تَتَخَفَّى تحت سِتار الدّين.

أحدها يُسَمّى “داعِش” وهو اختصار لكلمة ” الدولة الإسلاميَّة في العراق والشَّام” حيث يتم خلط هذا الإسم واسم نبيّنا الحبيب الدكتور داهش والمشتَقّ من الدَّهشة الذي يُشير إلى معنى الرَّوعة والعَجَب والإذهال. فتللتَشابُه الحاصِل في نُطق الكلمات يحدو الأمر بالقارِئ إلى الظَّن بأن الإسمَين مرتبطان ببعضه البعض. لكن لا شيء يمكن أن يكون أبعد من الحقيقة، فالداهشية هي حركة روحية سامية ودين تنوير هدفها الرئيسي هو إعادة الإنسانية إلى الإيمان  بالخالق من خلال تعاليم سماوية يقبلها العقل بالمنطق الدامِغ المُؤَكّد والمُثَبذت للحقائق العلمية وليس من خلال العنف والجهل. فرسالتنا السَّماويَّة لا يمكن أن تلتقي على طريق واحدة مع الحركات الأصوليَّة السياسيّة لِعِدَّة أسباب أهمّها:

 

  1. يؤمن الدَّاهِشيون بوجود أنظمة روحيَّة عادلة تسود أرجاء الكون وتؤمن بحقيقة التَّقمّص التي يُسْمح من خلالها للكائنات إلإنتقال إمّا إلى كواكب ذات درجات رفيعة أو كواكب ذات دركات جحيميَّة وذلك بحسب استحقاق الفَرْد بِنِسْبة أعماله.
  2. تؤمن الدَّاهِشِيَّة بوجود السيَّالات الرُّوحيَّة التي تربط العالم الماديّ بالعالم الرُّوحيّ، وهي تُعْتَبَر امتدادات لعالم الرّوح الذي لا يشوبه أي شائبة ماديَّة وموجودة على مستويات ودرجات متفاوتة منها العلويَّة أو الفردوسيَّة ومنها السُّفْليَّة أو الجحيميَّة؛ وهي مُتَمَثّلة بالمادَّة التي نراها بالعين المجرَّدة. إذن هي مسؤولة عن وجود الحياة في البشَر والنبات والجماد و الكواكب؛ إذن يعتَبَر السيال قوة جامعة تربط كل ما هو مادّي، معلوماً كان أم مجهولاً، مرئيَّاً كان أم غير مَرْئيّ،  وقد ورد مصطلح “السَّيال” بإلهام إلهي للأديب العظيم جبران خليل جبران رحمه الله وقد تمّ تَفسيره من قبل مؤسس الرّسالة الداهِشيَّة  التي بدأت بوحي إلهي في 23-3-1942
  3. تؤمن الدَّاهشيَّة بوحدة الأديان؛ أي أن أصلها واحِد؛ إذن هي سُبُلٌ مختَلِفة تؤدّي إلى الوصول إلى تعاليم الخالِق السَّماويَّة عَزَّ وجَلّ فهي سُبُل تنويريَّة على درجات و مستويات روحيَّة مُتبايِنة. وبخلاف الأديان السماويَّة الثلاثة تقر الدَّاهشيّة بالديانة البوذية كدين مؤسّس من قِبَلِ هادٍ وقائد روحيّ عظيم ألا وهو بوذا الحكيم. ومن المؤسِف والمُخْزي أن يشهد الإنسان دمار تراث عالمي ومعابد وآثار بوذيَّة وغيرها مِمَّا يمت للحضارة والإنسايَّة بِصِلة.

أخيراً وليس آخِراً، تضُمّ الرسالة الداهشيَّة نخبة من أرقى المثقّفين والأطباء كالدكتور جورج خبصا  والدكتور فريد ابو سليمان رحمهما والله وغيرهم. لقد آمنوا من أعماق قلوبهم بحقيقة الدعوة الروحيَّة السَّامية لما رأوه من معجزات ومنطق يخشع لبراهينه الدامِغة العَقل. لقد رأوا في الدكتور داهِش رجل الله الذي ثَبَّتهُم في معتقدهم الدّيني بواسطة معجزات تمَّت على يديه بواسطة الروح، الأمر الذي دفع بأعدائهم الجَهَلة إلى اضطهادهم وتعذيبهم اشَدَّ تعذيب.

 

لكن بعيد اندلاع الحرب اللبنانيَّة تم اختيار الولايات المتحدة الأمريكيَّة كمكان انطلاق جديد للدعوة الخالدة.

 

آملين وضارِعين إلى الله تعالى أن تنتشِر القيم الروحيَّة بالعدالة والمحبَّة الأخويَّة وحُريَّة المعتَقَد في العالم أجمع آمين.

 

بقلم يوسف سلامة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأول من يونيو 2016

بمناسبة عيد مولد الدكتور داهِش.
ألقِيَتْ في 1-6-2016

بِقَلَم يوسف قبلان سلامة

لِنَبيّ السماء تهتِفُ أرواحنا
ولِكلمة اسمه نُرَنّمُ أناشيدنا

بألسِنَة نارٍ شَعَّتْ مواهبنا
شَعَّتْ لإسم داهِشَ غاراً وياسمينا

غاراً، إكليلَ مجدٍ نُقَدّمهُ موطِئاً لِقَدَمَيْه
وهو للسّماءِ إكليلٌ وتاجُ عِزّ لأخْمَصَيْه

فهو رَمْزٌ وحَقٌّ قبل الكُل صُوّرَ شعاعاً
وكلمة تَغْزِلُ رايات النصر للكون يراعاً

يراعاً من تِبْرِ البقاءِ الفردوسيّ في قُلوب
خُتِنَتْ وشماً يُحاكي السماء وسط القلوب
ملائكة وسلاطين خَضَعَتْ لِسيرة مجدِهِ
والأعداء للسّبْيِ صاروا سِلْسِلَةَ عهْدهِ

فَمَنْ ذا الذي يُقَدّرهُ حَقّ قدْره
ومن هو في كفاءَةٍ لِحِزامِ مويسقى ضَرْبِ وتَرِه
شيوخٌ في السماءِ تشدو لإسمِهِوالشاطين في السماءِ كَذَّبَتْ عَدَمهِ

فَمِن رَقَمِ مكانِ رَبّ الطّغامِ سَيَفْنى وبالخسارةِ يُمْنى
كُلّ مسْتَبِدّ وطاغٍ وبيمينِ مُهَنّدِ الرُّوحِ سيذوب ويَفْنى

وكأحجارِ النَّرْدِ سيرفعون وجوههم الدَّهشى
اعْتِرافاً بسيّدِ الخَلْقِ والمسيح وموسى وداهِشا

فَلِجوجَ وماجوج جاءوا باتصارٍ ورؤيا
هي وحْيٌ كُلّلَ بداهِشَ سيّد الكونِ يرويهِ رَيَّاً

الدكتور داهِش

الدكتور داهِش

لقد ترك الدكتور داهِش، الهادي الحبيب، إرثاً أدبيّاً عظيماً لا نظير له؛ هو حقائق روحيّة مدعومة ببراهين ملموسة، ينال الخلاص الرّوحي كل من عمل وآمَنَ بِها. لقد نُعِت الهادي الحبيب(الدكتور داهِش) بالمُضطهد الأوّل لِما ناله مِن عذاب نفسيّ وجَسَديّ يَعْجَز القَلَم عن تفصيل احداثِه و تنفَلِق الحِجارة لِهولِها لكنّه انتصر بِقوّة الله تعالى  مُتَخَطياً جميع العَقَبات الكأداء وانتصرت تعاليمه في قلوب المُؤمِنين الذين نالهم من الإضطهاد الأمرّين. ويُحُق لنا إذ ذاك أن نهتِف مع النّبي داوود قائلين: “رَنّموا للعَليّ، وتغنّوا بِصُنع يَدَيْه، احمدوه يا  بني الأرض. سَبّحوه  يا جميع ملائكة السّماء. وبارِكي اسمه، يا ايّتها الكواكِب التي لا يحصيك عَدّ. واخشعي لأنوارِه الإلهيّة، أيّتها الشّمس البَهيّة.”

ولذلك لا يمكننا إلا أن نُرَدّد كلمات الدكتور داهِش بِقلب مُتَخَشّع هذه الكلمات المُؤثّرة:  التي تُبكي الصّخور الصّلدة: ” رَبّي، قوّني واعدني وسَدّد خطواتي نحو الفضيلة، إنزِع من أعماقي الميول الوضيعة الدّنيئة، ولا تَدَعْني أسير الشّهوات الدنيويّة، نَقّ قَلبي، يا الله و طَهّر روحي، ودَعْني اسمو بِنَفسي الكَئيبة، أقِل عثرتي، ولا تَدَعْني فريسة للذّنوب الرّهيبة، طَهّرْني، يا الله، و دَعْني أتفيّأ جَناتِكَ الظّليلة.”

كانت هذه الكلمات عوناً لنا في الضيقات و الضّعفات الجسديّة التي حارَبَها دون كِلال أو هوادة دوّنتها الأسفار و لاكتها ألْسُن النّاس. وعلى قيثارته سَبَكَ كلِمات سيف الرّوح اللاهِب فإذا بِها منارة تُنير ضمير كل من اهتدى و تَفيّأ ظِلها في جحيم الأرض، طالِبا بِقلب التّسامح الكبير من الرحمة الإلهيّة أن ترحم أعداءه ، مُوَقّعاً إيّاها بكلماتهِ النوريّة الرّائعة قائلاً: “ألطف بعبيدك الذين ضَلّوا الطريق القويم، وابعِد عنهم الرّزايا، وأشِح عنهم البلايا،وقَوّهِم، وسدد خطواتِهم، و أزِل القلق عنهم، و دع الطمنينة تقطن أعماقهم، و قُدْ خطواتهم إلى سواء السّبيل، وأغفِر لهم آثامهم فأنت الغفور الرّحيم.”

تُرى ألا تُذكرنا هذه الكلمات بِصرخة السيّد المسيح عليه السّلام ” إغفِر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”؟

ثم يتابِع الهادي الحبيب جولته على هذه الأرض التي اختبَرَها منذ نعومة أظفارِه ناعِتاً إيّاها بأرض البُؤس و الشّقاء، مُقِرّاً ومعترِفاً بالضّعف الجسدي لمن آمن به إيمانه بِقوّة الباري قائلاً: أنا ضعيف كل الضّعف يا الله، ومِنك أستَمِدّ قوّتي.”

فبِإيمانه العظيم بالله جاب بِسفينته أموج التجارِب المُرعبة الأهوال، سابِراً غورها حتى وصل إعماق الجحيم، مُنذِراً قاطِنيه بصوت رَددت أصداءه عناصر الكون، مزلزلة أبواب الجحيم مُنذرة بالقول: إن عين العناية الإلهية التي أمرت باتباع الفضيلة و الإبتعاد عن الرّذيلة لن تصبِر كثيراً حتى تأتي بالضربة القاصِمة، فهل يرعوي البشر عن فحشِهم وإلحادِهم قبل أن ينتهوا إلى مصيرهم المُرعِب.”

لكنه لم يًغادِر أركان الجحيم دون أن ينازِل رب الطّغام لتَصِلْ كلماته المُزَلْزِلة إلى أذُنيه بدوي ملائكي راعِد مخيف مُرددة: “المال يُنيلُك كل ما تطمح إليه نفسك، ولكنه عاجِز عن إنالتك الرّاحة النّفسيّة، و السعادة الروحيّة.”

وبعد انتصاره العظيم هذا يجوب البلاء هذه حاملاً بيده مشعل الإيمان والخلاص الناريين، لتُحفر لسعاته الشافية في صخور الكون، ناحتة ببساطة الإيمان و بِسيف الكلمة الكلمات التالية ” إعمل خيراً واعضد المساكين، تًحصُلْ على السّعادة.”

فاجتمعت حوله مخلوقات الكون قاطِبة مُعاينة آثار آلامه الجسديّة، وبِاندهاش خاشِعة لله مُرتمية حوله سائلين إيّاه عن طريق السّماء، فنَهَرَهُم عن السّجود له قائلاً :” طريق السّماء في قلبكم و قَلْب كل شخص يحيا على هذه الأرض فبِعملكُم الصّلاح تظهر لكم طريق السّماء واضِحةً.”

وبِذلك نال السّامعين عِبْرَة فنهضوا و جعلوه إمامهم، و رئيس كهنتهم، وخشعوا مَعَه لله عَزّ و جَل وحْدَه.

وفجأة سُمِع صوت بوق عظيم مُنذِرا ببدء طريق الآلام و التجارِب الجسديّة، وإذا بصوت النبي يَطغى على عناصِر الكون قاطِبة ليُعْلِن أن الجِهاد والإستشهاد في سبيل الدّاهشيّة معناها الولوج إلى الجَنّة الدّائمة النّعيم، والتمَتّع بمباهجها السّرمديّة الفِتنة و الجمال.”

فأمسكوا بأسلحتهم ليُشهِروها إذ تحوّلَت إلى أجسام نورية ذات بريق حاديهدي سبيل المؤمنين، ويعمي أعداءه، وإذا بالأنوار تجتَمِع مُكَوّنة حروفاً غريبة، وإذا بِهم يتساءلون عن المعنى، والبعض الآخر يبكي بشمرارة لِعدم استطاعته حَل شيفرة تلك الكلمات. وإذا بالدكتور داهِش يُفسّرها قائلاً: “لتكن أعمالنا مُتّجهة للخير والحق و الفضيلة فهذا خير لنا لِعالمنا الآخر.”

لكنهم بكوا أيضاً لأن المادّة المادّة التي كانت بين أيديهم قد انقلبت إلى روحيّة نورية، فخافوا الجوع الكافِر؛ إذ لن يستطيعوا تناول أيّ شيء.

فصرخ الهادي بِهِم قائلاً: ” الدّاهِشيّة رأس مالها رجال مُخلِصون في دعوتهم، مؤمِنون بِعقيدتهم. وسبيلها النّضال المتصل الحلقات ضِد الحُكّام الجائرون.”

و للحال بَرَزَت أمامهم طريق ممتَدّة نحو السّماء، فساروا فيها كالنّجوم و الكواكِب المُضيئة، لِتُفْتَح أمامهم كنوز سماويّة أبديّة لا يُفسِدها سوس و لا صَدَأ ، جواهر يعجز القلَم عن وصفِها. ثُم فجأة، التَفَت الهادي الحبيب من عَليائه مُلقياً نظرة المنتصِر المُستبشِر، وقد بدت عيناه في وجه كل مخلوق خارِقة الحُجُب النّفسيّة، مُسَطّرة الكلمات التّالية: ” ألا لِيَعْلَم أبناء الرض الغارِقون بالمعاصي ألمُطَوّقة إيّاهم حتّى النّواصي بأنه توجَد عين إلهيّة مراقِبة تُحصي على مخلوقات العوالِم بأكملِها كُلّ كبيرة وصغيرة مهما دَقّت و ضَؤلَت. وليتأكّد أبناء الأرض والعوالِم المعروفة والمجهولة بأن ساعة الحِساب آتية وبِسُرعة خاطِفة.”

ثُم أغلِق الباب ولم يجسُر أحد أن يَدخُل في ذلك الحين. وإذا بكلماته تُطَوّقُ الأرض كطوق حديديّ، كسيف نقمة جَبّار، وإذا بِها سِفْرٌ مفتوح! وأبرقت السّماء وأرْعَدَت.

بِقلم يوسف قبلان سلامة

27-6-2013

السّاعة 2:26 بعد الظّهر.

الرسالة الداهشية

الدكتور داهِش

لقد ترك الدكتور داهِش، الهادي الحبيب، إرثاً أدبيّاً عظيماً لا نظير له؛ هو حقائق روحيّة مدعومة ببراهين ملموسة، ينال الخلاص الرّوحي كل من عمل وآمَنَ بِها. لقد نُعِت الهادي الحبيب(الدكتور داهِش) بالمُضطهد الأوّل لِما ناله مِن عذاب نفسيّ وجَسَديّ يَعْجَز القَلَم عن تفصيل احداثِه و تنفَلِق الحِجارة لِهولِها لكنّه انتصر بِقوّة الله تعالى  مُتَخَطياً جميع العَقَبات الكأداء وانتصرت تعاليمه في قلوب المُؤمِنين الذين نالهم من الإضطهاد الأمرّين. ويُحُق لنا إذ ذاك أن نهتِف مع النّبي داوود قائلين: “رَنّموا للعَليّ، وتغنّوا بِصُنع يَدَيْه، احمدوه يا  بني الأرض. سَبّحوه  يا جميع ملائكة السّماء. وبارِكي اسمه، يا ايّتها الكواكِب التي لا يحصيك عَدّ. واخشعي لأنوارِه الإلهيّة، أيّتها الشّمس البَهيّة.”

ولذلك لا يمكننا إلا أن نُرَدّد كلمات الدكتور داهِش بِقلب مُتَخَشّع هذه الكلمات المُؤثّرة:  التي تُبكي الصّخور الصّلدة: ” رَبّي، قوّني واعدني وسَدّد خطواتي نحو الفضيلة، إنزِع من أعماقي الميول الوضيعة الدّنيئة، ولا تَدَعْني أسير الشّهوات الدنيويّة، نَقّ قَلبي، يا الله و طَهّر روحي، ودَعْني اسمو بِنَفسي الكَئيبة، أقِل عثرتي، ولا تَدَعْني فريسة للذّنوب الرّهيبة، طَهّرْني، يا الله، و دَعْني أتفيّأ جَناتِكَ الظّليلة.”

كانت هذه الكلمات عوناً لنا في الضيقات و الضّعفات الجسديّة التي حارَبَها دون كِلال أو هوادة دوّنتها الأسفار و لاكتها ألْسُن النّاس. وعلى قيثارته سَبَكَ كلِمات سيف الرّوح اللاهِب فإذا بِها منارة تُنير ضمير كل من اهتدى و تَفيّأ ظِلها في جحيم الأرض، طالِبا بِقلب التّسامح الكبير من الرحمة الإلهيّة أن ترحم أعداءه ، مُوَقّعاً إيّاها بكلماتهِ النوريّة الرّائعة قائلاً: “ألطف بعبيدك الذين ضَلّوا الطريق القويم، وابعِد عنهم الرّزايا، وأشِح عنهم البلايا،وقَوّهِم، وسدد خطواتِهم، و أزِل القلق عنهم، و دع الطمنينة تقطن أعماقهم، و قُدْ خطواتهم إلى سواء السّبيل، وأغفِر لهم آثامهم فأنت الغفور الرّحيم.”

تُرى ألا تُذكرنا هذه الكلمات بِصرخة السيّد المسيح عليه السّلام ” إغفِر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”؟

ثم يتابِع الهادي الحبيب جولته على هذه الأرض التي اختبَرَها منذ نعومة أظفارِه ناعِتاً إيّاها بأرض البُؤس و الشّقاء، مُقِرّاً ومعترِفاً بالضّعف الجسدي لمن آمن به إيمانه بِقوّة الباري قائلاً: أنا ضعيف كل الضّعف يا الله، ومِنك أستَمِدّ قوّتي.”

فبِإيمانه العظيم بالله جاب بِسفينته أموج التجارِب المُرعبة الأهوال، سابِراً غورها حتى وصل إعماق الجحيم، مُنذِراً قاطِنيه بصوت رَددت أصداءه عناصر الكون، مزلزلة أبواب الجحيم مُنذرة بالقول: إن عين العناية الإلهية التي أمرت باتباع الفضيلة و الإبتعاد عن الرّذيلة لن تصبِر كثيراً حتى تأتي بالضربة القاصِمة، فهل يرعوي البشر عن فحشِهم وإلحادِهم قبل أن ينتهوا إلى مصيرهم المُرعِب.”

لكنه لم يًغادِر أركان الجحيم دون أن ينازِل رب الطّغام لتَصِلْ كلماته المُزَلْزِلة إلى أذُنيه بدوي ملائكي راعِد مخيف مُرددة: “المال يُنيلُك كل ما تطمح إليه نفسك، ولكنه عاجِز عن إنالتك الرّاحة النّفسيّة، و السعادة الروحيّة.”

وبعد انتصاره العظيم هذا يجوب البلاء هذه حاملاً بيده مشعل الإيمان والخلاص الناريين، لتُحفر لسعاته الشافية في صخور الكون، ناحتة ببساطة الإيمان و بِسيف الكلمة الكلمات التالية ” إعمل خيراً واعضد المساكين، تًحصُلْ على السّعادة.”

فاجتمعت حوله مخلوقات الكون قاطِبة مُعاينة آثار آلامه الجسديّة، وبِاندهاش خاشِعة لله مُرتمية حوله سائلين إيّاه عن طريق السّماء، فنَهَرَهُم عن السّجود له قائلاً :” طريق السّماء في قلبكم و قَلْب كل شخص يحيا على هذه الأرض فبِعملكُم الصّلاح تظهر لكم طريق السّماء واضِحةً.”

وبِذلك نال السّامعين عِبْرَة فنهضوا و جعلوه إمامهم، و رئيس كهنتهم، وخشعوا مَعَه لله عَزّ و جَل وحْدَه.

وفجأة سُمِع صوت بوق عظيم مُنذِرا ببدء طريق الآلام و التجارِب الجسديّة، وإذا بصوت النبي يَطغى على عناصِر الكون قاطِبة ليُعْلِن أن الجِهاد والإستشهاد في سبيل الدّاهشيّة معناها الولوج إلى الجَنّة الدّائمة النّعيم، والتمَتّع بمباهجها السّرمديّة الفِتنة و الجمال.”

فأمسكوا بأسلحتهم ليُشهِروها إذ تحوّلَت إلى أجسام نورية ذات بريق حاديهدي سبيل المؤمنين، ويعمي أعداءه، وإذا بالأنوار تجتَمِع مُكَوّنة حروفاً غريبة، وإذا بِهم يتساءلون عن المعنى، والبعض الآخر يبكي بشمرارة لِعدم استطاعته حَل شيفرة تلك الكلمات. وإذا بالدكتور داهِش يُفسّرها قائلاً: “لتكن أعمالنا مُتّجهة للخير والحق و الفضيلة فهذا خير لنا لِعالمنا الآخر.”

لكنهم بكوا أيضاً لأن المادّة المادّة التي كانت بين أيديهم قد انقلبت إلى روحيّة نورية، فخافوا الجوع الكافِر؛ إذ لن يستطيعوا تناول أيّ شيء.

فصرخ الهادي بِهِم قائلاً: ” الدّاهِشيّة رأس مالها رجال مُخلِصون في دعوتهم، مؤمِنون بِعقيدتهم. وسبيلها النّضال المتصل الحلقات ضِد الحُكّام الجائرون.”

و للحال بَرَزَت أمامهم طريق ممتَدّة نحو السّماء، فساروا فيها كالنّجوم و الكواكِب المُضيئة، لِتُفْتَح أمامهم كنوز سماويّة أبديّة لا يُفسِدها سوس و لا صَدَأ ، جواهر يعجز القلَم عن وصفِها. ثُم فجأة، التَفَت الهادي الحبيب من عَليائه مُلقياً نظرة المنتصِر المُستبشِر، وقد بدت عيناه في وجه كل مخلوق خارِقة الحُجُب النّفسيّة، مُسَطّرة الكلمات التّالية: ” ألا لِيَعْلَم أبناء الرض الغارِقون بالمعاصي ألمُطَوّقة إيّاهم حتّى النّواصي بأنه توجَد عين إلهيّة مراقِبة تُحصي على مخلوقات العوالِم بأكملِها كُلّ كبيرة وصغيرة مهما دَقّت و ضَؤلَت. وليتأكّد أبناء الأرض والعوالِم المعروفة والمجهولة بأن ساعة الحِساب آتية وبِسُرعة خاطِفة.”

ثُم أغلِق الباب ولم يجسُر أحد أن يَدخُل في ذلك الحين. وإذا بكلماته تُطَوّقُ الأرض كطوق حديديّ، كسيف نقمة جَبّار، وإذا بِها سِفْرٌ مفتوح! وأبرقت السّماء وأرْعَدَت.

بِقلم يوسف قبلان سلامة

27-6-2013

السّاعة 2:26 بعد الظّهر.