الطريق القويم
بِقَلَم يوسف سلامة
قال الدكتور داهِش: ليس من يَكْتُب لِلَّهو كَمَنْ يَكْتُبُ للحقيقةِ.
وقال أيضاً: أحِبُّ الكتب حُبّ السَّكارى للخَمْر، لكن كُلَّما شَربتُ منها أكْثَر زادَتْني صَحْواً.
أخوَتي الأعِزَّاء،
لَقَد جاء النّبِيّ الحبيب الهادي مِثالاً للبشَرِيّة في الإخلاص بِتطبيقه التّعاليم السَّماوِيَّة كُلّ الـتّطبيق؛ فلم يجِد فيه أعدائِه أيَّ عِلَّة تستوجب الحُكم عليه، فساقوه بعد الإضطهاد المرير إلى الموت. أجل، هذه كانت غايَتهُم، أمَّا أسبابها فقد أوضحْناها في إيجاز في الكَلِمَة السَّابِقة، ومَدَّها عائد إلى تقَمّصات سابِقة كان يضمرون خلالها الشَّر له.
كان الدكتور داهِش نَبِيَّا لم تشْهَد البَشَرِيَّة َظيراً له. مُعْجزاته التي أجراها الروح العَلِيّ كانت شاهِدة على ما حدث، والكُتُب التي خَطَّها أصْدق أدباء القرن العشرين كانت خير شاهِد ولَم تَزَلْ.
إن الكمال المُطْلَق هو لله تعالى وحدهُ. كان الدكتور داهِش نبيَّاً وهادٍ ورسولاً للعالَم أجمع. كلمته الخلاصيَة وجِدَتْ لِتُذاع في العالَم أجمَع. قد يسأل سائل: لِماذا؟ فالأديان موجودة وهي تدعو إلى الفضيلة والعودة إلى المبادِئ السماوِيَّة.
لكن، تقِف الداهِشِيَّة هنا موقِف الفَصْل في هذا الكلام، وإنْ كان عَسير القبول عند البعض، في وقت مُعَيَّن. خُلاصَة القول حول هذه النُّقْطَة هو أن الأديان السماوِيَّة جاءَت لِتَقويم الإنحراف المُسْتَشري في البشَرِيَّة إلى الطريق القويم. الطريق القويم هو أنَّنا سَقطنا في تجارِب الحياة بِعصيان الله، فكانت النتيجة وجودنا على كوكب الأرْض. إنَّ هدفنا هو إصلاح ما انْكسَر وانْدَثَر، أعني أنّ علينا العودة مُجَدّدَاً بالتأمُّل في أنفسنا وفهمها فهما دقيقاً، من أجْل العودة من حيث سَقطنا؛ إلى وطن أسمى، تعيش فيه الفضيلة والطّهارة ليس إلَّا. إن ما نراه في عالمنا من بهارِج المادَّة إنْ هو إلا وَهم؛ وهم بكل معنى الكلمة. وكما صَرَّح الدكتور داهِش فيما معناه الناس نيام، تأتي الصَّحْوَة عند الموت. لقد رزقنا الله كُل ما من شأنه راحة النَّفس لكن، ما ذلك إلا رحمة منه لِمساعدتنا الإنسان على تَحَمّل شقاء العيش من جِهَة، والتّعَلّم وإيقاظ الضّمير من خلال التّجارِب المريرة؛ كامتِحان الصَّبر الذي اسمى امتحان، ومن خلاله يُخْتَبَر الإنسان في المحبَّة القلبِيَّة اتّجاه أخيه الإنسان.
سَمَح الله تعالى للإنسان بأن يُزَوَّد بِسيَّالات راقِيَّة تُمَكِنّه من فَهم أنَّهُ إنسان واعٍ، يمكنه الإبداع وإدراك قبس من الحقيقة التي هي الله تعالى. هذه السيّالات الراقِيّة هي المواهِب التي إذا ما اسْتخدمها كان عوناً لِنَفْسه وللآخرين في تَلَمُّس طريق النور والهِدايَة السّماوِيَّة التي لا يستطيع أيّ مخلوق وصف ولو جزء بسيط من جمالها وروعتها الأبديَّة. لقد سقط الإنسان من تلك العوالم بسبب عصيانهِ الأوامِر الإلهِيَّة، لكن بِنِعْمَة التَّقَمّص التي أوجدها الله تعالى منذ تكوين الخليقَة بِأسْرِها ، وَالتي هي رحمة الله الوحيدة كما قال الدكتور داهِش، كان الأمَل بالخلاص من خلال تحسين أعمالنا عبر دورات التقمّص؛ فبالإجمال، لا شيء إلا بإرادَة المخلوق وعِنايَة الخالق . وكما ذَكرْنا سابِقاً، الله عَزّ وَجل منح الإنسان كُل شيء، لكن وِفْقَ قانونٍ سماوِيّ واخْتِبارات روحِيَّة قاسية، فإذا اجْتازها، تمَكَّن إذ ذاك من تحرير نفسه من قيود المادَّة الأرْضِيَّة وسما بسيَّالاتهِ نحو عوالم الفردوس العلوِيَّة حيث الجمال المنشود، وحيث هدف رحلتنا الأرضيَّة بل هَدَف وجودنا، وهوَ الإندماج بالخالِق بعد التجارِب الكثيرة جِدا والرهيبة والتي ننتصِر فيها بإرادتنا، إذ لا سُلطان لِمخلوق أو أي كائن على آخر؛ هكذا اقتضَت مشيئة الله المُدَبِّرة بِكُل حِكمة بِسَماح وحريَّة للملائكة وجميع الكائنات. كلّ وِفق قانون سماوِيّ صارِم.
إن الداهِشِيَّة بِخلاف التيَّارات الدينيَّة اليوم، تنادي بِوحدة الأديان، حيث يصبح الكُل واحِداً في الإيمان والإنسانيَّة والفِكر الواحد حيث الإيمان بوجود الخالِق جَلّ جلالهُ. ومن هنا، نأتي عند مُنطَلَق، جديد، أو إذا صَحّ التعبير، مُنطَلَق آخر، وهو أن نِضالنا ما عاد ضِد دين آخر أو طائفة أخرى، أو أبناء شعب آخر، بَل ضِدّ الإستبداد والتَّجَبُّر والتَّعَصُّب في النَّفْس. إنَّهُ ضِدّ عمل الشّر في احتقار الغير؛ فالإحتقار يجب أن يكون مُوَجَّهاً ضِدَّ (عَمَل) الرّذيلَة لا الإنسان نفسهُ. السيَّال الشرير الذي يوسوس في نفس الإنسان، فَهو أي السيَّال الشّرير أو القوى السّفْلِيَّة تكون المحتقَرة والمُنحَطة، لا الإنسان. وحده الله تعالى هو الكامِل، أمَّا الإنسان فيتَغَيَّر، حَتَّى إذا انْتَقَل من هذه الحياة، انتَقَلَت سيَّالاته إلى حيث تستحِقّ كل واحِدة منها، أما صَحْوَتهُ فتكون عند الموت كما قال النبي الحبيب أو في درجات النعيم العلويَّة حيث يشاء الله تعالى للمرء أن يُدرِك نفسه بِصحوَة السيالات، والكمال يكون عند الإندماج بخالِق البرايا.
لقد سُمِح لبِعض الأنبياء معرفة أدوارهم السابِقة، من خلال إعلان إلهِيّ، لا بإرادتهم. ومن ضِمْنهم الدكتور داهِش، حيث كُشِفَ له بإعلان روحِيّ أنَّه كان في تقمّصاتِهِ ، فقَد خَصّ الله الدكتور داهِش بالسَّيَّال العِشرين لِفِداء البَشَريَّة، بِحَسَبِ عَمَل روحِيّ أحْدَث اْسْتِدعاءه على الأرْض، فالبَشَر بِجُملتهم خاضِعون للتَّجارِب، ولم يُسْتَثْنَ الأنبياء من الأمر. لقد رافقه سيّال علوِي طاهِر يدعى السيّال العِشرين؛ كان هذا السيَّال (فيه) ضِمن نَفْسِهِ أو سيَّالاتهِ. وكما ذَكَرْنا، هذا السيَّال العُلوِي الآتي العالَم الرُّوحِيّ (العشرين) كانت له مُهِمّة عُظمى، في دورِ الفِداء الخَلاصِيّ؛ فدَورهُ الأساسيّ تَمَثَّل في تشديد النَّبِيّ لإتمام الخلاص الإلهِيّ، لا سيما في عودة السيّد المسيح له المجد في إسم الدكتور داهِش، إذ كان لا بُدّ للسيّد المسيح من عودة ثانيَة كما قيل في التوراة والإنجيل والقُرآن، وكَمَنَ دوره الأساسِيّ في فِداء الملائِكة السَّاقِطة من درجات النعيم العلويَّة؛ الذين انتموا في فترة ما إلى درجة روحِيَّة علويَّة وهو كما تَمّ توضيحه في قِصَّة السُّقوط التي ذَكَرها الدكتور داهِش في الجزء الثالِث من كتاب قِصص غريبة وأساطير عجيبة. وإذ ظَلّ السيّال العِشرين ألْفَيّ سنة، على الأرض، عَقِبَ وَفاة السيّد المسيح، كان لا بُدّ للسيّد المسيح أن يعود إلى سيَّالهِ الموجود على الأرْض لِيُتَمّم عملية افْتِداء من استحَقَّت نفوسهم ذلك. هذا فَضْلاً عن دَورِ السَّيَّالات الروحِيَّة العُلْوِيَّة في إلهام الأدباء والفلاسِفة والمهندسين على الأرْض الذين إذا ما اجْتَهَدوا وجَدُّوا من أجل الفضيلة وتنمية موهبتهم، ساعدهم في الإبداع لِتَصِل الرسالة السماوِيَّة إلى أقْصى حدود الإبداع الجمال، خُذ مِثالاً على ذلك موسيقى الفنّانين العِظام أمثال بيتهوفن وباخ وهندل وموزارت. ثُم أعمال النحاتين كَميكال أنجلو والرّسامين مثل بوشِه ودافنشي وغيرهم. لقد كان لِهذه السيَّالات العُلْوِيَّة الرَّاقِيَة قوَّة إلهام لهم تقويهم روحِيَّاً وتلهمهم للوصول إلى أسمى مراتِب الفَنّ. هذا ما تَعَلّمناه من تلاميذ الدكتور داهِش وهذا ما آمَنّا به كما آمَنوا ونقلوا لنا تعاليم الدكتور داهِش، كما هي، وطوبى لِمَنْ آمَنَ وَلَم يَرى.