مرفوعة إلى روح أبي الحبيب قبلان سلامة رحمه الله

لقد انتقل والدي الحبيب عن دُنيانا في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني- نوفمبر، عام 2019. لقد عاش حياة المؤمن التَّقي. تعّرف إلى الرسالة على يد الدكتور فريد أبو سليمان رحمه الله أواخِر الأربعينات. كان يعْمَل في مجال التمريض، وقد عُرِفَ بنزاهته َحتّى أنه كان يُساعِد المرضى في قريتنا دون تقاضي أي أجر وذلك بِشهادة منهم فَرْداً فَرْداً!توثّقَت صلته بالدكتور فريد والدكتور خبصا بِشِدّة؛ مما ساهَم في زَرْع الإيمان في عائلتهِ.وقَد عاشها وفق قِيَم الرسالة حتى يومه الأخير، برغم الاضطهاد الذي نالَهُ والمرض الخطر جِدّاً الذي اصابَهُ. أسأل الله تعالى أن يَشْمَلهُ بعين عنايته مُرَقِيَّاً درجته ليكون مع النبي الحبيب درجات المجد العُلْيا بإذن الله تعالى. ووفقاً للأمر كتبْتُ شِعراً نَثرياً أدبياً كان فيه (التصوّر) الأدبي بعامِل الخيال بناء على حقيقة سلوك أبي رحمه الله ذلك السلوك الأمثولة وِفق تعاليم النبي الحبيب.

بِقَلْم يوسف قبلان سلامة

للحُبّ أَوجُهٌ بريقُها أبعادُ دَرَجاتِ السَّماء

لَمَحتُ نيزَكاً يُشِعُّ بِكُلّ لَونٍ يَخُطُّ بنارِ الطُّهْرِ أسْماءً

ثُمّ تَوَقَّفَ في قَلْبِ السَّماء وهناكَ صُوِّرَ أمام ناظِرَيّ نَبِيٌّ كالمَلاك

على جبينِهِ اسمَ النّبيّ الحبيب وعلى قلْبِهِ اسم قبلان كما في الأفلاك

ثُمّ رأيتُ شُعاعاً نارِيَّاً يَمْتَدُّ كالنَّهْرِ من رُبى الكواكِب

كان كالسّيف يَشُقُّ الأرْضَ كقُطْبٍ للسماء يُواكِب

وَدَوّى صَوتٌ من العَلْياء قائلاً: تَكَلَّم وانشُر ما اخْتَبَرْتَ

وإذا بِدموعٍ كالأنهار تجري كينبوعٍ خريرُهُ حديثُ ما رأيتُ وَقُلْتُ

كبَطَلٍ للحَقِّ مُدافِعٌ بالعَدْلِ للنبي للحبيب يُرْضي وَيَسْمَعُ

للمسكين سَنَدٌ للجائعِ خُبْزٌ وسيّالهُ للرّقِيّ يَلْمَعُ

الإيمان تُرْسُهُ والبِرُّ دِرْعُهُ وبِأجْنِحَةِ الإيمانِ للحبيب الهادي يَرْجِعُ

ثُمَّ ساد صَمْتٌ مُهيبٌ على المسكونَةِ فيه خشوعٌ وَدُموعٌ

وإذا بالملاكِ يَحُطُّ بِلَمْحِ الوميضِ من عليائهِ فوقَ الأرْضِ

وإذا بِأبي على اليابِسَةِ يَنْزِلُ ويَرْفَعُ لي يدهُ يُحَيّيني بِرِضى

تَقَدَّمْتُ وإذا بِقوى الشَّرِّ تَمْنَعُني كأنَّها على نَفْسي فُرِضَتْ فَرْضاً

وبَعْدَ صِراعٍ مرير إذا بي أراني جاثياً عند قدميه بحزن

بُنِيّ، قالها بهمس: ألا تعْلَم أن آلامِكَ هي آلامي

وإذا بدموعي تستحيلُ ناراً ودماً انطفأ عِند قدميه بخوراً بسكون

ثم يحْملني ويعانقني وإذا بِنا روح بجسدين في صلاة

وصلاة الحبيب الهادي تُتْلى من السماء

وألْفَيْتُ نفسي وقفاً حيث انطلَقْتُ

ورأيتُهُ يُوَدّعني والحبيب بانتظاره، وإذا بالمَرْكَبَةِ تنطَلِق كالشهاب

متوارية في الغَمام وخُطَّةُ السماء العادِلَة تجري على يدِ النبي الحبيب في الأحبابِ

ولاح لاحت المركبة خلف الضباب كنورٍ لامع خلفَهُ

والجُثَّةُ تتوارى خَلْفَ التراب

في ذِكرى ميلاد الدكتور داهِش

في ذِكرى ميلاد الدكتور داهش

1-6- 2019

بقلم يوسف قبلان

في غَمْرَةِ الظلام وتحتَ نير عُبودِيّة النَّفْس المُكَبَّلَة بِقيود الضَّعْف الموروث الناتِج عن الخطيئة، أطَلَّ شعاعاً نافِذاً حامِلاً رِسالةً روحِيَّة مبارَكة هي وَصية الله تعالى لأبناء الكون، وتفويض السَّماء لِنَبِيٍّ شَهِدَتْ لِمَجيئهِ الأنبياء، من سيدنا آدَم عليه السَّلام إلى نَبِيّ الله محمد صَلوات الله وسَلامهُ عليه.

مُكَلّلاً بِتاج النَّصْر على عَبَدةِ الظّلام والشَّرّ والتَّضليل جاء. مُؤَيّداً بِمُعْجِزاتٍ سَطَعَتْ كالبَرْقِ في قُلوب النّاس نوراً وَهِدايَة للمسكونة. فَمُعْجِزاتِها التي تُؤَيّد دَعْوَته شَقَّتْ حُجُبَ الظّلام، حيث تأكّد للمَلاإ أن لا قُوّة تَعلو على الخَير مهما عَلَتْ سيالات الشّر بِسَطْوَتِها وَجَبَروتِها.

فَيَدُ الله تعالى فوق الجميع، فوق كُلّ بَشَر وكائن، تَحْكُم بالرّحمةِ والعَدْل.

إنَّ دَرَجات السيّالات مَهْما عَلَتْ بِرُقِيّها تَظَلُّ خاضِعَةً لِعالَم الروحِ النَّقِيّ الذي لا يَبْلُغُهُ سِوى من اسْتَحَقَّ أو اسْتَحَقَّتْ الوصول إليه بأعْمالِهِا النّقيَّة المُصَوَّبَة بِنِيَّةٍ صادِقة.

كان النَبيّ الحبيب هو القُرآن والإنجيل والتوراة وجميع الكُتُب السماوِيّة مُجَسَّدة، تقودهُ الروح التي قَبِلَ اتّباعها.

إنّ النّبيّ إنسان مِثلنا، لكن تقواه التي أنتجها بِدِفْئِ الإيمان أبْقَتهُ بعد نزولِهِ إلى الأ{ض في أعلى دَرَجات النّعيم؛ فهوَ نَبِيّ يسري عليه ما يَسْري على الأنبياء والبَشَر من تجارِب؛ مولود من أب وأمّ.

لكنه قال:

(طريق السماء في قلبكَ وَقَلْبِ كُل شخص يحيا على هذه الأرْض. فَبِعَمَلِكَ الصلاح تَظْهَر لك طريق السماءِ واضِحة).

وقال أيضاً:

(لِتَكُن أعمالنا مُتّجِهَةً للخير والحَق والفضيلة فهذا خير لَنا لِعالَمنا الآخَر، لأن كُلّ ما تَعْمُرُ بِهِ هذه الحياة الّدُنْيا إنّما هو قَبْضُ الريح وباطِل).

فَلْيُنْشِد غذَن أبناء الأرْض نَشيد الروح ولْيَتَأكّدوا أنهُ ما من خلاص يُشْرِق كالشَّمس في القلوب إذا ما طَبَّقوا الأعمال في الحَق والعَدْل مع نَبْذ وَرَذْل واحْتِقار كُل أنانية وحَسَد وعَجْرَفة وتَبَجُّح، بل مُساعدة اليتيم والمظلوم والفقير فنطون أخوة للنبي الحبيب وصورة عنهُ بعد التوبة بِضَمير نَقيّ حَيّ. فَتَفْرَح السماء وأبناءَها بِنا، وَيَحُقّ لنا ولوجها منتصرين، مُشاركين من سبقونا في الفَرَح الإلهيّ الخالِد.

في ذِكرى ميلاد الدكتور غازي براكس رحمه الله.

في ذِكْرى ميلاد الأخ الحبيب الدكتور غازي براكس رحمه الله (2-5- 1936)

بِقَلَم يوسف ق. سلامة

مُشعلاً وسناداً للرسالة الداهِشية جاءَ. عشرات من السنين قضاهاه باذِلاً كُلّ مُرْتَخَص وغال في سبيل إعلاء الكلمة السماويَّة يَغْرِفُ تعاليمها مُطَبّقاً إياها بحذافيرها، فكان خير مِثالٍ يُحْتَذى به. أرْسى الكلمة في العالَم أجمَع. كلماته التي كتبها بأمانة الرسول، لنبي الله الدكتور داهِش. تلك الكلمة النبويةّ التي عَلَّمَها الدكتور داهِش، فكان للدكتور غازي رحمه الله شَرَف أمانَتها وتفسيرها على كثافتها، بحسب كلمات الدكتور داهِش (دون زياة أو نقصان)؛ فكانت الخلاص لكل تائق إلى الحَق ولكل إنسان في العالم تلهمهُ سيالاته التعَرُّف إلى الرسالة الداهِشية وفَهْم مَراميها المبارَكة النبيلَة.

تعاليم الداهِشية التي ترمي إلى نبذ الأنانية فالتعصّب الديني، فيكون الجميع واحِداً تحت ظِلّها، يدفعهم إخلاص الإنسان لأخيه الإنسان. لا بُغض، لا حِقد، بل الجميع في تناغُم وانسجام من أجل تحقيق هدف الروح العُلْوِية وهي إيمان جميع الناس وقبل ذلك العَمل الصالِح بالمحبة الأخوية والتضحية؛ تماماً كما طبقها الدكتور داهِش والمهاتما غاندي ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلَّم الذين جاهَدوا روحياً جهاد المُسْتميت من أجل السلام، وفيه، وبِهِ، فَضَّلوا السَّجْن على حياة الترَف الشخصية، وحياة الآخِرة على الدُّنيا، فَكُتِبَت لهم. وكما ضحى المهاتما غاندي بكل الدنيويات كذلك الدكتور داهِش والأنبياء عليهم السلام، بَل وكُل من سار على هذا النَّهج، وقد أثبَت الدكتور غازي رحمه الله أن الأمر متاح لكل ذي نسمة حياة؛ إنه الأمل والرجاء الحقيقيين.

وكما وَرَد في القرآن الكريم: ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام)- سورة ابراهيم 23

فلنتمسكّ بهما، ولنجعلهما قِبْلتَينا أثناء سيرنا وتطبيقنا لكل الحَق.

سلام لنَفس الدكتور غازي القاطِنة في النعيم المُقيم بعد جهاد الجسد الرهيب. أجل سلام، سلام.

بِمناسَبة الذِّكرى السَّنَويّة لِتأسيس الرِّسالة الدّاهِشِيَّة

بِقَلَم يوسف ق. سلامة

في ربيع عام 1942 شاء الله تعالى انبثاق فَجرُ الحُرِيَّةِ.

حُرِيَّةُ الانعِتاق من كبول المادَّة الرهيبة ذاتِ التأثير على الجَسَد لكن الواهِنة أمام جبروت الرّوح.

شاء الله ذلك اليوم إعلان تعاليم الخلاص لِبَني البَشَر. تعاليمٌ أظْهَرَتْ على يديّ نَبِيّ الله الدكتور داهِش أن الروح هي كائن سامٍ نَقِيّ لا يدانيه أي شائبة مادِيَّة. عالَم تُنْشِدُهُ جميع المخلوقات في العوالم المادِيَّة على تبايُن درجاتِها. عالم يسوده الاتكال على الله وعمل وصاياه؛ فيه السلام والوِحْدة بكلّ معانيها الطاهِرة.

لقد أرسى السيّد المسيح له المجد تعاليمه السماوِيّة مُظْهِراً جوهرها في الصلاة الرّبّانية، مُبِيّنا للبشَر أن مشيئة السماء في العَدل هي الثابِتة وهي التي يجب أن تنتَصِر في القلوب.

لقد ناضَل تلامِذة السيّد المسيح وصحابة الأنبياء على مَرّ التاريخ أشَدّ نِضال، نضال حتى الدَّم، فالموت، فَسَطَّرَت السماء أسماءهم بحروف من نار في كُل بُقعة من بِقاع الكون، ليكونوا كَمَشاعِل وهَاجة تخترق أعماق الظلمات مُمَزِقةً أيّاها حتّى نهايات ذَرّاتها.

إنّ الله تعالى لا يُضيع حَقّ أحد، فَمَن له يُعْطى ويُزاد، ومن ليس له فالذي يَظُنّه له سيُأخَذ منه. هذه العِبارة قالها السيد المسيح له المَجْد قبل ألفَيّ عام؛ فمن جاهَد وِفْق تعاليم الروح سينال الخلاص، ومن نكص فالدركات السفليّة بانتظاره بِحَسَب حُكم عدالة السماء المُحْصِيَة حَتّى أفكار المَرْئ وكُلّ ما صَغُرَ ودَقّ.

فالحمدلله على مجيء الدكتور داهِش إلى عالَم الأرض لكي يحيا كُل من يَعْمَل بوصاياه حياة أبديَّة.

كُل عام وأنتم بِخير.

إلى أن نُصبحَ داهشيين

إلى أن نُصبحَ داهشيين

 

الداهشيَّة وجه حقيقةٍ روحيَّةٍ مُتجسَّدَ في عالمنا، رأفةً منه بنا، ورحمةً إلينا من ربٍّ رحيم، هدفه خلاصنا من عالم الشرور والفجور، وبلوغ جنَّات الفراديس ، حيثُ الراحة الأبديَّة. هناك نجتمع بذواتنا الصغرى المنبثقة عن أمهاتنا في عوالمِ الأرواح التي هي من لدن الله جُلَّ اسمه.

اليوم ذكرى مولد صاحب ذلك الأله، الذي أخذ العهد على نفسه، وأمام خالق الأكوان ، بإنقاذنا في يوم السقوط الهائل، الى وادي الشرور السحيق، المُفعم بالأسى والحزن  والألم المدمّي،

أخذ العهد على نفسه، وما زال وفياَّ لذلك العهد، ينتقل من دورٍ الى دور، ومن عالمٍ الى عالم، ومن كونٍ الى كون، مُبشراً ونذيرا. بالرغم من  الأضطهادات التي يتعرَّضُ لها في كلِّ رسالة يأتينا بها، فمن نارٍ يُلقى بها، الى سمٍّ يتجرَّعه مُكرهاً، فوليمةً للأسود حيَّاً.  تارةً يخوض البحر هرباً ليواجه حديثي الحريَّة، وطوراً يحمل صليبه ويمشي ليعلَّق على الخشبة، وآخراً يُحاصرَ حتى الجوع ليهاجر من وجه مضطهديه، وآخيراً وليس آخَره تجريده وتشريده ونفيه وإعدامه على يد شرذمةٍ من اللصوص، معروفة اليوم كما الأمس. ورغم ذلك لم تلن عزيمته، ولم يتقاعس عن الوفاء لقسمه والإلتزام بعهده.

الداهشيَّة ليست شعاراتٌ نتغنَّى بها، إنَّها العمل الدؤوب لإصلاح الذات، هي إلتزامٌ ووفاء، وخطىً حثيثة على طريق صاحبها، فهو الطريق الى السماء، وهو القدوة لكلِّ داهشيٍّ مؤمنٍ ، فلا يعتورنا كلَلٌ أو ملَل من وعثاء الطريق وقلَّة المسافرين فيه.،

 

والداهشيّ المؤمن ، هو ذلك الذي يحفظ العهد والوفاء،

فالصلاةُ والصِّيامُ طقسانِ مُلزمان، لا يُقبلا إلاَّ من مؤمنٌ صادق، أعلن الولاء لله ورسوله، فالصلاة هي عطش النفس الى باريها، تروى بمناجاته، هي زكاة الرُّوح لمُبدعها، تُبعِدّ الهمَّ والكرب. يتقرَّبُ بها الأنسانُ من خالقه، خاشعاً ورعاً، بقلب طاهرٍ نقي، ملاءه المحبَّة والإيمان، هي تقوى الله، نستمدُّ بها قوَّةً  وعزيمةً للثبات أمام التجارب والمحن..فنشعر بالطمأنينة وراحة البال.

والصيامُ عهدٌ يُلزمُ المؤمن بوفاءه، هو دليل الإيمان بالله ويوم الدينونة،هو الإرادة القويَّة، لتأديب النفس الأمَّارةَ بالسوء، به يسمو المرء عن الصغائر، ويترفَّعُ عن الدنيويَّات، ويتعلَّم الصبر على القهر والجوع، ويشعر مع الفقراء والمحتاجين، ومن يستطيع كبت شهواته ورغباته وميوله الوضيعة في يوم الصِّيام، يستطيع ذلك كلَّه الى ما لا نهاية. إن كان حقَّاً مؤمناً مُلتزماً وحافظاً للعهد.

والداهشي المجاهد هو الذي يُببشِّر بتعاليم السماء في أصقاع الأرضِ، وفي مشارقها ومغاربها، رافعاً رايتها، مُضحِّياً بالغالي والنفيس من أجلِ إعلاء كلمتها، كلمة الحقِّ والنور واليقين، كلمة الأنبياء جميعاً والتي ذاقوا الأمرَّين في سبيلها، متحمِّلين شتَّى أنواع العذابات والأفتراءات لنشرها بين الأنام.،

والداهشي المعلِّم هو الذي يُنذرُ نفسه قبل غيره، يرى حبَّة الرمل في عينه قبل أن يرى القذى في عين جاره، فمعلمٍ يعلِّمَ نفسه ويؤدِّبها، خيرٌ من معلِّمٍ يعلِّمَ الناس ويؤدِّبهم.  فالحياة قصيرةٌ جدَّاً وإن طالت، والحساب لا بدَّ منه، حيثُ لا ينفع ندم.

 

والداهشيّ المثقَّف هو الذي  يقرأ ما خطَّته يراعة الحبيب، فهي فلذةَ كبده، وخلاصة فكره، ونورَ هدايته، بها تُنارُ البصائر،وتطمئنُّ القلوب، وتهتدي النفوس الضَّالة الى سُبلِ الحقّ، وقد ترك لنا تراثاً متمثِّلاً بكتبٍ جاوزت المئتين، ومُتحفاً يضاهي المتاحف العالميَّة، وفكراً يعجز العلم والفقه امامه،

فلنعد الى قراءة تلك الكتب، بتمعّنٍ ورويَّة ، لنفهم محتواها، ونتمكَّن من ترجمتها عملاً ووعياً، نستطيع بهما نشر تعاليمه وإرساء مبادئه، والسير على خطاه، ونساعد الآخر لفهمها واستيعابها.فيكون لنا مساهمة في إعادة حقِّ الحبيب في كرامته وسمعته التي شوَّهها أهل السلطة إبَّان الأضطهاد المُجحف بحقِّه. والتخفيف من مُعاناة البشريَّة وآلامها التي تمرُّ بأشدِّ المراحل سوءاً.

والداهشيّ المُحبّ للجمال هو الذي يتمعَّن في المنحوتات والصور واللوحات الزيتيَّة التي جمعها الحبيب في متحفٍ يُعمل على إنهاء اللمسات الأخيرة فيه، ليكون مدار تساؤلٍ عن صاحب ذلك الذوق الرفيع، والهدف من جمعها، أضف الى إختياره تلك التحف والصور واللوحات بشكلٍ خاص، لِما لها من سببيَّةٍ روحيّة و قيمة جمالية.  ،

فيكون لدينا ثقافةً فنِّية في فهم الجمال الألهيّ، فالفنُّ الراقي هو تجسيدُ الأفكار التي تختلج في نفس الفنَّان وعقله  والتي لا يراها إلاَّ صاحبها، وتاريخٌ يحفظ الحضارات من الإندثار.

والداهشيّ الواعي هو الذي لا يبخسَ الناس أشيائها، فالأخوة الذين جاهدوا وضحّوا حتى الرمق الأخير، أولئك نبراسٌ لنا، وقدوة في الجهاد، ومحاربة الذات، والتغلُّب على الرغبات، وأمثولة في الخلاص من هذا العالم الموبؤ القذر، والذي تعشش الرذيلة في ذرَّاته، وذريراته، وفي كلِّ ما تعمرُ به هذه الفانية. العالم الذي لا تنبضُ قلوب ساكنيه إلاَّ بالعصبيَّة والطائفيَّة والمذهبيَّة، والتي لا تمتَّ للدين في شيء.

والذين ضحّوا بمالهم ووقتهم وراحتهم لإنشاء المعالم الداهشيَّة، والتي سيكون لها دوراً كبيراً في نشر الرسالة الحبيبة ومفاهيمها، ونظرتها الجماليَّة ،إنَّ هو إلاَّ تجسيد الإيمان المُطلق بمؤسِّس العقيدة الداهشيَّة، ومشاركته بأفكاره ورؤيته لتحقيق الهدف المُرتجى. وليس لنا حقُّ النقدَ والأعتراض ما لم نُسألْ، ولا حقُّ التشهيرِ، إنَّما الشُكرُ والتقدير. فعينُ الله والنبي الحبيب الهادي تراقبُ وتحاسب.

أضف إليهم الذين كتبوا في الحبيب ورسالته، ودفاعاً عنه، ومناصرته في أيَّام محنته العصيبة، ولو بعدَ حين، فهم أوسمة شرفٍ نعلّقها على جباهنا، وتاريخ المستقبل الآتي، ولا يجوز لنا أو لغيرنا بإنتقادهم لكلمةٍ صدرت عن سوء تقدير أو لغيرةٍ في أمرٍ ما، فالحساب لربِّ الحساب، وهو الأعلم والأعدل. وليكن لنا في إسوتهم حسنة.

 

الداهشيّ هو الذي يحفظ كلمة النبي الحبيب الهادي، ويلتزم عهده، ويعمل على نشر مبادئه ، ويعمل من أجل إعلاء كلمته، ويضحّي  من أجلِ رفع رايته، ويسير على خطاه،  فالسير على طريق الفضيلة ، هو الشعاع الذي يربط ما بين الشعلة والظُّلمة، فلنضيءُ ظلمة هذا العالم.

وإلى أن نُصبِحَ داهشيين ، كل عام وأنتم بخير.

 

حسين يونس

بيروت الأول من حزيران 2018.

بِمُناسَبَة ميلاد الدكتور داهِش

 

 

 

ميلاد ابن السَّماء

بِمناسبةِ ميلادِ  الدكتور داهِش

بِقَلَم يوسف سلامة

 

بَرَكة وَسلام جاء نَبِيّنا الحبيب الهادي إلى أرْضِنا لِيهْدي البشَرِيَّة إلى البِرّ ولِإيقاظِ ضمائرنا. زارَ كُلّ أصْقاعِها واخْتَبَر مَخْلوقاتِها، فكان خير مُعَلّم وطَبيب، فَهو الفادي والمُعَزّي المُنْتَظَر، بحسَبِ ما هو مكتوب في الكتب السَّماوِيَّة.

وإذْ تَمَّم واجِبهُ الفِدائيّ السماوِيّ، في القَرْن العِشرين، انتَقَل إلى فردوسِهِ العُلْوِيّ مُنْتصِراً بِعدل الله وعمل الحَق في كُل شيء.

فالحمدلله على مجيء الدكتور داهِش الذي اخْتَصَر بِجهادِهِ أبعاد الزمان والمكان وجاءَ أيضاً إلى عالَم الأرْض لكي يَحْيا كُل من يَعْمَل بِوصاياه حياة أبَدَيَّة.

إنّ في تعاليم الدكتور داهِش كُلّ اطْمِئنان وسَلام وخلاص للنَّفْس من كُل تَعَصُّب وعَصَبية نَفْسِيَّة. هو دواء كُلّ داء كما تكلّم الوحي بِلِسانِهِ عندما كان في المهدْ؛ في تعاليمِهِ تتحَقَّق العدالَة إذا ما طَبَّقناها في حياتِنا اليومِيَّة، فهي تُنادي بالمساواة والأخوَّة ونبذ التَّطَرُّف والتَّجَبُّر والطائفيَّة على جميع أنواعِها. تنمو التعاليم السماوِيَّة في قلوبِنا إذا ما تأمّلنا فيها وطَبَّقناها، فتنمو بِذرتها فينا مانِحة إيّانا الوَعي إذا ما اسْتحقّينا ذلك بنعمة الرّقِيّ الروحي الذي يسمح به الله تعالى لِمُسْتحقيها مِمَّن جاهدوا في البِرّ.

يُرْشِدُنا إذا الْتَفَتْنا إلى نور كلمته؛ إذْ هو يَحيا فينا، وهو في قُلوبنا إذا فَتَحْنا له أبوابَ قلوبنَا وَقَبِلْناه نَبِيَّاً وَأبا العدالَةِ والحَقّ.

هديَّة السماوات هي الداهِشِيَّة. تطلُب من الجميع أن يثبتوا على مبادِئ الروح بِغَضّ النظَر عن الدين الذي ينتمون إليه. فنقول للمَلَأ، كونوا كما أنتم على رجاء إيمانكم بِنَبِيّ الله الحبيب (الدكتور داهش) الذي هو تجسيد للسيّد المسيح المُنتَظَر مجيئه على الأرْض؛ لكن قبل كُل شيء سيروا مُقْتدين بأعمالِهِ ووصاياه وتعاليمهِ المُخَلِّصَة؛ إنها تعاليم سائر الأنبياء والمُرْسلين، وقد جاء مُذَكِّراً لنا، أيضاً، قولاً وفِعْلاً. إذاً، إعْمَلوا بِوَصاياه فتنالون رِضى بنذبكم كُلَّ طائفيَّة وحِزْبِيَّة.

إنّ سيّالته الطاهِرة يا إخوَتي لَفي صُعودٍ أبَدِيّ تتحَدَّى خُطوب الزَّمان ورياحه الوَهْمِيَّة.

فَلْتَخْشَع السّماوات والأرْض إذاً وَلْتَهْنَأ بِعَريسِها سَيّد المَجْد ورَبّ السَّلام والعدالَة وشافي البرايا بأسْرِها وأُسَرِها. آمين.

في ذِكْرى انْتِقالِ الدكتور داهِش

 

في ذِكْرى انْتِقال الدكتور داهِش

بِقَلَم مُنير مراد

تَرْجَمةُ يوسف سلامة

 

 

في التاسِع من إبريل، عام 1984، غادَرَ نَبِيّنا الحبيب الهادي هذا العالَم،  وقَد وضِعَت رُفاتُهُ بتاريخ 12 ابريل، 1984. قَبل عَشْرِ سَنواتٍ من رحيلِهِ ، كَتَبَ قصيدةً مُلْهَمَة تَصِفُ رِحلةَ روحِهِ إلى مدينة الرُّسُلِ والأنبياء. تُخْتَتَمُ القصيدة بِالعودة إلى تِلْكَ المدينة عَقِبَ نهاية أيَّامِهِ على الأرْض.

 

في هذا اليوم، نَتَذَكَّر، أيُّها الحبيب، الأوقات التي قضيناها معَكَ، كما نُذَكِّر أنفسنا بأنَّكَ كُنتَ نَبِيّ الله وروح المسيح الذي عاشَ في وسطنا، لكن على الرَّغم من ذلك، أدْرَكَكَ قليلون. نرجو أن تُشَكِّلَ نِضالاتكَ وتضحياتكَ حافِزاً لِكثيرين لاتِّباع طريق البِرّ والمَحَبَّة التي وَضَعْتَها لِكي نَسْلُكَها.

 

مَدينَةُ الرُّسُلِ والأنْبياءِ

بِقَلَم الدكتور داهِش

 

هُناك، هناك وراء المَجَّراتِ الهائلَة الأبْعاد،

وفي تِلكَ المسافات الموغِلَة في أعْماقِ السَّماوات،

وبعد أن أجتاز ملايين الكواكِب المُنْتَشِرَة في أقاصي الفَلَوات،

قاطِعاً مَوطِنَ الشُّهُبِ المُنيرَةِ والنُّجومِ المُشِعَّةِ المُثيرَةِ،

أَتَلَهَّفُ لِبُلوغِ مَدينَة الرُّسُلِ والأنبِياء، مَوطِنِ الأبرارِ والمُتَبَتّلين.

                           ***

وَيَسْتَمِرُّ اختراقي لِأجوازِ الفَضاءِ اللانِهائِيّ،

مُشاهِداً كواكِبَ سَماوِيَّةً وعوالِمَ عُلْوِيَّة،

فيها شاهَدْتُّ ما لا يَخْطُرُ على فِكْرٍ، وما لا يَمُرُّ بِخاطِر،

وهي تُؤَكِّد عَظَمَة المُكَوِّن المُبْدِع؛

فارْتَعَشَتْ نَفسي وخَشعَت روحي لِما لَمَسْتُ وشاهَدْتُّ.

                          ***

 

وغادَرْتُ تِلكَ المَواطِنِ الغُلْوِيَةِ السَّامِيَة،

واخْتَرَقْتُ بِروحي متاهاتٍ لا نِهايَة لها،

وإذا بِعَظَمَةِ الخالِقِ تَتَجَلَّى لي بِبَراهينِها السَّاطِعَةِ،

وإذاني مَشْدوهٌ بِما تَكَشَّفَ لي مِنْ أسرارٍ مَصونَة،

فَسَجَدْتُّ لِباري البَرايا وَمُكَوِّنِ الكائناتِ- جلَّ اسمُهُ،

واسْتَمَرَّ اختراقي الرُّوحِيِّ لِأوقيانوساتِ الفَضاءِ القَصِيّ،

وَمَضَتْ مَلايينُ الأعْوامِ تَتْلوها بَلايينُ السِّنين،

وَسِلْسِلَةُ مَشاهِدِ العَظَمَةِ الإلهِيَّةِ لا تَنْتَهي،

فَخَرَرْتُ على وَجْهي ضارِعاً إلى المُكَوِّنِ الموجِد،

أن يزيدَني عِلْماً ويَزيدَني مَعْرِفَةً ويُلْهِمَني أسْرارَ الأبَدِ.

                            ***

 

وبَعْد بلايين الأَعْوامِ مِنَ الإيغالِ في أعْمَقِ أعْماقِ الفَضاء،

لاحَ لي شَبَحُ مدينَةٍ سِحْرِيَّةٍ كَوَّنَها الله في بُقْعَةٍ روحِيَّةٍ مُذْهِلَة،

وَزادَ اقْتِرابي مِنها،

فإذا جَمالُها تَعْجَزُ الأقلامُ عَنْ وَصْفِ مَفاتِنِهِ المُبْهِرَة،

وموسيقاها تُشَنِّفُ الآذانَ وَتأخُذُ العُقولَ لِرَوعَتِها الإلهِيَّة؛

وَإذْ ذاكَ سَكِرَتْ نَفْسي وانْتَشَتْ روحِي وغَرِقْتُ في سُباتٍ أبَدِيّ.

                           ***

 

وَعِنْدَما عُدْتُّ إلى نَفْسي، أَعْلَمني مَلاكُ المَدينَةِ المُقَدَّسَة

أنَّ نَشْوَتي اسْتَغْرَقَت مليوناً من الأعوام،

وَتَبَدَّى أمامَ ناظِرَيَّ السيّد المسيح وبوذا ومُحَمَّد وموسى النَّبِي وإيليا وأشعياء وناحوم وداوود ودانيال وسليمان وهوشَع وجَمْهَرَةٌ كبيرةٌ من الرُّسُلِ والأنبياء.

                          ***

 

وَتَكَلَّمَ الأنبياء كأنَّهُم فَمٌ واحِدٌ ولِسانٌ واحِدٌ قائلينَ لي:

أيُّها القادِمُ إلينا من العالَمِ الذي سَبَقَ أن أُوفِدْنا إلَيْه،

إذا بَلَّغْتَ رِسالتَكَ مِثْلَما يَجِب،

وَتَحَمَّلْتَ الإضطهادَ مِن أبناءِ الأرْض، واتَّهَموكَ بِكُلِّ فِرِيَّةٍ كاذِبَة،

فإنَّكَ بعد انتِهاء أيَّامِكَ الأرْضِيَة تَبْلُغُ هذا الكوَكَبِ الإلهِيّ،

وتَحْيا مَعَنا بِرِعايَةِ خالِقِ الكائناتِ طُرّاً.

 

                         بيروت الساعة 11 قبل الظُّهْر

                              تاريخ 12/4/1974

 

 

 

 

 

 

 

 

الإبتِهاج والكِفاح

 

الإبتهاج والكِفاح

بِقَلَم مُنير مراد

ترجَمَة يوسف سلامة

 

تَخَيَّل، إذا صَحَّ التَّعبير، وجودَ شَخصٍ ذي مَنْزِلَةٍ (إجتماعِيَّة) تُعَدّ من أعلى مستويات المُجتَمَع، وأنَّهُ قد تَسَنَّى له أن يقطُن في أجمَل بِناء، حيث كُل شيء وفير، وأنَّهُ يتَمَتَّع بأفْضَل ما تُقَدِّمهُ الحياة في الثقافَة والعلوم والفنون الجميلَة ووسائل الرَّفاهية، والحُرِيَّة! ثُمَّ فَجْأة، يَجِد هذا الشَّخص نَفْسَهُ يحيا في أسْوَإ الأحياءِ الفقيرة على الإطْلاق التي تسودها قاعِدة الفَقْر والمَرَض والحُزْن والأمِيَّة والظُّلْم والجَريمة. (حَتماً) سيكون الأمْر صَدْمَةً يصعُب التَّعامُل معها مَصْحوبَة بالحُزن الذي يَصْعُب فهمه.

 

تَخَيَّل الآن وجود كيانٍ روحانِيٍّ مُقيمٍ في مَسْكنٍ سَماوِيّ، حيث يَتَمَتَّع بأروَع أسباب العيش الرَّغيد حاكِماً الكون مع نُظَرائهِ! إنّها وِحْدَة المسيح التي يديرُها الآب لِتوجيه النُّفوس الساقِطة في الكون بأكمَلِهِ! لكن وعلى حين غُرَّة يَحدُث أن يَجِد هذا الكيان الرُّوحِيّ نَفسهُ على الأرْض، وأنَّهُ يَعيش حياةً مع كائنات بَشَرِيَّة في عالَمٍ مِلْؤُهُ الشَّر والكراهِيَة والحَسَد والخيانَة والرَّغبات الجِنْسِيَّة ، والنَّهَم خَلْفَ الإحتياجات المادّيَّة، كما وَيُوَكَّلُ إليه مهَمَّة إيصال رسالة الحُبّ والسَّلام والأُخُوَّة البَشَرِيَّة، والتَّخَلّي عن الرَّغبات المادِيَّة في سبيل الإرْتِقاء الرُّوحِيّ.

لَقد دَخَل هذا الكيان الروحِيّ هذا العالَم في 1 يونيو 1909 وغادرهُ في 9 ابريل 1984، بعد أن عاشَ حياةً صَعْبَة للغايَة مِلؤها الحُزن والألَم مِن بَشَرِيَّة ما كانت تتقَبَّل التوجيه الروحِيّ بِالرغم من حضور (الرُّوح) بأشكال مادِيَّة (أمام العين المُجَرَّدة). إنَّ رَحيلَ نَبِيّنا الحبيب الهادي من عالَم الأرْض لَهُوَ فرحٌ عظيم، لِأنَّهُ عاد إلى مَنزِلِهِ السَّماوِيّ السَّعيد. ومع ذلك، فإنّ رحيله يُمَثّل حياة نِضال لأولئكَ الذين قَبِلوا تعاليمهُ، الذين عليهم الآن حَمْلَ رِسالته إلى جميع أنحاء العالَم.

الشُّكر الجزيل لكَ، يا نَبِيَّنا الحبيب الهادي، على تَضْحِيَتِكَ اللامحدودة، وعلى الإمتياز الذي منَحْتَنا إيَّاه لِحَمْل شُعْلَة التَّنوير إلى الإنسانِيَّة.

الطريق القويم

 

الطريق القويم

بِقَلَم يوسف سلامة

 

قال الدكتور داهِش: ليس من يَكْتُب لِلَّهو كَمَنْ يَكْتُبُ للحقيقةِ.

وقال أيضاً: أحِبُّ الكتب حُبّ السَّكارى للخَمْر، لكن كُلَّما شَربتُ منها أكْثَر زادَتْني صَحْواً.

 

أخوَتي الأعِزَّاء،

لَقَد جاء النّبِيّ الحبيب الهادي مِثالاً للبشَرِيّة في الإخلاص بِتطبيقه التّعاليم السَّماوِيَّة كُلّ الـتّطبيق؛ فلم يجِد فيه أعدائِه أيَّ عِلَّة تستوجب الحُكم عليه، فساقوه بعد الإضطهاد المرير إلى الموت. أجل، هذه كانت غايَتهُم، أمَّا أسبابها فقد أوضحْناها في إيجاز في الكَلِمَة السَّابِقة، ومَدَّها عائد إلى تقَمّصات سابِقة كان يضمرون خلالها الشَّر له.

كان الدكتور داهِش نَبِيَّا لم تشْهَد البَشَرِيَّة َظيراً له. مُعْجزاته التي أجراها الروح العَلِيّ كانت شاهِدة على ما حدث، والكُتُب التي خَطَّها أصْدق أدباء القرن العشرين كانت خير شاهِد ولَم تَزَلْ.

إن الكمال المُطْلَق هو لله تعالى وحدهُ. كان الدكتور داهِش نبيَّاً وهادٍ ورسولاً للعالَم أجمع. كلمته الخلاصيَة وجِدَتْ لِتُذاع في العالَم أجمَع. قد يسأل سائل: لِماذا؟ فالأديان موجودة وهي تدعو إلى الفضيلة والعودة إلى المبادِئ السماوِيَّة.

لكن، تقِف الداهِشِيَّة هنا موقِف الفَصْل في هذا الكلام، وإنْ كان عَسير القبول عند البعض، في وقت مُعَيَّن. خُلاصَة القول حول هذه النُّقْطَة هو أن الأديان السماوِيَّة جاءَت لِتَقويم الإنحراف المُسْتَشري في البشَرِيَّة إلى الطريق القويم. الطريق القويم هو أنَّنا سَقطنا في تجارِب الحياة بِعصيان الله، فكانت النتيجة وجودنا على كوكب الأرْض. إنَّ هدفنا هو إصلاح ما انْكسَر وانْدَثَر، أعني أنّ علينا العودة مُجَدّدَاً بالتأمُّل في أنفسنا وفهمها فهما دقيقاً، من أجْل العودة من حيث سَقطنا؛ إلى وطن أسمى، تعيش فيه الفضيلة والطّهارة ليس إلَّا. إن ما نراه في عالمنا من بهارِج المادَّة إنْ هو إلا وَهم؛ وهم بكل معنى الكلمة. وكما صَرَّح الدكتور داهِش فيما معناه الناس نيام، تأتي الصَّحْوَة عند الموت. لقد رزقنا الله كُل ما من شأنه راحة النَّفس لكن، ما ذلك إلا رحمة منه لِمساعدتنا الإنسان على تَحَمّل شقاء العيش من جِهَة، والتّعَلّم وإيقاظ الضّمير من خلال التّجارِب المريرة؛ كامتِحان الصَّبر الذي اسمى امتحان، ومن خلاله يُخْتَبَر الإنسان في المحبَّة القلبِيَّة اتّجاه أخيه الإنسان.

سَمَح الله تعالى للإنسان بأن يُزَوَّد بِسيَّالات راقِيَّة تُمَكِنّه من فَهم أنَّهُ إنسان واعٍ، يمكنه الإبداع وإدراك قبس من الحقيقة التي هي الله تعالى. هذه السيّالات الراقِيّة هي المواهِب التي إذا ما اسْتخدمها كان عوناً لِنَفْسه وللآخرين في تَلَمُّس طريق النور والهِدايَة السّماوِيَّة التي لا يستطيع أيّ مخلوق وصف ولو جزء بسيط من جمالها وروعتها الأبديَّة. لقد سقط الإنسان من تلك العوالم بسبب عصيانهِ الأوامِر الإلهِيَّة، لكن بِنِعْمَة التَّقَمّص التي أوجدها الله تعالى منذ تكوين الخليقَة بِأسْرِها ، وَالتي هي رحمة الله الوحيدة كما قال الدكتور داهِش، كان الأمَل بالخلاص من خلال تحسين أعمالنا عبر دورات التقمّص؛ فبالإجمال، لا شيء إلا بإرادَة المخلوق وعِنايَة الخالق . وكما ذَكرْنا سابِقاً، الله عَزّ وَجل منح الإنسان كُل شيء، لكن وِفْقَ قانونٍ سماوِيّ واخْتِبارات روحِيَّة قاسية، فإذا اجْتازها، تمَكَّن إذ ذاك من تحرير نفسه من قيود المادَّة الأرْضِيَّة وسما بسيَّالاتهِ نحو عوالم الفردوس العلوِيَّة حيث الجمال المنشود، وحيث هدف رحلتنا الأرضيَّة بل هَدَف وجودنا، وهوَ الإندماج بالخالِق بعد التجارِب الكثيرة جِدا والرهيبة والتي ننتصِر فيها بإرادتنا، إذ لا سُلطان لِمخلوق أو أي كائن على آخر؛ هكذا اقتضَت مشيئة الله المُدَبِّرة بِكُل حِكمة بِسَماح وحريَّة للملائكة وجميع الكائنات. كلّ وِفق قانون سماوِيّ صارِم.

إن الداهِشِيَّة بِخلاف التيَّارات الدينيَّة اليوم، تنادي بِوحدة الأديان، حيث يصبح الكُل واحِداً في الإيمان والإنسانيَّة والفِكر الواحد حيث الإيمان بوجود الخالِق جَلّ جلالهُ. ومن هنا، نأتي عند مُنطَلَق، جديد، أو إذا صَحّ التعبير، مُنطَلَق آخر، وهو أن نِضالنا ما عاد ضِد دين آخر أو طائفة أخرى، أو أبناء شعب آخر، بَل ضِدّ الإستبداد والتَّجَبُّر والتَّعَصُّب في النَّفْس. إنَّهُ ضِدّ عمل الشّر في احتقار الغير؛ فالإحتقار يجب أن يكون مُوَجَّهاً  ضِدَّ (عَمَل) الرّذيلَة لا الإنسان نفسهُ. السيَّال الشرير الذي يوسوس في نفس الإنسان، فَهو أي السيَّال الشّرير أو القوى السّفْلِيَّة تكون المحتقَرة والمُنحَطة، لا الإنسان. وحده الله تعالى هو الكامِل، أمَّا الإنسان فيتَغَيَّر، حَتَّى إذا انْتَقَل من هذه الحياة، انتَقَلَت سيَّالاته إلى حيث تستحِقّ كل واحِدة منها، أما صَحْوَتهُ فتكون عند الموت كما قال النبي الحبيب أو في درجات النعيم العلويَّة حيث يشاء الله تعالى للمرء أن يُدرِك نفسه بِصحوَة السيالات، والكمال يكون عند الإندماج بخالِق البرايا.

لقد سُمِح لبِعض الأنبياء معرفة أدوارهم السابِقة، من خلال إعلان إلهِيّ، لا بإرادتهم. ومن ضِمْنهم الدكتور داهِش، حيث كُشِفَ له بإعلان روحِيّ أنَّه كان في تقمّصاتِهِ ، فقَد خَصّ الله الدكتور داهِش بالسَّيَّال العِشرين لِفِداء البَشَريَّة، بِحَسَبِ عَمَل روحِيّ أحْدَث اْسْتِدعاءه على الأرْض، فالبَشَر بِجُملتهم خاضِعون للتَّجارِب، ولم يُسْتَثْنَ الأنبياء من الأمر. لقد رافقه سيّال علوِي طاهِر يدعى السيّال العِشرين؛ كان هذا السيَّال (فيه) ضِمن نَفْسِهِ أو سيَّالاتهِ. وكما ذَكَرْنا، هذا السيَّال العُلوِي الآتي العالَم الرُّوحِيّ  (العشرين) كانت له مُهِمّة عُظمى، في دورِ الفِداء الخَلاصِيّ؛ فدَورهُ الأساسيّ تَمَثَّل في تشديد النَّبِيّ لإتمام الخلاص الإلهِيّ، لا سيما في عودة السيّد المسيح له المجد في إسم الدكتور داهِش، إذ كان لا بُدّ للسيّد المسيح من عودة ثانيَة كما قيل في التوراة والإنجيل والقُرآن، وكَمَنَ دوره الأساسِيّ في فِداء الملائِكة السَّاقِطة من درجات النعيم العلويَّة؛ الذين انتموا في فترة ما إلى درجة روحِيَّة علويَّة وهو كما تَمّ توضيحه في قِصَّة السُّقوط التي ذَكَرها الدكتور داهِش في الجزء الثالِث من كتاب قِصص غريبة وأساطير عجيبة.  وإذ ظَلّ السيّال العِشرين ألْفَيّ سنة، على الأرض، عَقِبَ وَفاة السيّد المسيح، كان لا بُدّ للسيّد المسيح أن يعود إلى سيَّالهِ الموجود على الأرْض لِيُتَمّم عملية افْتِداء من استحَقَّت نفوسهم ذلك.   هذا فَضْلاً عن دَورِ السَّيَّالات الروحِيَّة العُلْوِيَّة  في إلهام الأدباء والفلاسِفة والمهندسين على الأرْض الذين إذا ما اجْتَهَدوا وجَدُّوا من أجل الفضيلة وتنمية موهبتهم، ساعدهم في الإبداع لِتَصِل الرسالة السماوِيَّة إلى أقْصى حدود الإبداع الجمال، خُذ مِثالاً على ذلك موسيقى الفنّانين العِظام أمثال بيتهوفن وباخ وهندل وموزارت. ثُم أعمال النحاتين كَميكال أنجلو والرّسامين مثل بوشِه ودافنشي وغيرهم. لقد كان لِهذه السيَّالات العُلْوِيَّة الرَّاقِيَة قوَّة إلهام لهم تقويهم روحِيَّاً وتلهمهم للوصول إلى أسمى مراتِب الفَنّ. هذا ما تَعَلّمناه من تلاميذ الدكتور داهِش وهذا ما آمَنّا به كما آمَنوا ونقلوا لنا تعاليم الدكتور داهِش، كما هي، وطوبى لِمَنْ آمَنَ وَلَم يَرى.