في ذِكرى عِملاق !
بِقَلَم مُنير مراد
تَرْجَمَة يوسف ق. سلامة
كان الدكتور فريد أبو سليمان أحد الدَّاهشيين الأوائل- ذلك الإيمان الذي أضاء روحهُ لِأكثَر من سِتّين عاماً. كان عِملاقاً في الدَّاهِشِيَّة. لكنه كان من اللُّطْف والتَّواضُعِ بِمكان. كان يوم عيد الفِصْح، قَبل أربَعة عَشر عاما، عندما أُعْلِمتُ بِرَحيلهِ عن هذا العالَم، وفي كُلّ مَرَّة يَقْتَرِبُ فيها عيد الفصْح، أتَذَكَّرُ وجودهُ مَعَنا مُقَدّراً جهادهُ الذي دامَ عُقوداً من أجل رِسالتنا المُقَدَّسَة. قَبْل أرْبَعَة عَشر عاماً كَتَبْتُ إشادة بِهذا الرَّجُل العظيم، أشْعَر أنه من المناسِب، تقديمهُ إلى القُرَّاء تَحْديداً، من أجل مَعْرِفة المَزيد عن هذا الرَّجُل.
تَحِيَّة للدكتور فَريد أبو سليمان
اليوم، هو يوم الرَّبيع، ولِهذا الفصل طابِعاً مِثالياً في “مدينة” واشنطن وضواحيها. وفي هذا اليوم أيضاً، احْتَفَلَت هذه المدينة كَما العديد من المناطِق في العالَم بِعيد الفِصْحِ. لا أعْتَقِد بأن أي يوم يُمْكن أن يُضاهي هذا اليوم، فالشَّمْس لامِعَة في السَّماء الزَّرْقاء، ودَرَجَة الحَرارَة مُعْتَدِلَة، ومُعظَم الأشجار في كامِل نُضْرَتها، كما ويَتَذَكّر بلايين الناس فيه قيام يسوع المسيح من الموت.
في هذا اليوم، حيث تبدو الولادة الجديدة والعَيش مواضيعاً مُهَيْمِنة، أُبْلِغْتُ باحْتضان الدكتور فريد أبو سليمان الموت ومغادَرَتهِ هذا العالَم. أجِدُ أنَّهُ من الصَّعْبِ جِدَّاً إدْراك أنَّهُ انتَقَل في شَهْر إبريل، وهو الشَّهر نَفْسَهُ الذي تَرَكَ فيه الدكتور داهِش عالَمنا؛ وذلك قَبلَهُ بِتِسْعَة عشر سَنَة، كما أنَّ (الدكتور فريد أبو سليمان) انتَقل في اليوم العشرين وفي السَّاعة السَّادِسة بعد الظُّهْر، وهي أرقام لها معْنى خاص للدَّاهِشيين. كان قَد انْتَهى لِتَوّهِ من العَشاء بَعْدَ قَضائهِ يوماً من الصّيام. كان في منتصف التسعينات من عُمْرِهِ وعاشَ داهِشِيَّاً مُدَّة إحْدى وستين سَنة. كان مِن أوائِل المؤمنين بِرسالةِ الدكتور داهِش. هو آخر رَجُلٍ من الجيل الداهِشي الأوَّل يَنْتَقَلَ مِنْ عالمنا.
تَخَلَّى عن الحياة المُريحة التي يَتَمَتَّع بِها كَطَبيب مُكَرّساً مُعْظَم وَقْتِهِ لِمساعدة الرّسالة.
أتَّذَكَر بِوضوح ذهابي إلى عيادَتهِ في وسَط بيروت خلال سَنوات المراهَقة، عندما كنْتُ في الرابِعة والخامِسة عَشر من العُمْر ، للإسْتماعِ إلى شَرْحِهِ حول الدَّاهِشِيَّة. وفي بَعْضِ الأحْيان، كُنْتُ أُحْضِر البَعْض من أصْدِقائي على أمَلِ أن يَقْبَلوا الدَّاهِشِيَّة. هُنا رَجُلٌ لا يجوز أن يُفَكّر مَرَّتين في التَّحَدُّثِ إلى شاب مُراهِق عن الدَّاهِشِيَّة وأسْرار الكون بِحَسَبِ ما يستطيع الشَّاب إدْراكِهِ، الأمر الذي أنا مُمْتَنٌّ لَهُ جِدَّاً.
لَقد كان أنساناً حَسَّاساً بِكُلّ مَعْنى الكَلِمة. كان لَطيفاً، سارَّاً، وذو بَراءَةٍ تُشْبِهُ الطّفْل. إنَّ المَرَّة الأخيرة التي رَأيْتُه فيها، كَما أعْتَقِد، كانت في أَوائِل الثَّمانينات، عِنْدَما زارَ الولايات المُتَّحِدَة. عاش عُمْراً مَديداً، وسيَتِمّ افْتقادَهُ.
لِيبارك الله روحه!
منير مراد
20 إبريل 2003