إلى أن نُصبحَ داهشيين

إلى أن نُصبحَ داهشيين

 

الداهشيَّة وجه حقيقةٍ روحيَّةٍ مُتجسَّدَ في عالمنا، رأفةً منه بنا، ورحمةً إلينا من ربٍّ رحيم، هدفه خلاصنا من عالم الشرور والفجور، وبلوغ جنَّات الفراديس ، حيثُ الراحة الأبديَّة. هناك نجتمع بذواتنا الصغرى المنبثقة عن أمهاتنا في عوالمِ الأرواح التي هي من لدن الله جُلَّ اسمه.

اليوم ذكرى مولد صاحب ذلك الأله، الذي أخذ العهد على نفسه، وأمام خالق الأكوان ، بإنقاذنا في يوم السقوط الهائل، الى وادي الشرور السحيق، المُفعم بالأسى والحزن  والألم المدمّي،

أخذ العهد على نفسه، وما زال وفياَّ لذلك العهد، ينتقل من دورٍ الى دور، ومن عالمٍ الى عالم، ومن كونٍ الى كون، مُبشراً ونذيرا. بالرغم من  الأضطهادات التي يتعرَّضُ لها في كلِّ رسالة يأتينا بها، فمن نارٍ يُلقى بها، الى سمٍّ يتجرَّعه مُكرهاً، فوليمةً للأسود حيَّاً.  تارةً يخوض البحر هرباً ليواجه حديثي الحريَّة، وطوراً يحمل صليبه ويمشي ليعلَّق على الخشبة، وآخراً يُحاصرَ حتى الجوع ليهاجر من وجه مضطهديه، وآخيراً وليس آخَره تجريده وتشريده ونفيه وإعدامه على يد شرذمةٍ من اللصوص، معروفة اليوم كما الأمس. ورغم ذلك لم تلن عزيمته، ولم يتقاعس عن الوفاء لقسمه والإلتزام بعهده.

الداهشيَّة ليست شعاراتٌ نتغنَّى بها، إنَّها العمل الدؤوب لإصلاح الذات، هي إلتزامٌ ووفاء، وخطىً حثيثة على طريق صاحبها، فهو الطريق الى السماء، وهو القدوة لكلِّ داهشيٍّ مؤمنٍ ، فلا يعتورنا كلَلٌ أو ملَل من وعثاء الطريق وقلَّة المسافرين فيه.،

 

والداهشيّ المؤمن ، هو ذلك الذي يحفظ العهد والوفاء،

فالصلاةُ والصِّيامُ طقسانِ مُلزمان، لا يُقبلا إلاَّ من مؤمنٌ صادق، أعلن الولاء لله ورسوله، فالصلاة هي عطش النفس الى باريها، تروى بمناجاته، هي زكاة الرُّوح لمُبدعها، تُبعِدّ الهمَّ والكرب. يتقرَّبُ بها الأنسانُ من خالقه، خاشعاً ورعاً، بقلب طاهرٍ نقي، ملاءه المحبَّة والإيمان، هي تقوى الله، نستمدُّ بها قوَّةً  وعزيمةً للثبات أمام التجارب والمحن..فنشعر بالطمأنينة وراحة البال.

والصيامُ عهدٌ يُلزمُ المؤمن بوفاءه، هو دليل الإيمان بالله ويوم الدينونة،هو الإرادة القويَّة، لتأديب النفس الأمَّارةَ بالسوء، به يسمو المرء عن الصغائر، ويترفَّعُ عن الدنيويَّات، ويتعلَّم الصبر على القهر والجوع، ويشعر مع الفقراء والمحتاجين، ومن يستطيع كبت شهواته ورغباته وميوله الوضيعة في يوم الصِّيام، يستطيع ذلك كلَّه الى ما لا نهاية. إن كان حقَّاً مؤمناً مُلتزماً وحافظاً للعهد.

والداهشي المجاهد هو الذي يُببشِّر بتعاليم السماء في أصقاع الأرضِ، وفي مشارقها ومغاربها، رافعاً رايتها، مُضحِّياً بالغالي والنفيس من أجلِ إعلاء كلمتها، كلمة الحقِّ والنور واليقين، كلمة الأنبياء جميعاً والتي ذاقوا الأمرَّين في سبيلها، متحمِّلين شتَّى أنواع العذابات والأفتراءات لنشرها بين الأنام.،

والداهشي المعلِّم هو الذي يُنذرُ نفسه قبل غيره، يرى حبَّة الرمل في عينه قبل أن يرى القذى في عين جاره، فمعلمٍ يعلِّمَ نفسه ويؤدِّبها، خيرٌ من معلِّمٍ يعلِّمَ الناس ويؤدِّبهم.  فالحياة قصيرةٌ جدَّاً وإن طالت، والحساب لا بدَّ منه، حيثُ لا ينفع ندم.

 

والداهشيّ المثقَّف هو الذي  يقرأ ما خطَّته يراعة الحبيب، فهي فلذةَ كبده، وخلاصة فكره، ونورَ هدايته، بها تُنارُ البصائر،وتطمئنُّ القلوب، وتهتدي النفوس الضَّالة الى سُبلِ الحقّ، وقد ترك لنا تراثاً متمثِّلاً بكتبٍ جاوزت المئتين، ومُتحفاً يضاهي المتاحف العالميَّة، وفكراً يعجز العلم والفقه امامه،

فلنعد الى قراءة تلك الكتب، بتمعّنٍ ورويَّة ، لنفهم محتواها، ونتمكَّن من ترجمتها عملاً ووعياً، نستطيع بهما نشر تعاليمه وإرساء مبادئه، والسير على خطاه، ونساعد الآخر لفهمها واستيعابها.فيكون لنا مساهمة في إعادة حقِّ الحبيب في كرامته وسمعته التي شوَّهها أهل السلطة إبَّان الأضطهاد المُجحف بحقِّه. والتخفيف من مُعاناة البشريَّة وآلامها التي تمرُّ بأشدِّ المراحل سوءاً.

والداهشيّ المُحبّ للجمال هو الذي يتمعَّن في المنحوتات والصور واللوحات الزيتيَّة التي جمعها الحبيب في متحفٍ يُعمل على إنهاء اللمسات الأخيرة فيه، ليكون مدار تساؤلٍ عن صاحب ذلك الذوق الرفيع، والهدف من جمعها، أضف الى إختياره تلك التحف والصور واللوحات بشكلٍ خاص، لِما لها من سببيَّةٍ روحيّة و قيمة جمالية.  ،

فيكون لدينا ثقافةً فنِّية في فهم الجمال الألهيّ، فالفنُّ الراقي هو تجسيدُ الأفكار التي تختلج في نفس الفنَّان وعقله  والتي لا يراها إلاَّ صاحبها، وتاريخٌ يحفظ الحضارات من الإندثار.

والداهشيّ الواعي هو الذي لا يبخسَ الناس أشيائها، فالأخوة الذين جاهدوا وضحّوا حتى الرمق الأخير، أولئك نبراسٌ لنا، وقدوة في الجهاد، ومحاربة الذات، والتغلُّب على الرغبات، وأمثولة في الخلاص من هذا العالم الموبؤ القذر، والذي تعشش الرذيلة في ذرَّاته، وذريراته، وفي كلِّ ما تعمرُ به هذه الفانية. العالم الذي لا تنبضُ قلوب ساكنيه إلاَّ بالعصبيَّة والطائفيَّة والمذهبيَّة، والتي لا تمتَّ للدين في شيء.

والذين ضحّوا بمالهم ووقتهم وراحتهم لإنشاء المعالم الداهشيَّة، والتي سيكون لها دوراً كبيراً في نشر الرسالة الحبيبة ومفاهيمها، ونظرتها الجماليَّة ،إنَّ هو إلاَّ تجسيد الإيمان المُطلق بمؤسِّس العقيدة الداهشيَّة، ومشاركته بأفكاره ورؤيته لتحقيق الهدف المُرتجى. وليس لنا حقُّ النقدَ والأعتراض ما لم نُسألْ، ولا حقُّ التشهيرِ، إنَّما الشُكرُ والتقدير. فعينُ الله والنبي الحبيب الهادي تراقبُ وتحاسب.

أضف إليهم الذين كتبوا في الحبيب ورسالته، ودفاعاً عنه، ومناصرته في أيَّام محنته العصيبة، ولو بعدَ حين، فهم أوسمة شرفٍ نعلّقها على جباهنا، وتاريخ المستقبل الآتي، ولا يجوز لنا أو لغيرنا بإنتقادهم لكلمةٍ صدرت عن سوء تقدير أو لغيرةٍ في أمرٍ ما، فالحساب لربِّ الحساب، وهو الأعلم والأعدل. وليكن لنا في إسوتهم حسنة.

 

الداهشيّ هو الذي يحفظ كلمة النبي الحبيب الهادي، ويلتزم عهده، ويعمل على نشر مبادئه ، ويعمل من أجل إعلاء كلمته، ويضحّي  من أجلِ رفع رايته، ويسير على خطاه،  فالسير على طريق الفضيلة ، هو الشعاع الذي يربط ما بين الشعلة والظُّلمة، فلنضيءُ ظلمة هذا العالم.

وإلى أن نُصبِحَ داهشيين ، كل عام وأنتم بخير.

 

حسين يونس

بيروت الأول من حزيران 2018.

خلاص الإنسان في وحدة الأديان

إن فكرة وحدة الأديان وتوحيد جوهر الرسالات الروحية, التي دعت إليها الرسالة الداهشية، ليست نظرية فلسفية أو هدفاً ماورائياً، انها دعوةٌ تطبيقية جذرية في تفكير الإنسان ومبدأ أخلاقي يحتاج إلى مجهود جبار تتغلب فيه النفس على فكرة الأنا و فكرة الجماعة، وتحطم أسس التعصب والطائفية التي تغلغلت في النفس البشرية عبر الأحقاب والأدهار، فأصبحت جزءًا متوارثاً من جيل إلى جيل، وسرطاناً ينخر الروح قبل الجسد، ويقتل الأمل والمستقبل قبل الحاضر والماضي.

إن وحدة الأديان الجوهرية هي نهضةٌ روحية جبارة، هي بذرةٌ إلهية مقدسة، تربتها قلب الإنسان وفكره، وهوائها التحرر الفكري، ومائها الإيمان بالحقيقة المطلقة التي لا تتجزء، وشمسها اللاأنانية والتواضع الكلي أمام حكمة الخالق، وثمرتها هي الراحة النفسية والطمأنينة الروحية والشعور بوحدة طاهرة مع الخالق ومع الجميع دون إستثناء بغض النظر عن العرق أو ألدين أو الجنس، وتتعداها الى كل الكائنات من حيوان ونبات وجماد.

هذه النهضة الروحية قوامها الوعي الحقيقي، ظاهرها بسيط ولكن حقيقتها عميقة وعظيمة. فالساعي إلى الوحدة الروحية الدينية، إن كان مسلماً يقرأ قرآنه ويفهم جوهره بتجرد ودون ضغط أو تقاليد المجتمع والماضي، ثم ينطلق منه لقراءة الإنجيل وفهم جوهر ألدين المسيحي وأخذ العبر منه، كما يقرأ التوراة وقصص الأنبياء مستشفاً منها رحمة الله وعدله، كما يفهم تعاليم الهداة والمصلحين، فيقرأ الغيتا، وحقائق بوذا النبيلة المقدسة، كما لا يتوانى كلما سنحت الفرصة إلى التقرب من أفكار كنفوشيوس ولاو تسو وغيرهم، كما يقرأ حياة العظماء الذين كانوا نبراساً للبشرية عبر التاريخ مثل سقراط وغاندي وجبران خليل جبران وسواهم.

وكذلك المؤمنون بباقي الأديان يسيرون على ذات الطريق والمسار هادفين إلى التنور وفهم حقائق الرسالات والأفكار التي أنارت ظلمات البشرية الحزينة عبر الأزمان.

عندها، يصل المؤمن إلى جوهر الديانات والرسالات الروحية، فيرى بأم عينه أن هدفها واحد ومرسلها واحد. ويلمس جوهرها بروحه التي ارتوت من الحقائق الروحية مهما كان مصدرها، فيرى في الأديان نوافذ إلى الله،جل جلاله، ويعي في فكره وعيه أن جميع الأديان جذوع من شجرة واحدة، هي شجرة الله المقدسة التي لا تنتمي الى دين أو طائفة، بل إلى ألحق والمحبة والتآخي.

عندها فقط، يؤمن الجميع , كما قال الدكتور داهش، أن طريق الله في قلب كل إنسان; فليس من شعب الله المختار، ولا من خير أمةٍ أخرجت للناس، ولا لمن لا يخلص إلا بطريقٍ واحد. فالجميع سواسية أمام الخالق، وما يجمع البشرية وأعمق مما يفرقها.

عندها فقط تتلاشى الأحقاد وتفنى الحروب الدينية والطائفية، لأنه عندها يعرف البشر أن الأديان في جوهرها واحد، فيتآخون على محبة الله ومحبة بعضهم بعض.

هذا جل وجوهر ما تدعو إلى الداهشية. هذه الرسالة الروحية لم تظهر لتزيد على الأديان دين، بل أتت لتوحد الأديان تحت راية الله والحقيقة.