إن فكرة وحدة الأديان وتوحيد جوهر الرسالات الروحية, التي دعت إليها الرسالة الداهشية، ليست نظرية فلسفية أو هدفاً ماورائياً، انها دعوةٌ تطبيقية جذرية في تفكير الإنسان ومبدأ أخلاقي يحتاج إلى مجهود جبار تتغلب فيه النفس على فكرة الأنا و فكرة الجماعة، وتحطم أسس التعصب والطائفية التي تغلغلت في النفس البشرية عبر الأحقاب والأدهار، فأصبحت جزءًا متوارثاً من جيل إلى جيل، وسرطاناً ينخر الروح قبل الجسد، ويقتل الأمل والمستقبل قبل الحاضر والماضي.
إن وحدة الأديان الجوهرية هي نهضةٌ روحية جبارة، هي بذرةٌ إلهية مقدسة، تربتها قلب الإنسان وفكره، وهوائها التحرر الفكري، ومائها الإيمان بالحقيقة المطلقة التي لا تتجزء، وشمسها اللاأنانية والتواضع الكلي أمام حكمة الخالق، وثمرتها هي الراحة النفسية والطمأنينة الروحية والشعور بوحدة طاهرة مع الخالق ومع الجميع دون إستثناء بغض النظر عن العرق أو ألدين أو الجنس، وتتعداها الى كل الكائنات من حيوان ونبات وجماد.
هذه النهضة الروحية قوامها الوعي الحقيقي، ظاهرها بسيط ولكن حقيقتها عميقة وعظيمة. فالساعي إلى الوحدة الروحية الدينية، إن كان مسلماً يقرأ قرآنه ويفهم جوهره بتجرد ودون ضغط أو تقاليد المجتمع والماضي، ثم ينطلق منه لقراءة الإنجيل وفهم جوهر ألدين المسيحي وأخذ العبر منه، كما يقرأ التوراة وقصص الأنبياء مستشفاً منها رحمة الله وعدله، كما يفهم تعاليم الهداة والمصلحين، فيقرأ الغيتا، وحقائق بوذا النبيلة المقدسة، كما لا يتوانى كلما سنحت الفرصة إلى التقرب من أفكار كنفوشيوس ولاو تسو وغيرهم، كما يقرأ حياة العظماء الذين كانوا نبراساً للبشرية عبر التاريخ مثل سقراط وغاندي وجبران خليل جبران وسواهم.
وكذلك المؤمنون بباقي الأديان يسيرون على ذات الطريق والمسار هادفين إلى التنور وفهم حقائق الرسالات والأفكار التي أنارت ظلمات البشرية الحزينة عبر الأزمان.
عندها، يصل المؤمن إلى جوهر الديانات والرسالات الروحية، فيرى بأم عينه أن هدفها واحد ومرسلها واحد. ويلمس جوهرها بروحه التي ارتوت من الحقائق الروحية مهما كان مصدرها، فيرى في الأديان نوافذ إلى الله،جل جلاله، ويعي في فكره وعيه أن جميع الأديان جذوع من شجرة واحدة، هي شجرة الله المقدسة التي لا تنتمي الى دين أو طائفة، بل إلى ألحق والمحبة والتآخي.
عندها فقط، يؤمن الجميع , كما قال الدكتور داهش، أن طريق الله في قلب كل إنسان; فليس من شعب الله المختار، ولا من خير أمةٍ أخرجت للناس، ولا لمن لا يخلص إلا بطريقٍ واحد. فالجميع سواسية أمام الخالق، وما يجمع البشرية وأعمق مما يفرقها.
عندها فقط تتلاشى الأحقاد وتفنى الحروب الدينية والطائفية، لأنه عندها يعرف البشر أن الأديان في جوهرها واحد، فيتآخون على محبة الله ومحبة بعضهم بعض.
هذا جل وجوهر ما تدعو إلى الداهشية. هذه الرسالة الروحية لم تظهر لتزيد على الأديان دين، بل أتت لتوحد الأديان تحت راية الله والحقيقة.
سلام الله دكتور محمَّد، ألف شُكر لِما تَفَضَّلْتَ به من كلمات نَفَذَتْ إلى جوهر الحقيقة متناولة أهم البادِئ التي من أجلها جاءَت الرَّسالات السَّماويَّة وتَجَلَّت بالرّسالة الدَّاهِشيَّة نورا مبارَكاً عامِلاً في قلوب من عقدوا العزم على السَّيْرِ بالحق والعدل والمساواة وفوق كل ذلك على المحبَّة الأخويَّة الصَّادِقة.