الدَّاهِشيَّة ورِحْلَةُ الحياة

 

بِقَلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

 book-cover

محتويات الكِتاب*

 

مُقَدّمة التفسير التي كتَبها المَعْرض الوطَنيّ للفُنون (واشنطن العاصِمة)  الصفحة الأولى

 

الفصل الأوَّل: أن تكون أو لا تكون

الفصل الثَّاني: العقائد الدَّاهِشيَّة الفَلسَفيَّة

الفصل الثالِث: السَّبب والنَّتيجة، حقائق الحياة وغُموضها

الفصل الرَّابِع: الحقائق والأوهام والأيَّام الأخيرة

الفصل الخامِس: من هو الدكتور داهِش

مُلَخَّص عن المبادِئ الداهشيَّة الأساسيَّة

المراجِع

 

*   ملاحَظة هامَّة: سيَتِمّ نَشر الكتاب فَصْلاً فَصْلاً على مراحِل زَمَنيَّة، وبِناءً عليه سَيَتِمُّ تحديد رقم الصَّفحات وطباعتها في قِسْم  الفَهْرَس (محتويات الكتاب).

 

 

 

مُقَدّمة التفسير التي كتَبها المَعْرض الوطَنيّ للفُنون- واشنطن العاصِمة

 

ترجمة يوسف قبلان سلامة

 

 

إنَّ رحلة الحياة لِتوماس كول (1801-1848)1 هي (الرَّمز التصويري) لمرور كل رَجُل في مراحِل الحياة التَّقليديَّة الأربع: الطفولة، الشباب، الرجولة والشيخوخة. إنها رِسالة من سِلْسِلةٍ تَعْكِسُ بِدِقَّة الحالَة المِزاجيَّة للرُّبْعِ الثَّاني من القَرن التَّاسِع عَشَر عندما كانت الحياة أقْصَر والموت أكثَر شيوعاً. ومع ذلك كان هناك تفاؤل يَفوق الحَدّ في أُمَّة الشَّباب الواعِدة. وبِتعزيز ما يَخُصُّ الرَّحَّالة -(في اللوحَة) فيما يَتَعَلَّق بِإجراءاتنا (الحياتِيَّة)، مظهَرنا، إيماءاتِنا، تَمَّ الإعْتِبار (مجازيَّاً) أنَّ إعداد المشاهد في هذه اللوحات، هو عامِلٍ مُشارِك في إنشاء مزاجيَّة الإنسان في مراحِل تَطوّره. وفي نَفْسِ الوقت، رَمْزيَّتها فيما يَتَعَلَّق بالعُبور المَسيحيّ. كذلك ترمز المناظِر الطَّبيعيَّة إلى المراحِل الفَصْليَّة واليوميَّة للتاريخ، مُظْهِرة التَطَوّر من خُضرة الرَّبيع إلى انسِحاب الخَريف، ومُرور اليوم من الصَّباح إلى الليل. لكن، في غياهِب هذا النّسيان المُظْلِم، يَشِعُّ الخلاصُ نوراً أبَدِيَّاً.

لاحِظ أنَّ الرّمال في السَّاعَةِ الرَّمليَّة التي تُمْسِكها “شَخصيَّة السَّاعة” في مُقَدّمة المَرْكَب من القارِب تسْتَمِر بالنَّفاذ مع تَقَدُّم المجموعة، وأنَّ أوقات آخر الليل المُبْتَسِمة “المنحوتة” حول حافة المركب الصغير تكون آخذة بالإضطراب أكثر فأكثر حَتَّى تصطدم “وجوهها” على إثر سقوطها  في البحر عَبْرَ الأنبوب المائل حيث يصعب التعرُّف عليها، حيث العودة إلى الحياة مُجَدَّداً في نهاية المَطاف.

 

 

في الصُّوَر الأربع يقوم “كول” بِتَصْوير  الرَّجُل على أنَّهُ يُواجِه الحياة وَحْدَهُ، أمَّا بِخُصوص مَرْحَلَةِ الطُّفولة والشَّباب تَظهَر صورة الطُّيور (في وسط كل صورة) ضئيلة الأهَميَّة أمام عَظَمة الطَّبيعة.

 

الرُّسوم وتفسيرها

 child

كما صَاغَها الفَنَّان: ” نهر ما يُشاهَد نابِعاً من من كهف عميق في جانِب أحد الجِبال الصَّخْريَّة الرَّهيبة حيث تختَفي قِمَّتها في الغيوم. ومن خلال الكهف ينْزَلِقُ قارِبٌ ذا مُقَدّمةٍ ذات جوانب منحوتة على صورة عقارِب ساعة تُوَجّهها أشخاص ملائكيَّة مُحَمَّلَة بِبَراعِم وزُهور، وتْحْمِل على عاتِقها طِفلاً ضاحِكاً،  نَرى مُحاولة الفَنَّان في تحديد طبعها. تَرْمُز ظُلمة الكهف واكتِئاب السَّماء إلى أصْلِنا الدُّنيَويّ وماضينا الغامِض. القارِب مُكَوَّن مِن شَخْصِيَّات؛ هي صوَرٌ للحَظات،  تُمَثّل غيابنا في تَيَّارِ الحياة. أمَّا ضوء الصَّباح الوَرْديّ، والنَّباتات والزُّهور السَّامِقة، فهي شِعارات لِبَهجة الِحياة في بِدايتها.

 

 

مَرْحَلة الشَّباب

 youth

تُمَثَّل مرحَلة الشَّباب بِتَوَلّي قيادة الدَّفَّة، بِثِقَة واندِفاع، في أنه غير مُدْرِكٍ، وشاعِرٍ بِعَدَم الحاجة إلى الملاك وحِمايتهِ؛ الملاك الذي يقِف جانباً مُتيحاً له توَلّي قيادة الدَّفَّة.

فقط قبل  نزول “الشَّاب” من القارِب لمُتابعةِ سَيْرهِ في الطَّريق الوهميَّة إلى نَظيرتها القلعة الوهميَّة، يأخذ نهر الحياة إذ ذاك بالإضطِراب فينحَرِف صوب الحَق؛ إنه هاجِس المُسافِر الشَّاب لِمواجهة مُشْكِلات الرُّجولة.

إن صَخَب النَّهْر المُتَزايد.  يُمْكِن مُلاحَظَتهُ هذا في المساحات عبْرَ الأشجار، الأمر الذي يُشير (يَرْمُز) إلى مَجيء صِعاب أكبر في المُسْتَقْبَل.

 

الرُّجولَة

 manhood

بالنّسبة لِ “كول”، كانت مرحلة “مُتوسّط العمر” هي الفترة التي تَكْثُر فيها المُغْرَيات بما فيها المَيْل إلى الإنْتِحار، العَصَبيَّة، والقَتْل. إنها التي جَسَّدَها “كول” بأشكال شَبَحيَّة في السَّماء. إنه الآن عِندما يدخُل بَرِيَّةً سماءها قد مسحها إعصار بِلون أصفر، كائنة على مسافة ما منه، تُذَكّرُهُ بِجدولهِ الزَّمَنيّ الذي لا مَفَرَّ مِنْهُ؛ حيث ذِراع المِقْوَدِ مفْقود والمُسافِر غير قادِرٍ على السَّيْطَرَة على مَصيرِهِ. إنها المرة الأولى التي يشكُّ فيها بعدم قُدْرَتِهِ على التَّأقْلُم مع الحياة، فيجْعَل يتَلَمَّس السَّماء بِتوَسُّل. لكن ومع ذلك يسْتمِر الإنسان في شَراهَتِه بِحراسة ممتَلَكاتِهِ التي جَمَّعَها التي يَظهر أنَّ نِصفها مُخَبَّأ، وذلك بِرَغْمِ فُقدان جَرَّة كبيرة، الأمر الذي يُشير إلى أنَّهُ في النّهاية يتمُّ فُقْدان كُل شيء.

إلى يمين اللوحة تَقِف أشجار تُمَزّقها عواصِف، والنهْر ذو الإضطراب المُتَزايد، وقد صارَ سَيْلاً، يُنْذر الرجل بمعرَكَتهِ النّهائيَّة.

إن الملاك الحارِس الذي ما زال مَخْفيَّاً بالنّسْبَةِ للمسافِر، يراقبه بهدوء، غير ناسٍ لكنَّهُ مُتعاطِف.

 

 

 

الشيخوخة

oldage

وفقاً للفَنَّان، الغيوم العجيبة تتوالد عبر محيط منتصف الليل الشَّاسِع.

صخور قليلة تُرى في العَتمة- آخِر شواطئ العوالم.

القارِب، مُمَثّلاً الهيئة الزَّمَنيَّة للإنسان، قد استُنْفِذَت قُوَّته ليطفو بلا حِراكٍ فوق المُحيط المَيْت. الساعة الرمليَّة التي أحصت سِنَّهُ قد وَلَّت، والأوقات أيضاً. كل الأمور الدُّنويَّة التي جَمَّعَها قد تناثَرَت وما عادَتْ  تَعْنِيه إطلاقاً. وللمَرَّة الأولى يَظهر  له الملاك الحارِس، ,واقِفاً أمامه مشيرا إلى النور المجيد الذي لاح أمامه من خلال زوبعة ارتفَعَت أمامه فجأة بِشَكلٍ غير مفهوم من مكان قَريب، من البحر؛ ملائكة نزلَت للتَّرحيب بِالرَّجُلِ في ملاذ الحياة الخالِد.

 

 

 

المُقَدّمَة

بقلم مُنير مراد

ترجمة يوسف ق. سلامة

قبل عِقْدٍ خَلا، عندما كنتُ في الثالِثة والعِشرين من عُمْري، كَتَبْتُ قصيدة نثريَّة كانت آنذاك انعكاساً لِموقفي مِنَ الحياة.

وبعد قراءتي إيَّاها مُؤَخَّراً وَجَدْتُها ما تَزال تعْكِس الأمر بِشكل جَيّد، باسْتِثناء أنَّني كُنْتُ ساذجاً لِسَبَبَيْن في أمْرَيّ الصَّداقَةِ والحُبّ. سأتناول أمر هاتان القَضيَّتان في متن هذا الكتاب.

إنَّ عنوان هذه القصيدة هو “الرّحْلَة”؛ إنها الرحلة ذاتها المُتَضَمَّنَة في هذا الكتاب وَالذي جاءت بِعنوانه. هذه “الرّحلة” هي رَمْزَيَّة، وهي عَرْضٌ مُوجَزٌ عن فَهْمِنا للحياة في مَعْناها وَ وَغَرَضِها. بالرَّغم من كَوْنِ قصيدة النَّثْر رَمزيَّة في توظيفها وأنَّها تُلمّح إلى الحياة الصُّوفيَّة في طبيعتها إلَّا أنَّني أُقَدّمها إلى القارِئ كوسيلة للحصول على لَمحة عَنِ الآتي:

 

كان هُناكَ وقتاً اسْتَرْجَعْتُهُ

حيث كان الَّلعِبُ بهجةً، والبَهْجة حياة

لا أَذْكُر مَتى بدأ

لا أعْلَم لِمَاذا كان َعَلَيْهِ أن يَنْتهي.

في وقت ما، وفيَ لَحْظَةِ عُزْلَةٍ، اسْتَعْرَضتُ في ذاكرتي أيَّامَ الطُّفولة هذه، حيث تَمَكَّنْتُ من رؤيَة كًلّ أصْدِقائي مُجَدَّداً.

كان الأمر واقِعيَّاً بحيث استَطعْتُ مناداة كُلٌّ باسْمِهِ.

تَذَكَّرْتُ الألعاب التي لَعِبْناها، ضحكاتنا بَراءَة صداقتنا.

لكن ما كان لهذه الأيام أن تدوم طويلاً.

لقد انتهَت عندما أعْلَمَني والدي بأنَّهُ لَديّ رحلة يجب أنّ أخوضها

وإذا بالحيرة والارتِباك يَتَمَلَّكاني، ومع ذلك، وَوِفْقاً له، كانت حَتْمِيَّة.

إلى أين؟ كيف؟ لأيّ غَرض؟ كان سُؤالي.

وكان جوابهُ: هناكَ سَيَّدة تُحِبُّكَ، في الواقِع أحَبَّتْكَ مُنْذُ البِداية، وستقوم على انتظارك مهما طال الزَّمَن.

فقط اتْبَعِ الحَشد، قال لي، لأنَّهم يذهبون في نَفْس الرّحْلة وستَجِدكَ بينهم.

فقط عندما تراها، سَتَنْتَهي رِحلتكَ، وسَتَعْرِف ذلك.

بَدأتُ الرّحْلَة.

كان المَعْبَرُ منحدراً إلى الأعْلى.

هل ممكن أن أكون مُرافِقُكَ، سألْتُ أوَّل شخص وقعت عيناي عليه.

نَظَر إليّ نظرة بِإبْهامٍ، لَمْ يُجِبْ، ثُمَّ واصَل رِحْلَتهُ.

لم أَكُن اعْرِف لِماذا.

كَرَّرتُ السُّؤال نَفْسهُ على كُلّ رجل وامرأة واجهْتُها.

الأكْثَرَيَّة تَبِعَت خطواته، وعدد قليل قَبِلوا عَرْضي.

كَرِفْقَة كان لَدينا فُرْصَة التَّعَرُّف على الآخَر.

كَرِفقة ساعدنا بعْضنا بعضاً عند اشْتداد وعورة وخُطورة الطَّريق.

كَرِفْقَةٍ وَجَدْنا الإرادة لِمُواصَلَةِ السَّير في طريق نَفْسِهِ.

كنتُ قريباً جِدَّاً من إحداهُنَّ، وأصْبَحَتْ لي حبيبة.

كَسِبْنا بِضعةَ أصْدقاءٍ عندما كنا في الطريق، وخسِرنا غيرهم كثيرين، لأنهم كانوا قد وصلوا إلى وِجْهَتِهِم.

إن رحلَتي طويلة ومُرهقة، لكن لا جُرأة لي على التَّوَقُّف.

إنها كالشَّيء الذي متى بدأتَهُ لا يُمْكِنكَ إيقافهُ.

إن الرَّابط الذي جمع البعض مِنَّا نَمَا بِقُوَّة على طول الرّحْلة أكثر فَأكْثَر.

كان المَمَرُّ يضيق أكثر وأكثر كُلَّما اقتربنا من قِمَّة المُنْحَدَر.

فقدنا عدداً ليس بِقليل من الرّفْقَةِ على القِمَّة، لكننا رَبِحْنا عدداً قليلاً.

لَم يَنْتَهِ الطريق هناك، وبدلاً من ذلك، صار الإنحدار إلى أسْفَل أكثر وعورة على الإطلاق.

 

وبِمَواصَلَتي لِرحلتي جَعَلْتُ أصَلّي بِحرارة أكثر وأكثر كُلَّ يومٍ لِكَي لا يُصبح الطريق أكثر وعورة، واُبوحُ صارِخاً للفتاة التي تَبْحَثُ عَنّي: أين أنت يا سيَّدة؟

ما الذي يُؤَخُّرُكِ إلى هذا الحَدّ؟

 

في عام 1842 قام توماس كول ( 1801- 1848) برسم مجموعة من أرْبَعِ لوحات زيتيَّة تحت إسم “رحلة الحياة” (انظر إلى فاتِحة الكتاب).

 

فَكما يُشير العنوان، لَقَد شَبَّه الفَنَّان الحياة بِرِحْلةٍ. إن لِكلمة رِحلة عِدَّة دَلالات:

1- إنَّ لِكُلّ رِحْلَةٍ نُقْطَةُ انْطِلاق.

2- لِكُلّ رِحْلَةٍ وِجْهة.

3- لِكُلّ رِحْلَةٍ مُدَّة زَمَنيَّة.

4- إنَّ أيّ رِحْلَة هي اسْتِمرارٌ لِنوع ما في الوجود.

5- هناك استمراريَّة حياة بعد إنتهاء الرّحْلة.

 

ما هي هذه الرّحْلة؟ ما الذي يوجِب وجودها؟ ما الذي وجِدَ قبلَ أن تَبْدَأ؟ ما الذي سيحْدُث عِنْدَ بُلوغ الهَدَف؟ لماذا هي قَصَيرَة بالنّسْبَة لِبَعْض وطويلة لآخَرين؟ لماذا هي صَعْبة بالنّسبة لِبعض وسهلة لآخَرين؟

إَّن الدَّاهِشيَّة تتناوَل هذه القضايا وغيرها الكثير، وما أنت على وشك أن تَقْرأهُ في هذا الكِتاب هو غير عادِيّ حَقَّاً. إنَّ الدَّاهِشيَّة هي ثورة في نهجِ الإنسان، في الفَلْسَفة، في الحياة والدّين. إنَّها ثوب جديد لِلكيان الفِكريّ التَّقليدي والمُعْتَقَد. إنَّ هدَفَ الداهشية هو توفير اعتقاد شامل يشمل جميع المعتقدات الأخرى. إنّ في تحقيقها هو أن جَمْع عِوَضَ شَرْذَمَة  المُعْتَقدات الدّينيَّة، كما أنها تَسْعى إلى النُّمُوّ بَدَلاً من الإنكماش الفِكرِيّ الفَلْسَفيّ.

لكن تَنَبَّه، إذ قراءتكَ لهذا الكِتاب تَتَطَلَّب انفِتاحا فِكْريَّاً عالياً.

إذا بدأتَ قِراءة هذا الكِتاب مع فِكرة راسِخة بأن ما تُؤمِن به لا يَحْتَمل التَّغيير، فلا تُتابِع، لأنك غير مَعْنِيّ بالدَّاهِشيَّة وبهذا الكِتاب.

فالأمر يتطلَّب إنسانا ذي فكرٍ مُنْفَتِحٍ جداً لِفهمهِ وتقديرِهِ، وبالرَّغم من ذلك قد يكون الأمر فوق احْتمال البَعْض.

ليس الغَرَض من هذا الكِتاب هو تقديم عِظة عن الصَّواب والخَطّأ تمَّ التَّدرُب على إلقائها، أنا على ثِقَة بأن القرَّاء يميّزون بين الإثنين.

كما أنه ليس الغرض من الكِتاب تجاوز مُعْتقدات القُرَّاء.

على العكس من ذلك، إن الكتاب يتناوَل هذه المعْتَقَدات كأعْمِدَةِ أساس لِمَبْنى فَيَبْنِي عليها. آمِلاً اهْتِداء القارِئ إلى طريقَتي في التَّفكير وإلى الدَّاهِشيَّة، لكن، ومع ذلك، فإنه يكفي بالنسبة لي تقديم الحُجَج والحُجَج المُضادَّة على أمل أنها سوف تَحْدو

بالقارئ إلى  التفكير؛ وإذ ذاك ، إلى رَسْمِ اسْتِنْتاجاتِهِ الخاصَّة.

أشُكُّ بأن كثيرين بعد قراءتهم هذا الكِتاب سينْعَتوني بالمجنون،و المُنافِق، و عَدوّ دين لهُ نِظامهُ، وشخص غير مُتَّزِنٍ عَقليَّاً، لكنّني آمل بأن آخرين كثيرين سيَرَون الأمر مُخْتَلِفاً.

عندما كان نوح خاضِعاً لأوامِر إلهيَّة صارِمة لِبِناءِ فُلْكٍ بحجمٍ مُعَيَّنٍ، ظَنَّ شَعْبَ زمانهِ بأنَّه مجنون. وقد نُظِرَ إلى عائلته أيضاً على أنَّها شاذَة؛ إذ لم يَتَّفِقوا مع أقرانِهِم في السُّلوك الأخلاقيّ. الأمر نفسَهُ حدث مع يسوع المسيح إذْ نُعِتَ بالمُنافِق، والسَّاحِر، والشيطان كما أَطْلَق َعليه رجال الدّين ومُعْظَم النَّاس.

 

إن حقيقة أن يكون الإنسان منبوذاً فِكريَّا في مُجْتَمَعٍ ما لا يعني بالضَّرورة أن يَكون سَيّئ المَنْزِلَة طالما كانَ على ثِقة بِصِحَّة وأخلاقيَّة سَبَبِهِ.

من المُهِم الإعلان بوضوح هنا بأنني أُعَبّرُ عن مدى فَهْمي للعقيدة الدَّاهِشيَّة ليس إلَّا. أرى نَفْسي “كنَفْس” مُحْبَطة، كَغيرها، غير راضية عن الوضع الدّينيّ والفلسفيّ والإقْتِصاديّ والفَنّي  وكل ما يَمُتّ لِجوانِب الحياة بِصِلَة.

أصِلُ إلى أناس يحْمِلون وجهات نَظَرٍ مُماثِلة وأسألهم مقارنةَ وجهات نظرهم بوِجهة نَظَري. إنَّ هَدَفي الوحيد في الحياة هو أن أفهم المزيد عن العالَم الرُّوحِيّ ومدى ارْتِباطِهِ بِوجودِنا. إن دوافِعي غير مادّيَّة وستكون كذلك دائماً.

إن مُحْتَوى هذا الكتاب لَيَعْكِسُ أصْدَقَ رُؤية عن مُعْتقداتي في الحياة، وها أنا أقُدّمها لك لِتُعاينها.

1( كان الدكتور داهِش مأخوذاً جِدَّاً بلوحات “توماس كول” الفَنَّية وكثيراً ما كان يَقْصِد رؤيتها في المتحف أثناءَ زيارته.)