الفَصْلُ الخامِسُ، مَن هو الدُّكتور داهِش

 

الفصل 5

من هو الدكتور داهِش؟

 

ولِدَ سَليم موسَى العَشِّي في القُدس 1 يونيو، 1909 . انْتَقَل والِداه إلى لُبنان عِنْدَما كان طِفْلاً. تَوَفَّى والدهُ عندما كان سَليم في الحادي عشر من عُمْرهِ. كان على والدتهِ العَمَل بِجَدٍّ لِتَنْشِئتهُ وأَخواتِهِ. لَم يَتَلَقَّ تَعْليماً في أي مدرسَة أو كُلِيَّة باسْتِثناءِ البِعْثة الأمريكيَّة في لُبنان حيث أمضى فيها بِضعَةَ أشْهُرٍ. إلَّا أنه كان لديه حُبَّاً للأدَب والفنون البَصَرَيَّة. بَدَأ في كِتابة النَّثْر بينما كان في سِنّ المُراهَقة. في العام 1920، عاد سَليم إلى فلسطين وعاشَ في بيت لَحْم. اشْتُهِر في فلسطين لِما صَنَع من أُمور خارِقة للطَّبيعة . فَسَّرَ مُعْظَم النَّاس هذه القوى الخارقة للطَّبيعة على أنَّها سِحْرٌ وشَعْوَذَة. وبِرَغْم ذلك ، نَمَتْ سُمْعَتَهُ. وكما أنَّ اسْمَ إسرائيل قد أُعْطيَ روحِيَّاً لِيَعْقوب، كذلك  اسم داهِش أعطِي روحِيَّاً إلى سَليم. إنَّ التَّرجمة الحَرْفِيَّة لإسْم داهِش هي ” مُذهِل” . ومن خلال نَشْر بَعْض أعْماله “الأدبيَّة” في وَقْتٍ مُبَكّر، تَمَكَّن من تَحْصيل المال الكافي لمتابعة أهدافهِ الأُخْرى في الحياة.

 

سافر داهِش إلى جميع أَنْحاء الشَّرْق الأوسَط وأُوروبا وحَصل على شهادة دكتوراة من الجمعِيَّة النَّفْسِيَّة الدُّوَلِيَّة في السَّادِس من شهر مايو عام 1930 ثُمَّ شهادة دكتوراه من معهد “ساج”- باريس في الثاني والعِشرين من شهر مايو 1930 وذلك بِناء على قُدْرَتِه بِتَعَدّي قوانين الطَّبيعة. حوالي 150 خبيرا في حقل الدّراسات الخارِقة للطَّبيعة حَضَروا وَشَهِدوا الرَّجل ابن العشرين عاماُ فكان أنَّهُ  بِناءً على طَلَبه، أن وضعوه في تابوت، ثم قاموا بِخَتم النَّعْشِ، وألقوهُ في نَهْر السّين حيث مكث في داخِله سَبْعَة أيَّام تحْتَ المُراقَبَةِ المُشَدَّدَةِ. وحَدَث بعد انْتِهاء السَّبعة الأيَّام أن سُحِبَ النَّعْش خارِجاً مع مُعاينة الخَتْم. أكَّد الخُبَراء أنَّ الخَتْمَ كان سَليماً. وعندما تَمَّ كَسْر الختم وفُتِحَ النَّعْش، وجدوا رجل المعْجزات مُبْتَسِماً و بِصِحَّةٍ جِيدة.

 

في عقد الثلاثينات قَطَن الدكتور داهِش في بيروت.

في 23  من شَهْرِ مارس 1942 أعْلَن قيام دعوة روحيَّة تُدْعى الدَّاهِشِيَّة. دَعا إلى وِحْدَةِ الأدْيان والعودة إلى السُّلوك الإنْسانِيّ الصَّالِح. وقد مَنحتهُ القوة الرُّوحِيَّة التي أُجْرِيَت على يَديه مِصداقِيَّة النَّبي. هل تستطيع تَخَيُّل كَمْ يُمْكِن أن يكون عدد المُؤمنين بالسَّيّد المسيح عليه السَّلام لو لَم تَجْرِ على يَديْهِ قوى خارِقة للطَّبيعة؟ في ذلك الوقت لم يُؤمن أحَد بالدكتور داِهش كَنَبِيّ سِوى عدد قليل من النَّاس. وقد شَمَل ذلك، عائلة حَدَّاد بِما فيهِم مارِي حَدَّاد أُخْت زوجة رئيس لبنان بشارة الخورِي الذي صار رَئيساً للبنان. لقد عارَض  الزُّعَماء الدّينيّين مع بشارة الخورِي الدكتور داهِش وذلك بِمساعدَة زوجة بشارَة الخوري لِزوجها في ذلك، لور الخورِي، التي حاوَلَت بِدورها إكْراه مارِي حَدَّاد وعَائلتها في التَّخَلي عن عقيدتهم الدَّاهِشِيَّة. فَلَمَّا رفَضَت مارِي حَدَّاد وعائِلتها ذلك، أمر الرَّئيس بِسجنها في عِدَّة مُناسبات. وفي إحْدى المراحِل بَقيَت في السِّجْن مُدَّة سنة واحِدة. ثُمَّ أخْضَعها في مَصَحٍّ عَقْلِيّ، حيث وجدها الأطبَّاء بِصِحَّة عقلِيَّة سليمة فَأُطْلِق سراحها.

 

وعندما فَشِلَت الأساليب السِّياسِيَّة، قام بشارة الخوري وأخو زوجته ميشال شيحا بتَوظيف مُجْرِمين لاغْتِيال الدكتور داهِش، إلَّا أن جميع محاولاتهم باءَت بِالفَشَل. في 28 أغسطُس، 1944، تَمَّ نَصْب كَمين للدكتور داهِش فَضُرِب وسُجِن دون سَبب يُذْكَر مُدَّة ثلاثة عشر يوماً، فَضْلاً عن تَجْريدِهِ مِنْ جِنْسيَّته اللبنانِيَّة (ما يُشَكّل انْتِهاكاً مُباشِراً للدُّسْتورِ اللبنانِيّ) ، ثُمَّ طُرِدَ مِنْ لُبنان. وحَدَث حِين ذلكَ أن أُلْقِيَ القَبْضَ عَليه في مِنْطَقَةِ أذَربيجان الإيرانِيَّة عام 1947، لم يَكُنْ لَدَيْهِ أوراق لإثْباتِ هُوِيَّتِهِ، وإذ كان هناك ثورة دَمَوِيَّة جارِية على قَدَمٍ وساق، تَمَّ اعْتباره خطأً على أنَّهُ جاسوس. ونتيجة لذلك، عُصِبَت عَيْناه، وتَمَّ حُكم الإعْدام فيه رَمْياً بالرَّصاص في 1 يوليو  1947. وقد تَمَّ تَصوير الإعْدام وتَوثيقُهُ.

 

ومع ذلك، لم يكن الدكتور داهش الإنسان هو الذي أُعْدِم. فَمَنْ أُعْدِمَ كان نظيراً روحِيَّا له آخِذاً مكانهُ. الأمر نَفْسَهُ حدث في وقت الصَّلْب. لقد رأى النَّاس يسوع المَسيح على الصَّليب لكن يقول القُرآن الكريم “… وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ” ( سورَة النِّساء 157) وفي كلمات أخرى، من صُلِب كان شبيهاً لهُ. وبِما أن نَظيرهُ هو كيان رُوحِيّ، فإنَّهُ غير خاضِعٍ لِقوانين الطَّبيعَة. لقد قام شبيه يسوع المسيح من بين الأموات، وكذلك على حَدٍّ سواء قام نَظير الدكتور داهِش. يُشار إلى الكيان الروحِيّ في الدَّاهِشِيَّة على أنَّهُ “شَّخْصِيَّة روحِيَّة”. للدكتور داهِش سِتّ شَخْصِيَّات، وقد تَسَنَّى لِبعْض النَّاس رُؤيتها مُجْتَمِعة في وقْت واحِد. فيما كان بِشارة الخورِيّ يَحْتَفل، كان الدكتور داهِش الإنسان عائداً إلى لُبنان لِيُعِدَّ هجوماً إعْلامِيَّاً واسِعَ النِّطاق على ظالِمِيهِ.

 

خلال هذه الفَتْرة كُلّها، لَم يَقفْ أي أحد في لبنان ليدافِع عن حقوق الدكتور داهِش. الأمر الذي دَعا الدكتور داهِش أن يَقِف موقِف الحائر إزاء هذه الحقيقة، وفي بَعْضِ كتاباتِه يَذْكُر أنّهُ في القَرْن التَّاسِع عَشَر ، خاطَرَ إميل زولا بِحَياتِهِ ومِهْنَتِهِ حينما وقف مُدافِعاً عن ألفْرِد دريفوس ، الضَّابِط اليهودِيّ الفَرَنْسِيّ، الذي اتُّهِمَ بالخيانة. الأمر الذي يخالف تماماً ما جَرَى وَقَضِيَّة الدكتور داهِش؛ حيث لم يَتجرَّأ أحَد على الوقوف في وجهِ مُتَّهِمِيه. لقد أغْلَقَت وسائل الإعْلام في لبنان أعْيُنَها وآذانها سامِحَةً لِهذا الأمر أن يَحْدُث وبالتَّالي مُتَآمِرَةً مع الحكومة اللبنانِيَّة. لقد قام الدكتور داهِش بِكتابَة وتوزيع كُتَيِّباتٍ وكُتُب عُرِفَتْ بإسم “الكُتُب السَّوداء”. هذه المنشورات هاجَمَت شَخْص الرَّئيس اللبنِانِيّ، وحكومَتِهِ، رِجال الدّين ووسائِل الإعْلام. فَمِن خلال هذه المَنْشورات الجَريئة، قَدَّم الدكتور داهِش الوَقائِع الحَقيقيَّة عن قَضِيَّتِهِ للجمهور، حيث عَرَض لطبيعة الرَّئيس اللبنانِيّ وفَضائِحِهِ. ساهِمَت مُحْتَويات الكُتُب السَّوداء في إحْداث انْتِفاضَةٍ شَعْبِيَّةٍ ضِدَّ نِظام الرَّئيس اللبنانِيّ في 18 سِبتَمبر، 1952.

 

اسْتَعادَ الدكتور داهِش جِنْسِيَّتهُ اللبنانِيَّة خِلال رِئاسَةِ كميل شَمْعون. وقد أقام الدكتور داهِش في لُبنان حَتَّى 1976، حيث دافَعَ عن الدَّاهِشِيَّة، وحيث كَتَبَ وعَلَّمَ وسافَرَ. لقد كَتَبَ أَكثر من مِئَةِ كِتابٍ- في اللغة العربيَّة، وهي تُغَطِّي مجموعة واسِعة من الأدَب. لقد جاءت بعض كُتُبِهِ بِآياتٍ ، وقَصائد في غيرها، في حين أَنَّ بعضها الآخر شَملَ عَلى الرّوايات والقِصص القَصيرة. كما أنَّهُ يَتِمّ ترجمة جميع كُتُبِهِ حالِيَّاً إلى لُغاتٍ عَديدة.

بعد عام 1976 ، جاب الدكتور داهِش العالَم باحِثاً وكاتِباً عن النَّاس وثقافتهم وروحانِيَّتِهِم.

 

تُغَطِّي كتابات الدكتور داهِش مجموعَة مُتَنَوِّعة من المواضيع، لكنك تَجِد أنَّ الموضوع الرَّئيسيّ الثَّابِت فيها يَتَمَثَّل:  بِانْحِراف الإنْسان عن السُّلوك الحَسَن، وبِاتَّباعِهِ الحياة المادِيَّة. وأيضاً أنَّ الحياةَ عبارة عن سَراب سوف يتلاشى قَريباً، وان الحقيقة سَتَنْجَلِي بكل ما أمْكَن. تَحْمِل الكَثير من كتاباتِهِ حزناً كبيرا، وفي العَديد من قِطَعِهِ الأدبِيَّة تَغَنِّي بالموت وأمْنياتٍ لِلَحْظَةِ الإلتِقاء. لقد نال كفايتهُ في هذه الحياة مِن بُؤْسِها ، والفَوضى، والإدِّعاء، والألم، وسُلوك البَشَر، وعَدَم إيمانهِم بالله تَعالى .

 

لقد سَعِدْتُّ بِمَعْرِفَةِ الدكتور داهِش لِسَنَواتٍ عَديدة، ابًْتِداءً من طُفولَتي. تَحَدَّثْتُ، وتناولتُ الطَّعام، وسافِرْتُ مَعَهُ. كان يَبْدو عادِيَّاً كَأيِّ إنسانٍ آخر. كان لديه شَخْصِيَّة فيها حِسّ الفُكاهَة والرَّأفَة. كان رَجُلاً مُتَواضِعاً وبَسيطاً.

غِذاءهُ يَتألَّف في مُعْظَمِهِ من الفواكِهِ والخُضار (خاصَّةً البَصَل) والجُبْن. كان يُحِب جَمْع كل ما يَتَعَلَّق بالفَن والكُتُب العالَمِيَّةِ. في أعماق قَلْبِهِ كان رَفيع الثَّقافَةِ، فَطِناً، رَفيعَ الخُلُقِ، بارَّاً، وحَكِيماً. لم يَكُن قادِراً على أداء مُعْجِزة إنْ لم يَكُن قد حان وقت حدوثها؛ إذْ ينْبِغي لِحدوثها أن يكون هناك سبب. تماماً كما حَصَل مع يسوع المسيح ” 2 وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ.
3 وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ.َ
4 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ” (يوحَنَّا 2 :3- 4)

 

من الأعْمال الخارِقة الكثيرة التي شاهَدْتُ سآتي على ذِكْر أربَعَةٍ مِنْها فقط:

عندما كنت في السَّادِسة عَشْر من عُمْرِي كان لي صَديق يُدْعى جوزيف. كنت وجوزيف صَديقَيْنِ حَميمَيْن. وكثيراً ما تَحَدَّثْنا عن الدكتور داهِش، عن رسالتهِ وقُوَّتِهِ. وفي أحَدِ الأيَّام، سَأَلْتُهُ إذا كان مُسْتَعِدَّاً للذَّهاب مَعي لِزيارَةِ الدكتور داهِش، فَوافَقَ على ذلك. اتَّصَلْتُ بالدُّكتور داهِش اسْتَأذَنْتهُ بِخصوص إحْضار صَديقي مَعي، فوافَق. وكان أنِّي توَجَّهْتُ بِرفْقَتِهِ لِرؤيَةِ الدكتور داهِش. حَيَّانا، وجلس على بُعْد حوالي سِتَّة أقدام مِنَّا، ثُم طَلَب من جوزيف أَخْذَ ورقةٍ عادِيَّة. ثُمَّ طَلَب منهُ أن يقُصّ الوَرَقة إلى أربعة قِطَعٍ مُتساوِيةٍ في الحَجْم. وطلَبَ الدكتور داهِش من صَديقي أن يُدَوِّن على كُلِّ ورقةٍ اسم نَبِيّ، ثُمَّ  أن يَطوي كُلّ وَرَقة عِدَّة مَرَّاتٍ وأن يخلطها ببعضِها البَعْض بحيث تَصْعُب معرفة الوَرَقة عن الأُخْرى. ثُمَّ طَلَب مِنْهُ أن يَخْتار ورقة من الأوراق الأربع وأنَ يَضعها في كَفّ يَدِهِ ثُمَّ يُحْكم إغلاق كفه جَيّداً. في ذلك الحِين، بدأ الدكتور داهِش يكتُب بإصْبَعِه، في الهواءِ واصِفاً ما يَكْتُبُهُ. وحَدَثَ أنَّهُ في لَحْظَةٍ واحِدَةٍ تَعَمَّد إجْراء خطأ فَرَسَمَ إشارَة X على الكَلِمة ثم كَتَبَ الكَلِمةَ الصَّحيحة. عندما فَرَغَ من ذلك طلب من جوزيف أن يَفْتح كَفّهُ ويَفْتَح الوَرَقة. وعندما فَعَل ذلك، كان على الورقة إسم أحد الأنْبِياء فَضْلاً عن، كُل كَلِمة قام الدكتور داهِش بِتَدْوينها في الهواءِ، بِما في ذلك إشارة X التي دَوّنها على الكَلِمة التي شَطَبَها. فَتَح جوزيف باقي الأوراق ليَتَأَكَّد من عَدَم وجود ازْدِواجِيَةٍ في الأسْماء، فَلَم يَجِد.

 

عِنْدَما كُنْتُ في الحادي والعِشرين من عُمري، بينما كُنْتُ ضَيفاً على الدكتور داهِش في بيروت، كُنَّا جالِسين ونُدَرْدِش مع مجموعَة مِنَ النَّاس، وحَدَث أن كانَ هُناك وَرَق لَعِب على الطَّاوِلة. طَلَب الدّكتور داهِش مِنِّي خَلْطَ الأَوراقِ بِشَكْلٍ كامِل، وبِأن أخْتار ورقة، ثُمَّ أنْ أنْظُرَ إليها من دون أن أُريها لَهُ. ثم قام بِطَيّ كُمّ قميصهِ الأيمَن، أخذ البِطاقة التي في يَدِي وهي من فِئَةِ “الشَّاب” “Jack” ثُم قام بِفَرْكِها عِدَّة مَرَّات على ذِراعِهِ دون أن يَنْظُر إليها. وفجأة، طُبِعَ اسم وَرَقة فِئة “المَلِكة” على ذراعِه بِحِبْر. ثُم أعاد البِطاقة لي، ما أن نَظَرْتُ إليها مَرَّةً أُخْرى حَتَّى وجدت أنها ما زالت كما هي، أي ورقة من فِئة “الشَّاب” أو “Jack”. قُلت في نَفْسي، ثَمَّة شيء ليس على ما يُرام. كيف يُمْكِن لِقُوَّة رُوحِيَّة خارِقة للطَّبيعَة أن تُخْطِئ؟ كما فوجِئت أيضاً من عَدَم إبْداء أي شيء إزاء هذا الأمْر من قِبَلِ الجالِسين مَعَنا الذين شاهدوا الأمْر، وبعد دقائق قَليلة مَشَى الدكتور داهِش نحو إحْدى الغُرَف طالِباً مِنِّي أن أَتْبَعهُ. فَعَلْتُ ذلك، حامِلاً الورقة من فِئة “الشَّاب” في يَدِيّ. سألني عمَّا فَكَرْت فيه أثناء ما حَدَث، وفيما كُنْتُ أَهِمُّ بإخْبارِهِ عن الخَطأ ، حَدَثَ أن نَظَرْتُ إلى الورقة فإذا بِها تحْمل رسْمَاً لِفِئَةِ “المَلِكة”. تُرى هل تَحَوَّلَت الوَرَقة الوَرَقة أثناء حَمْلِها في يَدِي.

وفي كِلْتا الحالَتَيْن، كان أمراً خارِقاً للطَّبيعة.

 

خِلال نَفْسِ الفَتْرة، كان للدكتور داهِش عدداً من كُتُبِهِ المَطبوعة. وقد تَسَلَّم واحِداً مِنْها  قَبْل عِدَّةِ أيَّام. كُنْتُ وَحْدِي في الرُّدْهَة، وجاءَ إلَيّ حامِلاً نُسْخَةً في يَدِهِ، وقال لي بِأَّنهُ يَوَدُّني أن أمْتلكها. قَبِلْتُ بكُل سُرور، لكنَّني أصَرَّيْتُ على أن أَدْفَعَ الثَّمَن، لأنَّ ما هو مَطبوع ليس مجَّانِياً. قال لي: “جَيِّد جِدَّاً، كما تَشاء”، أعْطَيتهُ المال بالعُمْلة الأمريكِيَّة، ما إن أخذ المال حَتَّى وَضَعهُ في كَفِّهِ، أقْفَلَها، وسألني قائلاً: “أين المال؟” فأجَبْتُهُ: “إَّنهُ في يَدِكَ” . فَتَح يدهُ ، وكانت فارِغة. ثُمَّ سَأَلَني قائلاً: ” ماذا تَظُن أنَّهُ حَدَثَ هُنا؟” فَأَجَبْتُهُ، لا بُد أن يكون قد وُضِعَ على المال سَيَّالاً روحِيَّاً أخْفاهُ”. ثم قال اتْبَعْنِي. دخلنا إلى إحْدى الغُرَف التي كانت فيها خَزينةً. طَلَب مِنّي فَتْحَ الدُّرْجِ العُلْوِيّ. حاولت فَتْحهُ لكنَّهُ كان مُقْفَلاً. رَسَم الرَّمْز الدَّاهِشِيّ عليها (نجمة خماسِيَّة الأقْطاب) وطَلَبَ مِنِّي أن أُحاوِلَ مَرَّةً أُخْرى، وفَعَلْتُ، وفُتِحَت هذه المَرَّة. نظرتُ داخِلَ الدُّرْجِ، فَرَأيْتُ بين عِدَّة أشياء، المال الذي أعْطَيْتَهُ إيَّاهُ من أجْلِ الكِتاب. مع قِطعة من الوَرق مُدَوَّنٌ عَليها “مِن مُنير”، وكانت موضوعة عَلى النُّقود. لَم تَكُنْ إجابَتِي صَحيحَةً إذْ أنَّ المال لَم يَخْتَفِ بَل، اخْتَفَى وتَجَسَّدَ في موضِعٍ إلى آخَر.

 

في أوائل الثَّمانينات، قَدِمَ الدكتور داهِش لزيارَتِنا في ولاية فرجينيا. أقامَ في شقَّةِ أُخْتِي. وعندما شارِفِت زيارَتهُ على نهايتها، طَلَب مَنِي التَّوَقُّفَ عَلَى الطَّريق لإيصالِهِ في الصَّباح الباكِر إلى وِلايَةِ نيويورك. كان حامِلاً قِطْعَة حَلْوى في يَدِهِ، وبينما كان يَمْشي من غُرْفَةِ النَّوم إلى غُرْفَةِ المَعيشَةِ، تَوَقَّفَ في الرُّدْهَةِ ثُمَّ حَطَّمَ قِطعة الحَلوى على الجِدار. وعندما أطْلَقَ يده، عن الجدار، تَوَقَّعْتُ سقوط القِطعة المُحَطَّمة على الأرْض، وهذا ما حَدَث- سمعْتُ صوت سقوط قِطعة الحَلْوى، لكن دون وجود أي أَثَر لها هُناك. ثُمَّ أدْرَكْت أن القِطْعَة كانت قَد تَخَلَّلَت الحائط الجاف، دون إلحاق أيّ ضَرر بِهِ، ساقِطة من الجانِب الآخَر.

 

فَمَن هو الدكتور داهِش؟ إذا كانت لَديك فُرْصَة لِطَرْحِ هذا السُّؤال عَلَيْهِ، لكانت إجابَتهُ على الأرجح على النَّحْوِ التَّالي: “مَن تَعْتَقِد أنِّي أَنا؟” عِنْدما سُئِلَ السَّيِّد المسيح علَيه السَّلام من قِبَلِ رَئيسِ الكَهَنةِ إنْ كان هوَ المَسِيَّا أم لا، أجابَهُ يَسوع: ” … أنتَ تَقول…” (مَتَّى 26: 64) ليس لَدى أتْباع الدكتور داهِش أيّ شَك حَوْلَ مَنْ هُوَ، لكن بِما أنّهُ مُؤَيَّد بِقوى رُوحِيَّة خارِقة، صانِعاً معجزات السيَّدِ المسيحِ عليهِ السَّلام عَيْنِها، فقَد ذهب بالنَّاس الحَد إلى اتّهامِهِ بأنُّهُ شيطان، المسيح الدَّجال، ساحِر، مُشَعْوِذ، وأشياء حَقيرة أُخْرى. هذا الأمر ليس مُسْتَغْرَباً، لأن النّاس حَمَّلوا السَّيد المسيح عليه السَّلام نَفْسَ التُّهَم.

22 وَأَمَّا الْكَتَبَةُ الَّذِينَ نَزَلُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ فَقَالُوا: إِنَّ مَعَهُ بَعْلَزَبُولَ! وَإِنَّهُ بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ.
23 فَدَعَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ بِأَمْثَال: كَيْفَ يَقْدِرُ شَيْطَانٌ أَنْ يُخْرِجَ شَيْطَانًا؟
24 وَإِنِ انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ عَلَى ذَاتِهَا لاَ تَقْدِرُ تِلْكَ الْمَمْلَكَةُ أَنْ تَثْبُتَ.
25 وَإِنِ انْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَقْدِرُ ذلِكَ الْبَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ.
26 وَإِنْ قَامَ الشَّيْطَانُ عَلَى ذَاتِهِ وَانْقَسَمَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ، بَلْ يَكُونُ لَهُ انْقِضَاءٌ. ” (مُرْقُس 3: 22- 26)

 

 

لا زال المسلمون باقين على إيمانهِم الذي يَقول بِأنَّ النَّبِيّ محمَّد (صَلَّى الله عليه وَسَلَّم) هو آخر الأنبياء ” مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” (40)

إذَن لا يَرى المُسْلِمون في داهِشَ نَبِيَّاً. يُؤمِن الدَّاهِشِيُّون إيماناً راسِخاً بِأَنَّهُ ما مِنْ نَبِيٍّ في مَرْتَبَةِ النَّبيِ محمَّد (صَلَّى الله عَليهِ وَسَلَّم) والسَّيّد المَسيح وموسَى عليهما السَّلام يمكن أن يأتي اليوم؛ وذلكَ لأنَّ عَصْرَ الأنبياء الكِبار قَد أفَل منذُ زَمَنٍ بعيد. ومع ذلك فإنَّ عَدداً من أنْبياءٍ، مِن فِئَةٍ أُخْرى – وهُم دُعاة سلام وإعادة إعْمار، قد جاءوا، وكان أحدهُم غاندي. فَفِي أيِّ فِئَةٍ يَقع الدكتور داهِش؟

 

اليهود ما زالوا يَنْتَظِرون مَجيءَ المسيح؛ رَفَضوا السيَّد المسيح عليه السَّلام لأنه لم يَدْخُل في نطاقِ تَوَقُّعاتِهمِ كَمَسِيّا. لقد تَوَقَّعوا أن يأتي المسيَّا لِيَحْكُمهُم كَمَلِك، وأن يُحَرّرهُم من اسْتِعْباد الرُّومان، وأن يُعِيدَ مَجْد اليَهود كما فَعَلَ النَّبِيّ داوود عليه السَّلام تَماماً. لم يأتِ السَّيد المسيح وِفْقَ هذه الصُّورة. كان ابْن نَجَّار، وإنْساناً بسيطاً ومتواضِعاً. وبالمِثْل، فإنَّ المَسيحِيين يَنْتَظِرون مَجِيءَ يسوع المَسيح الثَّانِي. وأنَّه يتزامَن مجيئهُ ويوم الدَّينونَةِ. يتوَقَّعونه أن يأتي بِمَظهَرٍ مُذْهِلٍ وأن يَجْمَع كُلّ مُؤمِنيه. المُسْلِمون أيضاً يتَوَقَّعون مَجيء يَسوع المَسيح الثَّاني ” وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ” ( سورة الزُّخْرُف 61)

بالنّسْبَةِ لأتْباعِ الدكتور داهِش، لقد فات اليهود المَجيء الثَّاني للمَسيح، كما أنَّ المسيحيين والمُسْلِمين قد فَشِلوا في التَّعَرُّفِ عَليه.

مِنَ الآن، يَجِب أن تكون قَد حَزِرْتَ أنَّ حياة الدكتور داهِش تُعْتَبَر المجيء الثَّاني لِيَسوع المَسيح.

رِحْلَةٌ سَعيدةٌ!

 

مُلَخَّص عن المبادِئ الدَّاهِشِيَّةِ الأساسِيَّة

نحن موجودون، إذن الله هو خالقنا.

 

يُرْفَض قُبول أنَّ يسوع المسيع هو الله تعالى.

 

إنَّ جوهر جميع الأديان الرَّئيسيَّة هو واحِد.

 

إنَّ كُل من أنبياء الله عليهِم السَّلام ( يسوع المسيح، موسى، مُحَمَّد، غاندي، بوذا، داهِش، وغيرهم) هُمْ مَقْبولون.

 

إنَّ ادِّعاءَ الكنائس، والمساجِد، والمَعابِد اليَهودِيَّة، وغيرها من المدْعُوَّة دُوْرَاً للعبادة أنَّها تَتَّبِع أُصول تعاليم دينها الأساسِيَّة هو أمر غير صَحيح، كما أنَّ كثيراً منها قد اتَّبَعوا أُناساً مُخادِعين وأشْرار.

 

توجَد علاقة مُتَبادَلَة بين كُل واحِدٍ مِنَّا وبين الله عَزَّ وَجَلّ. لا حاجة لِوجودِ رِجالِ دينٍ كوسطاء.

 

ليست حياتنا سِوى فَصْلٍ صَغيرٍ في سِفْرِ الحَياة. إنَّ الانتقال من مَرْحَلة إلى أُخْرى يَتِمُّ عَبْر التَّقَمُّص.

 

يوجد نِظام عدالة عالَمِيّ يَرْصُد سلوكنا الطَّالح مُقابِل الصَّالِح مُنَفّذاً القصاص المُسْتَحَق.

 

تْرْبِط النَّفس كُلَّ مادَّة وكُل فَصيلة حَيَّة على الأرض بَعْضها بِبَعْضٍ .

 

إنَّ الحياة موجودة (بأشْكال) حَياتِيَّة أُخرى، في جَميع أنْحاء الكون، والسَّيَّالات الرُّوحِيَّة هي جوهَر وجودها.